بشار عبود*
من هي ألما شحود؟ هل نعرفها؟ هل نعرف شيئاً عنها؟ هل تعرف عنها معارضتنا في قطر والإمارات والرياض وتركيا بشكل خاص!؟ هل تلوثت آذانهم باسمها؟.
ألما شحود واحدة من النساء اللواتي دخلت جحيم سجون الأسد وخرجت منه إلى القبر.. ألما واحدة من اللواتي تعرضن للاغتصاب دفعة واحدة على يد أكثر من 20 عنصر أمن بهيمي داخل السجن، غير آبهين بصرخات بكارتها.. ألما واحدة من النساء اللواتي رفضن الموت مرتين، واحدة على يد مجرمين سَفَلة، وأخرى على يد مجتمع قاصر يخشى الفضيحة.. ألما امرأة حرة قاتلت وأغاثت وأعانت شعبها الذي انتفض للحرية، ثم ماتت وحيدة في عمّان!.
عندما نعجز عن الكلام وعندما نتمنى أن نصاب بالبكم والعمى والصمم نكون حينها نتحدث عن الثائرة السورية ألما شحود التي توفيت على فراش صغير في مستشفى صغير في الأردن، ولم يخرج في جنازتها سوى امرأتين فقط..!.
لا توجد أرقام رسمية أو حتى تقريبية تشير إلى حجم ما تعانيه المعتقلات السوريات من إذلال واغتصاب داخل سجون الأسد، لأن الصمت والخوف من العار هو الأكثر حضوراً في مواجهة هذه الكارثة التي حلّت بعشرات الآلاف من الأسر السورية، والتي لا يمكن التكهن بحجم مأساتها التي سيكشفها رحيل الأسد ونظامه عمّا قريب.
في مقابلة لها على تلفزيون فرانس 24 تقول ألما: “ربطولي عيوني وأخدوني على غرفة تانية .. وبدأوا تعذيب أول شي، بعدين نزعوا الألبسة وبدأوا بالاعتداء الجنسي .. وأكتر من شخص كانوا أكتر من واحد حسيت بالألم وأصرخ .. أصرخ وصوتي يطلع برات السجن، بلكي حدا ينقذني من بين إيديهن.. لكن ما في أمل..” نعم يا ألما لا يوجد أمل، رغم أنك حاولت لآخر نبضة في قلبك أن تظلي محكومة فيه لإنقاذ من يكتوين الآن بهول الجحيم الأسدي..
“عن كل أمل تخلوا أيها الداخلون هنا”.. هذا ما كتبه دانتي على بوابة جحيمه قبل سنين، غير أن الفتاة السورية لم تقبل بما أخطّته عبقرية دانتي، فأرادت أن لا تستسلم لمصيرها حتى وهي على فراش المرض.. أخرجت كل ما في صدرها، وحكت للعالم كله عن هذه المافيا التي تحكم سوريا، حكت عن أيام من وجع لا تُنسى.. أرادت أن تنقذ البقية من هذا الجحيم ولو بصرخة..
أي جحيم أبشع مما تتعرض له معتقلات السجون السورية؟ أي أدب أو فن في العالم يمكن أن يصل إلى هذا المستوى من الخيال عن بشر بمستوى القاع؟ من يقدر على تصوير هول تلك اللحظات التي عاشتها ألما؟ وما الذي كانت تستطيع فعله أكثر من مواجهة مصيرها بجسد العاجز، وأن تتجرع الموت على دفعات مع مجرمين تناوبوا عليها، بعد أن تدربوا على يدي أقذر نظام مسكون بشعور الدونية والإجرام؟.. لا شيئ سوى الصراخ!!..
في لحظات الوداع الأخيرة، أرادت “الحرة” وهو الاسم الذي اختارته لنفسها عقب تأسيسها لمجموعة مقاتلة بريف دمشق أواخر عام 2011، أن تقول بجرأة لمجتمعها الذكوري الذي يتجرع الألم ويخشى الفضيحة، أنا ابنتكم التي تعرضت للاغتصاب والانتهاك والذل.. وهناك الكثيرات غيري لا يزلن يتعرضن للاغتصاب، فهل نسكت؟ ليرتد صدى صراخها سكيناً يدمي ما تبقى من آدميتنا..
أخشى بأن الموت الذي غلبك يا ألما، قد غلبنا كلنا، نحن الذين نقتات أوجاعنا يومياً على مذبح الحرية، تارة على يد نظام فاجر وتارة أخرى على يد من انخرط في هذه الثورة وصار من كبار متعهديها، وكبار تجارها، وكبار منظريها الثوريين! مع كل هؤلاء كيف يمكن أن نظل محكومين بأمل أن الفراش الذي شهد رحيلك الأخير، لن يتم تحضيره لفتاة أخرى تعاني مثلما عانيت ثم تموت وحيدة بدون حتى ذكر لاسمها.
بين نظام الأسد المجرم ومتعهدي الثورة وتجار الأرز وكراتين الإعانة، لم نفعل شيئاً سوى أننا فقدنا بلادنا أكثر، وفقدنا أصدقاءنا أكثر وفقدنا عائلاتنا أكثر، وفقدنا حتى الأمل بالعودة إلى الديار.. فيما هؤلاء جميعهم يحصدون ثمار ما حلمنا به، يراكمون ثروات إماراتهم العفنة التي تشبههم.. فأي تواطؤ هذا بين القَتَلَة، كل القَتَلَة؟؟
بقدر ما كنت حقيقية يا ألما، بقدر ما نحن معطوبون، مصابون بلعنة الأنا والقمع والخراب والفساد.. لكننا لا نزال نرتطم بصوتك الذي لا يفارقنا، بدمعتك التي توجت ألمك وكشفت ضعفنا .. لا نزال نرتطم بتخيل مشهد موتك على يد وحوش، لا نزال نرتطم بقوى شرسة نجحت في إدامة ألمنا ووجعنا.. لا نزال نرتطم بواقع أغرقونا في وحوله حتى النخاع ولا سبيل إلى الخلاص منه في الأفق القريب.
ألما أنت شرفنا الذي انتهك.. أنت عارنا الذي سنحمله إلى مقابرنا حتى آخر واحد فينا.. ثقيل رحيلك يا امرأة حكت ما بصدرها آخر سطر من رواية أنثى ثائرة.. ومضت.
*صحفي سوري
خاص “شبكة المرأة السورية”
One Response
انهم وحوش تسكن الجحور وتنتمي لنظام عاهر وفاجر
خان شعبه وأباح عرضه للبهايم انهم المرض الذي ينخر جسد سوريا ويجب اجتثاثهم من جذورهم وقطع رؤوس الأفاعي قبل كل شيء