ياسمينة البنشي
عاداتٌ وتقاليدٌ رثّة توارثناها في منطقتنا الشرق أوسطيّة، كانت في بعض الأحيان تمتهن من كرامة المرأة وتجبرها على العيش في ظروف اجتماعية مرغمة على واقعها، كي لا تتناولها الألسن في مجتمعٍ ذكوري لا يستطيع أن يرى حجم المعاناة في داخلها.
لمَ لا نتبادل الأدوار لمدة قصيرة ونضع الزوج مكان زوجته بالطلب منه، أيها الزوج: إذا علمت أن زوجتك تخونك لا تدعها تعرف بأنك على علمٍ أبداً، انسَ الأمر وحاول ان تتعايش معه وعش حياتك بشكلٍ طبيعي، حافظ على بيتك ولا تهدمه بيدك، حاول أن تبدأ من نفسك، وتراجع ذاتك، واعرف سبب تقصيرك الذي دفع بزوجتك للخيانة! قف أمام المرآة وانظر فيها جيداً، لماذا لا تخفف من وزنك وتبدأ ببناء عضلات جسمك كما تحب زوجتك؟ لأنّ شكل الرجل بكرش يعتبر كارثة، اهتم بمظهرك واحلق لحيتك الطويلة ولا تحاول التجسس عليها أو البحث بهاتفها أو أي شيء آخر من هذا القبيل، واعتبرها نزوة، واحمد الله أنها لم تطلب منك الطلاق لتذهب وتتزوج من رجل آخر، هكذا تكون واعٍ وتحافظ على بيتك.
ماذا ستكون ردّة فعل الرجل بعد هذا الكلام؟!!
هل سيشعر أن هذا الكلام فيه نوع من الجنون والمبالغة ولن يستطيع تقبله؟!!!
ببساطة شديدة هذه هي النصائح التي تقدم للمرأة التي يخونها زوجها، حتى يتمّ تبرئة ساحة ذلك الزوج الخائن أمامها على الأقل، فالمجتمع بارعٌ في إيجاد التبريرات لخيانة الرجل، لكنّه من المحال أن يتسامح مع المرأة بأيّ خطأً مهما كان صغيراً، وقد ينتهي بعضها إلى ما يسمى “جرائم الشرف”.
تقول نور بعد خيانة زوجها المثبتة في منزلها: “طلبتُ الطلاق من زوجي الذي لم يكن يشعر بحجم ما اقترفه، فانهال عليّ اللّوم من أهلي وأهله وحتى أقاربي وجيراني، تريدين الطلاق بسبب نزوة! تريدين أن تخربي بيتك وتشتتي أسرتك وتضيعي مستقبل أبنائك لأجل غلطة صغيرة، ومن سيقوم بالتكفل بمصروفك؟ فأهلك لن يستطيعوا تحمل نفقاتك بسبب أوضاعهم، لماذا لا يكون التقصير منكِ ما دفعه لمعاشرة سواكِ؟ سيقول المجتمع أنك مطلقة وستلاحقكِ نظرات الناس، وستطالك ألستنهم بكل كلمة سيئة!!!” وتكمل حديثها: “كأن كلمة مطلقة بذنب لم أرتكبه هي وصمة عار أو لقبٌ شائن يجب عليّ أن أحمله طوال حياتي؟!!!”
ولا أنسى أبداً عندما كنت في العاشرة من عمري حين خرجنا على صوت جارنا الخلوق أبو محمد وهو يدق الباب على زوجته بانفعال ويتعالى صوته، كان يصرخ على زوجته ويقول لها احزمي أمتعتك واذهبي الى منزل أهلك فأنا تزوجت بامرأة غيرك وسأجلبها للعيش هنا ولا أريدك هنا في البيت!!! وهي تبكي وتجهش: لماذا؟ ماذا فعلت لك؟ ما الذي ينقصني؟ ما الجرم الذي ارتكبته لتتزوج بغيري وتحرق قلبي؟!!! وهو مستمر في الصراخ “لا أريدك في هذا المنزل سأعيدك لمنزل والدك كما أخذتك منه” حاولت الزوجة أن تأخذ طفليها لكنّه منعها وطلب من والدتي أن تستضيف الطفلين إلى حين عودته. منع زوجته حتى من تناول حقيبة صغيرة، أمسكها من يدها وأخرجها من المنزل عنوة وهي تصرخ “تزوجت بغيري بدون سبب وتريد أن تحرمني من أطفالي”.
ركبت أم محمد السيارة برفقة زوجها وقلبها يكاد ينفطر من الألم. وصلا إلى الحيّ الذي يقطنه والداها وعائلتها، وقبل أن يلتفا باتجاه زقاق المنزل أوقف الزوج السيارة، وطلب من زوجته التوقف عن البكاء قائلاً “أنا لم أتزوج بغيرك لكن والدك توفي ولم أجد غير هذه الطريقة لأخفف عنك الصدمة!” أخذت السيدة تمسح دموعها سريعاً وهي تقول احلف بأنك تقول الصدق فيحلف بأنّه لم يتزوج وأن والدها توفي، عندما كانت تروي لأمي ماذا حدث معها قالت بعد أن حلف زوجها أخذت تزغرد في السيارة وتحمد الله أن والدها مات وزوجها لم يتزوج بغيرها!!!
(يا لحجم القهر التي تحمله امرأة ابتسمت لخبر وفاة والدها عندما علمت بعدم زواج شريكها بغيرها!!!)
أما صفاء التي فاجأها زوجها في تركيا بأنه سيتزوج بغيرها بعد أكثر من عشرين عاماً من زواجهما تحدثني أنها لم تستطع أن تحرك ساكناً أو أن تتلفظ بأيّ كلمة تعبّر بها عن رفضها للفكرة، أو حتى السؤال لماذا، أصيبتْ بالصدمة وآثرتْ أن تكبت ألمها في قلبها فهي (وبحسب قولها) لا تملك العزوة فوالدها ووالدتها توفيا منذ عدة سنوات وأخواتها كلٌّ منهم في مكان فإن رفضت رغبة زوجها فستُجبر على العيش وحيدة في غربتها وقد تُحرم من العيش بجانب بناتها، بل ولكي تكسب رضى زوجها قامت بمصادقة الزوجة الجديدة واعتبرتها فرداً من أفراد العائلة، لكنّ صفاء لم تستطع أن تخفي وجعها يوماً بعينين دامعتين دوماً واحساس بالانكسار عند كل لحظة تُسأل فيها عن زواج شريكها بغيرها أو حتى عن حالها.
في ظروفٍ أخرى وبعد لجوء العديد من العائلات إلى دول أوربا وأمريكا نرى الكثير من حالات الطلاق لأزواجٍ بعضهم في بداية حياتهم الزوجية، والبعض الآخر مضى على علاقتهم عشرات السنوات! قد لا يكون بعضها بحالة صحيحة لكننا هنا نجد حجم الانفجار الذي ولّده الضغط بتحمّل ظروفٍ لا طاقة لهنّ على حملها، وحين سنحت الفرصة لهنّ بالحصول على حياة مستقلة اجتماعياً بحضانة أبنائهنّ، ومادياً بتأمين مستلزمات الحياة، وراتب المساعدة الدائم. قررن القيام بما لم يستطعن فعله في فترة حياتهنّ، كإكمال دراستهنّ والعمل والعيش باستقلالية بعد الانفصال…
فهل سنستطيع في سوريا التي نحلم بها أن نغيّر تلك المفاهيم المتمثلة بعادات مقيتة توارثناها وعشناها منذ مئات السنين لتنال المرأة فيها حقوقها كاملة بعدل وكرامة وتحقق لها مساواة حقيقية بينها وبين الرجل؟!!!