هالة الحسن
عندما أطلق ناشطو المعارضة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #وينن wheretheyare# للمطالبة بالكشف عن مصير المختفين قسرياً سواء في أقبية النظام أو لدى تنظيم “دولة العراق والشام” (داعش)، لم يخطر ببالهم أن نفس الهاشتاغ سيُطلق في صفوف الموالين رداً على ما حدث في مطار الطبقة العسكري. وقد تزامن إطلاق الهاشتاغ لدى الطرفين في ذكرى اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري والذي يحييها المجتمع الدولي في الثلاثين من آب/ أغسطس من كل عام.
حسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان أطلقته مؤخراً، يقبع ما يزيد عن “85” ألف شخص في معتقلات النظام وتنظيم داعش سراً في مختلف أنحاء سوريا، حيث يعيشون ظروفاً غير إنسانية ويتعرضون لشتى أنواع التعذيب والقتل الوحشي أحياناً أثناء احتجازهم. ولا يخفى على أحد المعاناة والألم الذي يتسببه احتجازهم واختفائهم لدى أهاليهم وأحبابهم، الذين يجهلون مصيرهم. فقد اعتاد النظام على استخدام هذه الوسيلة للضغط على خصومه في المعارضة السورية، بينما تقوم داعش بذلك للتخلص ممن يشكلون قلقاً على ممارساتها بحق الشعب السوري في المناطق التي تسيطر عليها. لذلك جاءت صرخة “رجعولنا حبايبنا” لرسم بسمة أمل على الوجوه المتألمة.
يقول أحدهم المشاركين في حملة #وينن المعارضة:”الجواب على حملة #وينن
في القبر أو الأسر أو حيث ذهب أدمن صفحة نسور مطار الطبقة العسكري رجال الأسد..”
وأضافت إحداهن تعليقاً على جولة قامت بها على هاشتاغ #وينن رصدت فيها مشاهد تمثيل تنظيم البغدادي بجثث من قتلوهم من الجيش النظامي: ” أشلاء أجساد … رؤوس معلقة كإشارات مرور … رؤوس معلقة كالزينة في الشوارع … كلاب تأكل أجساداً بشرية … أشلاء محترقة …
بعد جولة على هاشتاغ #وينن .. لا أعرف كيف سنعالج نفسياً شعباً ينتشي على تلك المشاهد …”
وقد انقسمت المعارضة بين شامت بمصير جنود النظام ومشفق عليهم واعتبارهم أبناء هذا الوطن، حيث شهدت ساحة الفيسبوك معارك ضارية بين الشامت والمتعاطف، ولم يخل الأمر من الإشارة إلى أن الدعم الذي أرسله النظام والمكون من 200 جندياً لدعم الـ250 المحاصرين في المطار هم من المنشقين السابقين الذي ألقى القبض عليهم وسجنهم لفترات وصلت إلى السنتين، ثم أطلق سراحهم مؤخراً ليرسلهم إلى مطار الطبقة ليلقوا مصيرهم هناك، واستشهدوا على ذلك بقصة المجند المنشق “باسل الصياد”، المعتقل لمدة سنتين في سجن صيدنايا ليتم إطلاق سراحه قبل أيام ونقله إلى مطار الطبقة ليكمل خدمته حيث لاقى مصيره على يد تنظيم البغدادي.
كما قام المغردون على تويتر يوم السبت الذي صادف 30/8، اليوم العالمي للاختفاء القسري، باستخدام الهاشتاغ المخصص #وينن لمدة ساعتين من العاشرة وحتى الثانية عشرة ليلاً، باللغتين العربية والإنكليزية.
ومن بين المختفين قسرياً لدى النظام السوري وتنظيم البغدادي: الأب باولو، رزان زيتونة، سمر صالح، عبد الوهاب الملا، فاتن رجب، يحيى الشربجي، يامن البيج، ولاء العاقل، مازن درويش، كنان الطيلوني وغيرهم الكثيرين.
وقد تزامن ذلك مع حملة أطلقها مؤيدو النظام السوري، الذين استخدموا نفس الهاشتاغ #وينن، وهو الهاشتاغ الأول من نوعه لأهالي جنود وضباط من جيش النظام، بعد موجة سخط هائلة ضد قنوات النظام الإعلامية، التي وصفوها بأنها “الشريك الحقيقي” في ذبح أبنائهم، كما وصفوا المسؤولين عن تلك القنوات بـ”الحشاشين ومتعاطي للمخدرات”.
وتم تعريف حملة #وينن المؤيدة، على أنها حملة محلية سورية للبحث عن كافة المفقودين من قوات الجيش العربي السوري وقوى الأمن الداخلي ومعرفة مصيرهم، محورها “أين ذهبوا أين رحلوا ؟ ماذا فعلتم بهم؟ من أجل ماذا؟”، والتي احتجت على التقصير في مؤازرة جنود مطار الطبقة؛ مما أدى إلى مذبحة في صفوف قوات الأسد ارتكبها تنظيم “دولة العراق والشام” (داعش) مؤخراً، وطالبت بالكشف عن مصير الجنود في المطار، حيث تناقلت مواقع التنظيم فرار كبار الضباط على متن طائرات “إليوشن” مع أحدث التجهيزات العسكرية في المطار، مخلفين ورائهم الجنود وبعض الضباط ليواجهوا الموت على يد التنظيم. فقد انتشرت صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يساقون شبه عراة على شكل أرتال، ثم ليعلن إعلام تنظيم داعش انه قام بإعدامهم عبر نشره شريط فيديو يقوم فيه بإعدام المئات من الأشخاص الذين ادعى أنهم جنود وضباط مطار الطبقة العسكري. ويتكتم النظام السوري على مصير هؤلاء الجنود مما دعا المؤيدين لملاحقة المواقع الإعلامية لتنظيم داعش لمعرفة مجريات الأمور وخفاياها.
وإثر نشر شريط فيديو إعدام تنظيم البغدادي لمئات من جنود النظام، علق أحد منظمي الحملة: “يسحب الدواعش جنودنا كالكلاب وقيادتنا تنعم بفتح المراكز الترفيهية، بعد أن أنقذوا الضباط الإيرانيين و الروس، أما نحن هل سنبقى فداء للكرسي والنهب… اصحوا”.
وأضاف آخر: “نظامنا قذر وفاشل دمر البلد حرق الشجر والبشر، وهو من مهد لظهور داعش، ومكّن الإيراني والروسي، أما نحن فمعروفون بشعار الأسد أو نحرق البلد، و الأسد وحاشيته لا يبحثون إلا عن الكرسي والنهب و أولادنا للذبح”.
كما قامت حملة #وينن المؤيدة على توزيع منشورات جاء فيها “لن نسمح بعد اليوم بالمتاجرة بدمائنا لأجل كرسيكم المتآكل … لن تكموا أفواهنا بلغ السيل زباه …سنرسم وطنا أجمل دونكم، سنكون أقوى دونكم ، هي سوريتنا …سورية جديرة بنا وجديرون بها …شكرا للضباط الشرفاء الذين ساعدونا وكانوا أحرص منّا على نجاح الحملة …انتظرونا في حملات أخرى ستقض مضاجعكم … لن يتوقف الأمر عند هذه المنشورات والرسائل، ندرك أنها لن تؤثر فيكم قيد أنملة، شهدنا حرصكم على أبنائنا من قبل ومن بعد…انتظروا ما سيكون …”
ولم ينس مطلقو الحملة التعبير عن استيائهم من تفريق النظام السوري في معاملة الضباط الأسرى من الروس والإيرانيين، حيث يسارع لمبادلتهم بينما يتغاضى عن آلاف الجنود المختفين ويصم آذانه عن نداءات أهاليهم. وقال الكاتب الموالي للعظم أحمد الأحمد: أولاد الناس ليسوا دمى وليسوا للبيع والذبح، القائد الذي لا يستطيع حماية أبنائنا عليه التنحي كائنا من كان، كفانا محسوبيات وخيانة”.
يقول احدهم في حملة #وينن المؤيدة: “سؤال بانتظار جواب من 4 سنين… خلصت؟؟ لا لسى بكير لسى ما بلشت …النصر إلى وعدتنا فيه القيادة صار مكلف أكثر من 300 ألف شهيد… وآلاف الأسرى والمعتقلين والمجهولين مصيرهم …ولافي أيا مفاوضات كرمالهم …أما لو كان ضابط روسي أو إيراني كان اتدخل كرمالو أكبر القيادات وطالعوه … ليش هلء الكل متفاجئ من سؤال (وينن) … والكل واقف يتفرج وكأنهم مو أخواتنا وأولادنا يلي عم يموتو وينأسرو ولا بيحقلنا نعرف شي عنن …رح نضل نقول ونسأل وننادي وييييييينن …اشتقنالن وينن”.
لكن يبدو أن المخابرات الجوية السورية لم تتحمل ضغط هذه الحملة فقامت باعتقال مطلقها وأدمن صفحة “نسور مطار الطبقة” المؤيدة المدعو “مضر حسان خضور”، المعروف بتأييده المطلق للنظام، لكنه عندما فقد أحد إخوته في المطار أطلق حملته مطالباً الأسد ووزير دفاعه بالكشف عن أسباب هروب الضباط وترك الجنود ليلاقوا حتفهم على يد داعش، مطالباً بالكشف عن مصيرهم وماذا حل بهم. فقاموا بمداهمة منزله بعد امتناعه عن الحضور للفرع ليصبح، ولسخرية الصدف، أحد المختفين قسرياً، الذين تنادي الحملتان، المعارضة والمؤيدة، بالكشف عن مصيرهم.
وعبر مؤيدون عن احتجاجهم على طريقة تعامل الأمن السوري مع ما يحدث حيث تركوا الجنود لمصيرهم القاتل وسارعوا للقبض على مطلق الحملة لمجرد طلبه الكشف عن ذلك المصير، وطالبوا بإسقاط الجوية. يقول أحدهم “أرانب ع الجبهات وكلاب ع الشعب… تسقط الجوية”. وقال آخر: “تحية لكلاب المخابرات الجوية.. اخوتنا يموتوا وهنن مبلشين فينا، تروح الجوية تتمرجل على داعش مو على الأدمن المدني”.
وهكذا تحولت قضية اعتقال مطلق الحملة إلى تناقض آخر تعيشه أوساط مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسم المعارضون بين اعتبار مضر بطلاً لشجاعته بإطلاق الحملة وتحمل نتائجها، وبين إدانته مهما كان مصيره، فهو أحد أسباب وصول الأمور إلى هذه المرحلة من التدهور، حيث يتابع صفحته “نسور الطبقة” (12) ألف شخص قاموا خلال الفترة الماضية بالتحريض الدائم على قتل كل من في محافظة الرقة ومسحها عن الخريطة.
ويبدو أن حملة #وينن سواء كانت من المعارضة أو الموالاة في سوريا، فهي تعبير مؤلم لم آلت إليه الأمور، فهناك مئات الألوف من الأشخاص من كلا الطرفين قُتل واختفى واعُتقل وعُذب ودُفع به لتغذية محرقة حقد النظام الذي آل على نفسه ألا يترك الكرسي إلا على رماد ما تبقى من الوطن.