يعتبر المجتمع في محافظة دير الزور مجتمعاً محافظاً دينياً نوعاً ما , يعتمد على الفطرة في تعاملاته مع بعضه البعض على قواعد دينية وموروث شعبي في العلاقات الاجتماعية . حيث المرأة بشكل عام لها مكانة اجتماعية في المجتمع ريفاً ومدينة فقد كانت تعمل في الزراعة وتساعد زوجها في الحقل وفي تربية الحيوانات وكذلك عملت كممرضة في المشافي ومعلمة في المدرسة كما عملت في تربية الحيوانات في منزلها، وبقيت مع ذلك هي صاحبة المنزل تخرج مع الرجل إلى الحقل والعمل.
محافظة على الموروث الديني والأخلاقي الذي نشأت عليه حيث كانت الأخلاق هي ميزة تمتاز بها نساء المحافظة وكان يطلق عليهن بالموروث الشعبي (خوات الرجال) وذلك لتمتعهن بالأخلاق الحميدة وقيم الشرف.
ومع انطلاق الثورة السورية شاركت نساء دير الزور فيها منذ البداية وفي جميع المجالات خاصة مجالات الإغاثة والإسعاف وكانت المرأة مثالاً للتضحية والتفاني، حيث ارتقى الكثير منهنّ شهيدات وجريحات وفقدت الكثير من الأمهات أزواجهن وأولادهن وبعضهن قدمن أكثر من شهيد على جبهات القتال ولم يبخلن بالعطاء، فكان منهن حقاً خنساوات .
ومع دخول تنظيم داعش إلى محافظة دير الزور والذي شهد قتالاً مع الفصائل العسكرية الموجودة في المحافظة انتهت بانتصاره وخروج الفصائل من المحافظة عمد التنظيم إلى فرض هيبته وسطوته على المحافظة وذلك من خلال ممارسة أعمالاً قمعية تبعث الخوف في نفوس أهالي المنطقة فقام بسلسلة من الإجراءات الوحشية على الأرض حيث قتل العديد من المقاتلين في صفوف الفصائل المقاتلة واعتقل الكثير منهم ولاحق الناشطين ولم تسلم النساء من هذه الملاحقات حيث اعتقل العديد منهن بتهم مختلفة منها الانضمام للجيش الحر أو مساعدته أو نشاطات الإغاثة وغيرها .
بدأ التنظيم بفرض سطوته عن طريق تطبيق ماأ سماها الأحكام الشرعية والتي بدأ بتطبيقها على النساء والرجال، حيث بدأ بفرض اللباس الشرعي على النساء وفرض عليهن عدم الخروج من منازلهن.
كانت شروط اللباس التي فرضها التنظيم تقتضي أن يكون أسود غير مزركش فضفاض لا يشف لا يشبه لباس الرجال ولا لباس المشاهير ولا تبان منه ملامح الجسد.
كذلك فرض على المرأة ارتداء ما يسمى (الدرع ) وهو قطعة من القماش الأسود مؤلفة من ثلاث قطع توضع على الرأس وتسدل على الوجه لتغطيه بشكل كامل مع العينين وكان شرطه ألا يكون شفافاً , فتبان منه العينين وقد كان عناصر الحسبة يخالفون المرأة التي لا تلبس الدرع أو اللباس الشرعي وقد تدرجت تلك المخالفات
كما فرض على المرأة التي تخرج مضطرة للسوق ارتداء اللباس الشرعي كاملاً إضافة لكفوف اليدين السوداء والجوارب السوداء ولا يسمح لها بحمل حقيبة يد أو( جزدان) وهو ما توضع به النقود فوق لباسها الشرعي أي تخفيه تحت لباسها وكان لا يسمح لها بوجود أي لون آخر مهما كان صغيراً على لباسها.
كان المكلفون بمتابعة مخالفات النساء هم عناصر الحسبة وهم يتمتعون بفضاضة في التعامل مع الرجال والنساء على حد سواء. حيث كانوا يستخدمون سيارات حديثة من نوع ” فان ” يضعون عليها مكبرات صوت يدعون فيها الناس للتقيّد بأوامرهم وكانوا يجوبون الأسواق والشوارع والقرى .
بدأت مخالفات اللباس متدرجة حيث بدأت بجلد الرجل (ولي أمر المرأة المخالفة )أربعين جلدة بتهمة تبرج زوجته أو أخته والتبرج بنظرهم هو مخالفة هذا اللباس حتى لو كانت المرأة ضمن منزلها بمجرد رؤية رجال الحسبة لها , كما كانوا يتطلعون إلى داخل البيوت لمشاهدة النساء وفي أماكن تجمعهن داخل المنازل حيث نقلت حالات كثيرة تمت فيها مخالفة المرأة بتهمة التبّرج وهي في منزلها أو خرجت لأمر اضطراري ومن هذه الحالات .
أم ناصر تقول كان باب المنزل مفتوحا ً وخرج ابني الصغير مسرعاً باتجاه الشارع المكتض بالسيارات وبدافع الخوف وغريزة الأمومة خرجت خلفه , وأنا محجبة وارتدي لباسي الشرعي لكنني لا أرتدي الدرع وكانت سيارة الحسبة مارة في الطريق فقاموا بالتوقف وأخذ اسم زوجي الذي راجعهم لمكتب الحسبة حيث قاموا بتغريمه مبلغ خمسة آلاف ليرة سورية وكتب تعهد بعدم عودتي لهذا الأمر .
حالة أخرى تذكرها إحدى نساء الريف تقول خرجت من بيتي إلى حظيرة الأبقار الموجودة خلف البيت كي أجمع (العلف ) طعام الأبقار من الأرض , وكما هو معروف فإن العمل بالزراعة لا يتم والمرأة ترتدي الدرع لكنها محجبة ومنقبة لكن الدرع يعيقها عن مثل هكذا أعمال لكن عناصر الحسبة كانوا يمرون بالطريق وقد شاهدوني وأنا أعلف الأبقار ولا أرتدي الدرع وبذلك وجهوا لي تهمة التبرج واضطر زوجي لمراجعة مكتب الحسبة الذين قاموا بجلده تعزيراً أربعين جلدة وكتابة تعهد بعدم عودتي لمثل هذا الفعل .
ما قام به عناصر الحسبة من مضايقات كان كثيراً وصل لمرحلة التعدي على النساء وأخذهن عنوة لمكتب الحسبة حتى حضور أولياء أمورهن , الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من أبناء المنطقة والذين لم يعتادوا على أن تعامل نساؤهم بهذا الشكل حتى وإن كان الأمر ظاهرياً باسم الإسلام وعملياً هو عملية إخضاع للمنطقة , فكان هناك العديد من ردود الفعل خاصة أن بعض عناصر الحسبة كان لديهم تاريخ أخلاقي سيء وأهالي المنطقة يعرفونهم جيداً لذلك فقد وصلت بعض تلك الأعمال إلى اشتباكات مسلحة مع عناصر الحسبة وقتل العديد منهم كما حدث في مناطق (البوكمال – المياذين – صبيخان – الغبرة )وغيرها حيث قام عناصر التنظيم بالاعتداء على نساء بتهمة التبرج.
رغم أن الحشمة والحجاب هي ميزة لباس نساء تلك المناطق وقد أصبحت تجارة بيع اللباس الشرعي رائجة في مكاتب الحسبة حيث كان النقاب يباع ب 500ليرة سورية واللباس بمبلغ 5000 آلاف ليرة، وكانت كل امرأة تخالف تجبر على شراء لباس شرعي من الحسبة وكان عناصر الحسبة يقومون بقص لباس المرأة المخالفة بالمقص وإجبارها على شراء لباس جديد.
وفي السياق نفسه فقد منع عناصر التنظيم عرض الملابس النسائية على واجهات المحلات التجارية وقاموا بوضع نساء في جميع محلات البيع التي تبيع قطعاً للنساء كذلك في الصيدليات والعيادات، الأمر الآخر الذي قام عناصر الحسبة بتطبيقه والذي قالوا بأنه تطبيق للشرع ثم تراجعوا عنه جزئياً هو قضية (المحرم) وهو الرجل الذي تكون قرابته للمرأة من الدرجة الأولى ونهى الإسلام عن زواجه منها كالأب والابن والعم والخال أو أن تكون المرأة مع زوجها.
وقد غالى عناصر الحسبة في هذا الأمر فقد كان في البداية لا يحق للمرأة الخروج من منزلها حتى إلى منزل جيرانها والذي يقع في نفس الحارة إلا بوجود محرم وقد شهد الأمر صدامات عديدة مع الأهالي حيث قام عناصر التنظيم بمخالفة نساء عبرن الطريق من منزل إلى منزل لا يبعد عنهن أمتار قليلة وهن يرتدين اللباس الشرعي بتهمة الخروج بدون محرم الأمر الذي أثار استهجان وسخرية الأهالي .
ومن ثم تراجع عناصر التنظيم عن هذا الأمر وبدأوا تطبيقه فقط على ركوب سيارات السفر مهما كانت المسافة وأيضاً غالوا بهذا الموضوع فقد كانت النساء يضطررن للخروج إلى مناطق قريبة في المدن الكبرى كالبوكمال والمياذين ومعظمهن لا يوجد لديهن رجل محرم إما بسبب استشهادهم أو لجوئهم أو أنهم مقاتلون وكان عناصر التنظيم ينزلون النساء على حواجزهم لحين حضور المحرم ومن ثم معاقبته حسب ما يصدر عن أمير الحسبة
لكنهم تراجعوا أيضاً أمام كثرة الاعتراضات عليهم التي وصلت حد الصدام معهم .
وقد انتشر بين الناس قصص كثيرة عن معاملة التنظيم أغربها قصة مايسمى (العضاضة) وهي امرأة تحمل كلاب معدني تمشي مع عناصر الحسبة مهمتها الإمساك بجسد المرأة بهذا الكلاب وقرصها بقوة حتى خروج الدم وكانت المخالفة التي تستوجب ذلك هي إرضاع المرأة لطفلها في السوق ولا توجد شهادة على هذه القصة لكنها تواترت بقوة بين الأهالي.
ومع تطور الهيكل التنظيمي للتنظيم أنشأ جهاز الحسبة النسائية الذي مهمته ملاحقة النساء والتجسس عليهن وقد شوهدت نساء من عناصر التنظيم يمشين في الأسواق ويقمن بتفتيش النساء وجرهن بالقوة إلى الحسبة كما تواجدن على حواجز التنظيم من أجل تفتيش النساء كما كانت هذه المجموعات من النساء تقوم بدوريات على المشافي والعيادات ويجبرن النساء على ارتداء الدرع حتى الطبيبات داخل عياداتهن كان عليهن الالتزام باللباس المفروض .
كذلك منع التنظيم النساء من العمل وفصل بعض المناطق التي اضطره الأمر لعملهن كالمشافي إلى فصل النساء وتخصيص مشاف خاصة لهن وقام عناصر الحسبة أيضاً بفصل قاعات الانترنت وتخصيص قاعات للنساء ومراقبتها من قبل عناصر الحسبة ووصل الأمر للتجسس عليها عن طريق إدخال نساء تابعات للتنظيم إلى هذه القاعات والتجسس على النساء الموجودات فيها ونقل ما يدور داخلها.
غير أن أبرز ما كانت تعانيه النساء بوجود التنظيم هو منع الأطباء الذكور من علاجهن على الرغم من وجود إختصاصات لا توجد طبيبات كاختصاص العظمية والبولية ومنع أطباء النسائية من معالجتهن وبالتالي إزدياد معاناتهن أكثر مما هي عليه.
تزداد معاناة النساء أضعافاً مضاعفة فرغم ما تعانيه من ظروف الحرب وفقد الأبناء والأزواج وهموم اللجوء والابتعاد القسري استخدم التنظيم النساء كورقة ضغط على المجتمعات التي سيطر عليها تحت ظل فتاوى جعلها ذريعة لامساك أهالي المنطقة ولي ذراعهم في واحد من أكثر المواضيع حساسية وهو موضوع النساء والشرف.
عن موقع “منظمة دير الزور 24”