هالة الحسن
عانت كثير من المناطق السورية خلال سنوات الثورة الأربعة الماضية من حصار تسبب في فقدان معظم المواد الغذائية أو احتكارها من قبل تجار الحروب لتباع بأسعار باهظة في حال وجدت. لكن، وكما يقال، الحاجة أم الاختراع، فها هم الأهالي يبتكرون أكلات جديدة بما يتيسر من مواد تحاكي الأكلات التقليدية التي اعتادوا عليها ما قبل الحصار.
من أشهر تلك الوجبات الكباب، التي حرم معظم أهالي سوريا منها نتيجة ارتفاع أسعار اللحوم، فكيف اذا كانوا في منطقة خاضعة للحصار. لكنهم لم يحرموا أنفسهم من الكباب بل ابتكروا ما أطلق عليه اسم “كباب الثورة”، حيث يتم خلط الطحين والبقدونس وبهارات اللحمة، ثم يتم مدها على الأسياخ وشيها على الحطب، وفي حال توفر البيض، وهو أمر نادر، يمكن إضافة بيضة على الخليط.
أما محاكاة وجبة الدجاج المقلي فيتم تحضيرها من اليقطين المغطس بالطحين، إما على شكل أصابع مقلية التي تشبه البطاطا، أو على شكل شرائح عريضة تشبه الاسكالوب. ولأن اليقطين متوفر بكثرة، تتنوع الأطباق المصنوعة منه، من يقطين مقلي إلى مفركة يقطين إلى متبل يقطين، رغم أن السوريين لم يعتادوا سابقاً على أكل اليقطين إلا ما ندر.
أما بطل وجبات الثورة فهو البقدونس لتوفره بكثرة ورخص سعره، حيث يتم طبخه مع القليل من اللحمة المفرومة، وفي حال عدم توفر اللحمة يتم إضافة مكعبات مرق الدجاج أو بهار اللحم، التي غالباً ما يتم الاستعانة بها بدلاً عن الخضراوات واللحمة. أما صناعة الخبز فقد مرت بمراحل متنوعة ابتداء من طحن علف البقر والدجاج ثم خبزه، مروراً بخبز الشعير أو العدس.
وهناك حصة للحلويات ضمن هذه التنويعة الفقيرة من مأكولات الحصار، مثل السمسمية الحمصية، التي يتم تحضيرها من العسل المحروق بسبب القصف، ووضعه فوق السمسم على النار ليحصلوا على حلويات بسيطة. وفي الوقت الذي لم يكن أحد يتناول عشبة يطلق عليها “المديدة” في حمص، وسميت بذلك لكثرة نموها، باتت الوجبة الأساسية في الطبخ، رغم أضرارها على الصحة. أما المناقيش، التي يشتهر بها السوريون، فتصنع في مناطق الحصار من مجموعة بذور مطحونة يتم عجنها بقليل من الزيت ويرش فوقها بعض الفلفل الحار ثم تخبز.
وقد دفع حب البقاء الأهالي المحاصرين لتناول أي شي موجود في بيئتهم، مثل أوراق الشجر ولحوم بعض الحيوانات، التي لم يتناولوها سابقاً، مثل السلاحف والجراد. ورغم شح الموارد في ظل الحصار، إلا أن ذلك لم يمنعهم من ابتكار وجبات تحاكي وجباتهم الشهيرة ومطبخم الغني بتنوعه.