إدلب – سونيا العلي
تتعرض النساء الناجيات من جحيم الاعتقال لوصم مجتمعي لما يمكن أن يكن قد تعرضن له من تحرش واعتداءات جنسية داخل السجون، ولكن تمكنت ناجيات في إدلب من التغلب على المعاناة بعزيمة وإصرار، وتجاوزن المجتمع الذي يرفضهن ويمعن في ظلمهن .
لم يكن من السهل على سلمى الأحمد(32 عاماً) النازحة من مدينة سراقب أن تتخطى تجربة الاعتقال، ولكنها وضعت لنفسها هدفاً في الحياة، وتمكنت من العودة لحياتها الطبيعية والتأقلم مع المجتمع من جديد، وعن ذلك تقول: “جسدي الذي تحمل عصي الجلاد وعتمة السجون، لن تؤثر عليه عادات وتقاليد بالية تجعل من المرأة مذنبة حتى لو كانت ضحية”.
وتؤكد الأحمد أنها اعتقلت بداية عام 2020 أثناء وجودها في مدينة دمشق، برفقة إحدى قريباتها التي تتعالج من مرض السرطان: “قام عناصر حاجز تابعين لنظام الأسد باعتقالي من داخل المشفى دون أن أعلم التهمة الموجهة ضدي، وأثناء التحقيق معي عرفت بأن تهمتي هي التعامل مع الإرهابيين وتهريب السلاح”.
وتشير الأحمد أنها بقيت في المعتقل حوالي سنة وشهرين، ذاقت خلالها كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وحين خرجت من وراء قضبان سجنها، وجدت نفسها مدانة من أهلها وأقاربها والمجتمع، ففضلت الانعزال عن العالم ووضعت نفسها في سجن إرادي لتتجنب نظرات اللوم التي تلمحها في عيون الآخرين، ولكن الأمر لم يدم طويلاً على هذه الحال.
وتردف: “حين خرج جارنا من السجن، احتفى به الجميع، وتم استقباله بالترحيب والفرح، مع أنني لا أجد فرقاً بين الرجل المعتقل والمرأة المعتقلة، فهي أيضاً ذاقت التعذيب والشبح والصعق، فلماذا تكون المرأة مرفوضة من قبل المجتمع؟”
قررت الأحمد أن تحرر نفسها من عزلتها القسرية لتثبت للعالم أنها لم تختر الاعتقال، بل فُرض عليها، كحال كثير من النساء السوريات، لذلك: “قررت أن أعيش حياتي الطبيعية، وأن أعود لممارسة مهنتي الأساسية في التدريس والاهتمام بأطفالي”.
وتختم الأحمد كلامها: “الاعتقال وسام شرف على صدورنا كنساء، وقد ذقنا من العذاب والذل ما يكفي، فمن الظلم أن نجد أنفسنا في مواجهة الوصم المجتمعي، حين نكون بأمس الحاجة للدعم والمناصرة للخروج من محنتنا ونسيان ما ألمّ بنا”.
أما فريدة الطويش (22 عاماً) من مدينة إدلب فقد عادت إلى مقاعد الدراسة، بعد أن حال الاعتقال بينها وبين تحقيق أحلامها وطموحاتها، وعن ذلك تقول: “كنت أدرس الصيدلة في جامعة حلب، حيث تم اعتقالي إثر خلاف ومشادة كلامية بيني وبين إحدى الزميلات، باعتبار أحد أقاربها من أصحاب السلطة والنفوذ، وبقيت في السجن حوالي ستة أشهر، وبعد خروجي من السجن، عدت أدراجي إلى مدينة إدلب، لكني تفاجأت بردة فعل خطيبي الذي تركني وتخلى عني، وأخوتي الذكور الذين اتهموني بجلب العار لهم مدى الحياة، وحملوني مسؤولية إصراري على إكمال دراستي، لأن الفتاة يجب أن يكون عملها الأساسي في مزاولة أعمال المنزل من غسيل وتنظيف وطهي”.
وتلفت الطويش أنها قررت المواجهة وعدم الاستسلام، فعادت لإكمال دراستها في جامعة إدلب، كما تعمل على تعليم النساء مبادئ الإسعافات الأولية، ليكن قادرات على إسعاف أفراد أسرهن في حالات القصف والطوارئ.
“حين انتهى كابوس الاعتقال وجدت نفسي في مواجهة كوابيس كثيرة” بهذه الكلمات عبرت ازدهار العبد الله (30 عاماً) من بلدة كللي شمالي إدلب، عن معاناتها بعد خروجها من المعتقل، مبينة أنها اعتقلت بداية عام 2018، أثناء ذهابها إلى مدينة حماة لاستخراج بعض الأوراق الثبوتية، وكان الدافع لاعتقالها هو الضغط على أخيها الذي انشق عن صفوف نظام الأسد، وانضم لفصائل المعارضة، وعن ذلك تقول: “حين خرجت من السجن بداية عام 2019، كانت نفسيتي محطمة، وقبل أن أنسى الظلم والتعذيب الذي لقيته داخل السجن، وجدت أن الجميع قد تغير، حتى علاقتي بزوجي، أصبحت دون مشاعر، وبعد فترة وجدنا أن الطلاق هو الحل الأمثل، فقرر زوجي أخذ أولادي الثلاثة، وحرماني منهم، باعتباري غير قادرة على الإنفاق عليهم”.
وتشير العبد الله أن أهلها اقترحوا عليها زيارة طبيب نفسي والخضوع لمعالجة نفسية، لكنها رفضت، وعن ذلك تقول: “أنا لست مريضة نفسية، بل قوية وقادرة على مواجهة قسوة الواقع، فقررت أن أعتمد على نفسي وأجد عملاً مستغلة خبرتي في الخياطة والتفصيل، فقمت بافتتاح مشغل صغير، لأكون قادرة على إعالة نفسي بكرامة، كما حصلت عن طريق المحاكم على حقي في حضانة أطفالي”.
المختصة بالإرشاد النفسي هنادي عزام (32 عاماً) من مدينة سرمدا، تقول: “يترك الاعتقال أثراً اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً في حياة النساء، لذا يجب على المجتمع عدم معاملة الضحية كمذنبة وجانية”.
وتلفت عزام إلى ضرورة تمكين المرأة المعتقلة ودمجها في المجتمع، كي تتمكن من مواجهة التحديات، ورفع قدراتها التعليمية والمهنية، وافتتاح دورات دعم نفسي ومناصرة، فضلاً عن تدريب المعتقلات لمواجهة الاستغلال بكافة أشكاله”.
وتشدد عزام على ضرورة نقل معاناة النساء المعتقلات للعالم والمنظمات الحقوقية، وتنظيم حملات تدعم وتطالب بتحرير المعتقلات اللواتي لازلن قابعات في أقبية النظام السوري .
في وقت لا تزال آلاف النساء معتقلات في السجون، تسعى ناجيات لتحدي الواقع المرير ونظرة المجتمع الذي لا يرحمهن ويمعن في ظلمهن، ليجعلن من الألم باباً للأمل والنهوض من جديد رغم الانكسارات.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”