سحر حويجة
اهتمت وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل إعلامية مختلفة، بعد صدور نتائج امتحانات الثانوية العامة في سوريا، بخبر نجاح 78 معتقلاً من نزلاء سجن عدرا المركزي، من أصل 79 تقدموا لامتحانات الثانوية العامة، إضافة إلى 10 آخرين تم تعليق نتائجهم إلى حين مراجعتهم وزارة التربية. نسبة نجاح عالية وصلت حد 99 % على الرغم من الظروف الاستثنائية القاسية التي تتحكم بحياة هؤلاء المعتقلين، حيث تطول قائمة المحرمات، كما يتعرضون لضغوط كبيرة مختلفة أمنية واقتصادية، إضافة إلى ما يعانونه من ضغط ازدحام نزلاء السجن، بعد أن ضاقت كل أماكن التوقيف المعروفة والسرية بالمعتقلين إلى درجة أن كل من خاض تجربة الاعتقال شكل مكان الاعتقال كابوساً يؤرق المعتقلين، حيث المكان المخصص لعشرة معتقلين، حشروا فيه مئات المعتقلين يتقاسمون الأرق والجوع وانعدام الحد الأدنى من مقومات الحياة.
آلاف من المعتقلين قضوا نحبهم نتيجة ظروف الاعتقال جوعاً أو نتيجة مرض عضال. إضافة إلى الذين استشهدوا نتيجة التعذيب حتى الموت، والكثير منهم فقد عقله. لهذه الأسباب وغيرها يكون محظوظاً السجين الذي يحط به المآل إلى سجن عدرا، فالسجين في عدرا إشارة إلى أنها انتهت فترة التحقيق والتعذيب معه، وإنه حياً يرزق، نتيجة انقطاع أخبار المعتقلين وتحولهم إلى مخفيين، لا يعرف مصيرهم، أو مفقودين، يغلب عليهم احتمال الموت على الحياة. المعتقل في سجن عدرا يعني أنه تحول إلى محاكم الارهاب، أو غيرها من محاكم، وإن أهله أصبحوا على بينة من وضعه، يمكن لهم زيارته، ودعمه مادياً وقانونياً عبر توكيل محام له. أو على لعكس قد يقوم السجين بدعم عائلته المشردة، إذا تيسر له عملاً داخل السجن، حيث يقوم بأعمال يدوية يمكن تسويقها عن طريق الأهل أو زيارات الآخرين.
لقد نجاح هؤلاء الطلاب على الرغم من كل المعاناة والحرمان والقيود المفروضة عليهم، فكيف إذا كان السجين في سوريا، حيث تُهدر حقوقه، وتُهدد حياته بالحرمان من أدنى مقومات الاستمرار. إن نجاح هؤلاء الطلاب ماهو إلا دليل على قدرة الإنسان الهائلة على التكيف، وقدرته على توجيه طاقته للارتقاء بوعيه وتوظيف إمكانياته بشكل إيجابي. نجاحهم هو التحدي الأكبر لأساليب النظام الذي يسعى إلى تدمير وتحطيم كل قدرات الشباب، وتحويلهم إلى عالة أو فاشلين . إن الشعب السوري الذي أثبت قدرة لا مثيل لها على التحمل، وعلى مقاومة كل أسباب الفناء، و تحدي كل صنوف التعذيب والعذاب والحرمان، ومواجهة الجلادين، أثبت قدرته على الصمود، وعلى العطاء ، و على الإيمان بالمستقبل، وإبعاد اليأس والاستسلام.
وجاء نجاح هؤلاء الطلاب بمثابة رسالة طمأنة كبرى للأهل، أدخلت البهجة إلى قلوبهم على الرغم من قهر السجن والبعد، على أن شباباً من سوريا يواجهون أعتى وسائل القمع التي شهدها التاريخ، بالعقل والأمل وحب الحياة، والسعي لمستقبل أفضل يجدون فيه مكاناً يليق بالإنسان. رسالة على أنهم لن يقبلوا الاستسلام لواقعهم ما أمكن لهم، نقول هذا الكلام ونحن نعلم أن عشرات الآلاف من المعتقلين الآخرين لديهم رغبة جامحة في إكمال دراستهم، دليلاً على تمسكهم بالحياة والمستقبل، لكن لا حول لهم ولا قوة بعد أن انقطعت صلتهم بالحياة، فهم محرمون من كل إمكانيات الاستمرار حيث يواجهون واقعاً لا يمكن لإنسان أن يتحمله، وكل الخشية أن يكون مصيرهم الموت، نتيجة الحقد الأسود لأعداء الحياة عليهم.
أيضاً لابد لنا من الوقوف عند نجاح عشرات الآلاف من طلاب وطالبات سوريا في الثانوية العامة بفروعها المختلفة، بنجاحهم نشروا فرحاً في بيوت تنام وتفيق على القلق و الخوف والحزن، على الرغم من أنهم خارج المعتقل لكنهم يعانون ظروفاً صعبة لا تخفى على أحد مشقة الحياة والاقامة في سوريا، كم من طالب لم يستطع الوصول إلى الامتحانات بسبب حاجز أوقف الحافلات دون مبرر لفترة طويلة. كما يعاني الطلاب في سوريا من نقص الكوادر التعليمية نتيجة هجرة المعلمين أونتيجة اعتقالهم أو قتلهم. لقد عانى الطلاب من الازدحام في الصفوف المدرسية، حيث تواجد أكثر من ستين طالباً في الشعبة بدلاً من 30 نتيجة نقص المدارس بسبب تهديمها أوتخريبها واستخدامها كأماكن إيواء أحياناً، وأحياناً أخرى معتقلات. هناك أعداد كبيرة من الطلاب نجحوا على الرغم من أنهم يعيشون ظروفاً معيشية واقتصادية صعبة، خاصة المهجرين النازحين من بيوتهم، حيث تسكن عائلات متعددة في بيت واحد، وكل عائلة تتألف من أفراد عدة يعيشون في في غرفة واحدة، كباراً وصغاراً مع التلفزيون والضيوف. ورغم كل ذلك نجحوا، غير أنه يوجد آلاف آخرين من الطلاب حرموا من دراستهم، لعدم توفر المأوى لهم ولعائلتهم أو أصبحوا معيلين لعائلتهم بسبب وفاة الأب أو عجزه عن العمل.
أما الطلاب في الأماكن التي خرجت عن سلطة النظام فقد تم حرمانهم من تقديم امتحاناتهم، ولم تقم القوى المسيطرة على الأرض بتأمين بدائل للحصول على شهادة الثانوية العامة، لعدم توفر البنية الأساسية والكوادر التعليمية وعدم وجود مقومات بناء مؤسسات دولة، التي تحتاج إلى استقرار نسبي، لايمكن توفرها مع أعمال القصف بالبراميل المتفجرة التي تدفع دائماً لتهجير المدنيين. باستثناء تنظيم داعش الذي أعلن دولته واستخدم التعليم وسيلة لتعزيز سيطرته ونشر أفكاره وأيديولوجيته، وشكل الهدف الأول للتعليم من أجل تجنيد مقاتلين في صفوفه. إن الطلاب السوريين الذين يتعرضون لضغوط شديدة أمنية واجتماعية ومعاشية، واجهوا ظروفهم واستطاعوا النجاح في الثانوية العامة، وتخطوا هذه المرحلة إلى مرحلة أعلى حيث تفتح أمامهم سبلاً جديدة، إما للسفر وإكمال الدراسة وإما البقاء وتحمل مشاق الحياة في الدراسة والعمل. لا يسعنا إلا أن نقول “مبروك” للجميع نجاحكم سواء في داخل المعتقل أم خارجه، لأن الجميع يواجهون مصاعب ومتاعب ومشاق لا يعلم بها إلا من يعيشها.
عدسة المصور: علاء شنانة
خاص “شبكة المرأة السورية”