Search
Close this search box.

زواج القاصرات انتهاك للطفولة في إدلب وريفها

زواج القاصرات انتهاك للطفولة في إدلب وريفها

إدلب – نهى الحسن

عادت فاتن (١٥عاما) المنحدرة من قرية منطف  إلى منزل أهلها بقلب منكسر، مصطحبة طفلها الصغير، وذلك بعد أن طلقها زوجها عقب مرور أقل من عام ونصف فقط على زواجها.

فاتن أجبرها أهلها على ترك المدرسة والزواج رغم أنها كانت متفوقة في دراستها،اعتقاداً منهم بأن البنت ليس لها في النهاية سوى بيتها وزوجها، وبعد الزواج واجهت الكثير من المشاكل، حيث كانت تجهل الكثير من مسؤوليات الزواج،  فطلقها زوجها وتزوج بأخرى.

فاتن واحدة من مئات القاصرات السوريات اللواتي دفعن ثمن تزويجهن في سن مبكرة، فبدل أن يقضين طفولتهن على مقاعد الدراسة وبين صديقاتهن يلهين ويلعبن، وجدن أنفسهن بين ليلة وضحاها زوجات في بيوت عليهن إدارتها، وعلى عاتقهن واجبات والتزامات ومسؤوليات كبيرة تفوق طاقة أجسادهن الصغيرة على تحملها.

انتشر زواج القاصرات في إدلب وريفها وبشكل كبير في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد تراجع التعليم، ووقوع معظم الأهالي تحت خط الفقر، بسبب تداعيات الحرب المدمرة التي دخلت عامها العاشر، بيد أن أغلب الأسر التي  زوجت بناتها في سن مبكرة، لم تدرك أنها أوقعت بناتها

 ضحايا لهذا الزواج، إلا بعد خوض بناتهن  لتجربة الزواج والتي انتهت معظمها بالفشل، وبعضها الآخر كانت لها نتائج كارثية.

رولا (١٤ عاما) من بلدة حيش انتحرت بعد يأسها من حياتها الزوجية بواسطة السم، وعن قصة رولا تحدثنا شقيقتها قائلة: “زوج أهلي رولا وهي لم تكمل الثالثة عشر من عمرها لشاب ينتمي إلى إحدى الفصائل العسكرية، وذلك بعد فقدانهم الأمل بحصولها على التعليم بسبب ظروف الحرب، وبعد الزواج تبين أن الشاب ينتمي لتنظيم داعش، حيث كان متشدداً في كل الأمور، يمنعها من خروج المنزل، وإن خرجت يلزمها بوضع النقاب، كما كان محرماً عليها الحديث مع أقاربها وأعمامها وأخوالها، عدا عن ذلك فقد كان يضربها ويحرمها من زيارتنا لعدة أشهر كلما ارتكبت خطأ ما في أعمال المنزل التي لم تكن تجيدها بمعظمها، نظراً لعمرها الصغير”. تصمت الأخت قليلاً ثم تتابع بحزن شديد وغصة: “كثيرا ما كانت تلجأ أختي لأهلي كي يخلصوها من هذا الزوج الظالم، وفي كل مرة كانوا يضعون اللوم عليها ويعيدونها إليه مجبرة، خوفاً من كلمة (مطلقة) التي ترفضها جميع المجتمعات السورية ولاسيما مجتمعنا الريفي، فكان الانتحار هو الوسيلة التي ارتأتها للخلاص”.

أما هبة (١٦عاما) من معرة النعمان فكانت ضحية أخرى للزواج المبكر، حيث استشهد والداها في الحرب الدائرة، فذهبت لتعيش مع أخواتها الثلاثة في منزل عمها.

الظروف المعيشية السيئة دفعت بعم هبة إلى زجها في حياة تكبرها بكثير، فالفقر والجهل ساهما في تزويجه لابنة شقيقه من رجل  ثري يكبرها بعشرين عاماً، متزوج ولديه أبناء، وذلك بعد أن أغراه بالمال. زوجها دون أن يأخذ موافقتها حتى، وبعد الزواج بدأت المشاكل بينها وبين زوجها الذي لاتعرف كيفية التعامل معه لحداثة سنها من جهة، وبينها وبين زوجته الثانية التي راحت تعاملها كخادمة من جهة أخرى، وعلى الرغم من ذلك صبرت وحاولت التأقلم، وبعد عامين أنجبت طفلة، إلا أن ضرتها أبت أن يستمر هذا الزواج فظلت تحرض الزوج ضدها إلى أن طلقها.

عادت هبة إلى منزل عمها مكسورة الخاطر، حاملة طفلتها التي رفضت التخلي عنها، وهناك راح العم وزوجته يعاملونها معاملة سيئة، ويحملونها مسؤولية الفشل في هذا الزواج، وكانت تنعتها زوجة عمها دائماً بالغبية والحمقاء والمجنونة، وذات يوم استيقظت العائلة، ولم تجد هبة التي أخذت طفلتها وهربت، ولا أحد يعلم عنها شيئاً حتى الآن.

زينب (١٨عاماً) من بلدة خان السبل تروي تجربة  زواجها المبكر لشبكة المرأة السورية قائلة: “توفي والدي وأصبحت أمي المسؤولة عن تربيتنا أنا وإخوتي الأربعة، ولأنني الفتاة الوحيدة في العائلة، فقد قبلت أمي بتزويجي في أول فرصة أتيحت لي، حتى تضمن لي مستقبلي”.

غادرت زينب منزل العائلة وهي لم تتجاوز السادسة عشر من العمر لتكون مسؤولة عن منزل وزوج، تقول زينب أن الأمر لم يكن سهلا في البداية، خصوصاً أنها لم تكن معتادة على العيش بعيداً عن أمها وإخوتها، كما أنها لم تكن تتقن جيدا الأشغال المنزلية، وقد عاشت فترة من الزمن حتى تأقلمت مع وضعها الجديد،

اليوم وزينب تبلغ من العمر (١٨ عاما) تصرح بأنها سعيدة مع زوجها الذي يعاملها بلطف، لكنها في نفس الوقت تؤكد بأنها لوعادت عجلة الزمن إلى الوراء، لن تقبل بالزواج في ذلك السن، لأنها حرمت من الكثير من الأمور، ومن بينها الدراسة والاستمتاع بمرحلة الطفولة، أجمل مراحل العمر .

يترتب على زواج القاصرات آثار نفسية كبيرة لخصتها المختصة في الدعم والإرشاد النفسي نهى عرنوس (٣٥عاما) بالقول: “تصاب العديد من الفتيات بكثير من المشاكل النفسية، بسبب الصدمة التي يتعرضن لها نتيجة زواجهن في سن مبكرة، وذلك لانتقالهن الفجائي من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج، دون المرور بالعيش بالمراحل العمرية بشكل طبيعي، ويعتبر مرض الاكتئاب المزمن واحداً من أكثر الأمراض التي يتعرضن لها”.

وتتعدد دوافع زواج القاصرات في بلد أنهكته الحرب، والتي ترجعها المحامية والناشطة الحقوقية وداد رحال (٤٥عاما) من ريف إدلب إلى: “رواسب العادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمع، وغياب المستوى الفكري والتعليمي، وتفاقم البطالة وغلاء المعيشة وغياب المعيل، والتشرد والنزوح المتكرر وعدم الاستقرار، وانعدام الأمن والأمان”.

وتعتبر رحال أن زواج القاصرات حالياً يعد كارثة من الكوارث الاجتماعية التي تجتاح المجتمع السوري بشكل كبير كما القصف والدمار، فمعظم الفتيات لم يتعلمن أساسيات التربية السليمة بسبب الحرب، لذلك تؤكد على ضرورة تنظيم حملات توعية مستمرة للأهالي بخطورة هذه الظاهرة، التي فرضت على المجتمع وجود أمهات صغيرات غير واعيات وغير مؤهلات من جميع النواحي النفسية والفيزيولوجية والاجتماعية، يدرن أسر وينشئن أجيال، ومن هنا تعتبر أن هذا الزواج ليس جريمة بحق الفتاة وحسب، بل جريمة بحق المجتمع ككل.

وتنصح رحال الأهالي بأن يسعوا لتمكين بناتهن عبر التعليم وإذا لم يتوفر التعليم، تدعوهم لتعليمهن المهن أو أي شيء يمكن أن يعتمدن عليه، إن غدر بهن الزمن يوماً.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »