ترجمة: محمد الأعسر
الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد (1935 ـ 1967) من الطبقة المتوسطة في طهران، وقد عاشت حياة قصيرة (32 سنة)، وفي سنّ 16 زُوّجت من ابن عمها، برويز شابور، وأنجبت بعد عام ابنها الوحيد. وانفصلت عن زوجها بعد ثلاث سنوات، وتركت لعائلته ابنها، لتلحق نداء الشعر وتستقلّ بنمط حياتها. أصدرت عام 1955 ديوانها الأول “أسير”، والتحقت بعيادة نفسية بعد أشهر. ارتحلت عدّة أشهر لأوربا وأصدرت عام 1956 ديوانها الثاني “الحائط”، وعام 1958 ديوانها الثالث “عصيان”، وأثارت علاقتها بالسينمائيّ إبراهيم جولستان عاصفة من الانتقاد، لكنها كانت داعماً كبيراً لها حتى النهاية.
قدّمت فيلماً تسجيلياً عن مستعمرة مجذومين بعنوان “البيت أسود” عام 1962، ونالت عنه جوائز دولية. وفي عام 1964 أصدرت ديوانها الرابع “مولد جديد”، وفي عام 1965 أعدّت ديوانها الخامس “فلنؤمن ببداية موسم البرد”، لكنه صدر بعد وفاتها. أصدرت اليونسكو عن حياتها فيلماً تسجيلياً عام 1963، وكذلك المخرج الكبير برناردو برتلوتشي عندما زارها في إيران. توفيت في حادث سيارة، وقيل إنها قُتلت بسيارة.
ونترجم هنا بعضاً من قصائدها المختارة بعنوان “خطيئة” التي تصوّر حالات من التمرّد:
طير أسير
أريدكَ، مع علمي أنهُ لن
يُقدَّر لي عناقكَ إلى مكنونِ قلبي.
أنتَ السماءُ الصافيةُ النيّرةُ
وأنا، بزاويةِ القفصِ، طيرٌ أسيرٌ.
من خلفِ القضبانِ المعتمةِ الباردةِ
أُسدّدُ نحوكَ نظرتي الذاهلةَ الحزينةَ،
أحلمُ أن يداً قد تهلُّ
فأفردُ جناحَيّ للتوّ ناحيتكَ.
أحلمُ في لحظةِ هجرٍ
أني سأطيرُ من سَجني الهادئ،
وأضحكُ في عينَيّ الرجلِ وهو سَجَّاني
وأبدأُ جنبكَ الحياةَ من جديدٍ.
أفكّر هكذا مع علمي أنهُ لن
يُقدَّرَ لي هجرُ هذا السَجنِ.
حتى لو رادَ السجّانُ،
فلم تبقَ مني أنفاسٌ أو نسيمٌ كي أطيرَ.
من خلفِ القضبانِ، بكلِّ صباحٍ منيرٍ،
تبسِمُ نظرةُ طفلٍ بوجهي،
فأُشرعُ نحو أغنيةٍ مرحةٍ
حيثُ تمتدُّ نحوي شفتاهُ بقبلةٍ.
يا سمائي، لو أردتُ يوماً
أن أطيرَ من سَجني الهادئ،
فماذا سأقولُ لعينَيْ طفلي الباكي:
انسنِي، لأني طيرٌ أسيرٌ؟
فأنا الشمعةُ التي تُنيرُ الأنقاضَ
من حُرقةِ قلبِها.
لو أني اخترتُ عتمةً هادئةً،
فسأجلبُ عشاً لتخريبهِ.
رابط الزواج
تبسّمَت الفتاةُ وقالت: ما
سرُّ هذا الخاتمِ الذهبيِّ،
سرُّ هذا الخاتمِ الذي
يطوِّقُ غَصباً إصبَعي،
سرُّ هذا الخاتمِ الذي
يُشعشعُ وهو يتلألأُ؟
فأجفلَ الرجلُ ثمّ قالَ:
هو خاتَمُ الحظِّ السعيدِ، خاتمُ الحياةِ.
قالوا كلّهم: مبروك، والحظّ السعيد!
فقالت الفتاةُ: حسرتاهُ!
لا يزالُ عندي شكّ بمعناهُ.
ومرّت السنونُ، ذاتَ ليلةٍ
حدّقَت بالخاتمِ الذهبيِّ امرأةٌ محطَّمةٌ
فرأت شكلَهُ المُشعشعَ
وقد ضاعَت أيامٌ في إخلاصٍ محدودٍ،
أيامٌ بكاملِها ضاعَت.
فاهتاجَت المرأةُ ثم نادَت:
آهِ يا خاتَمي الذي
لا يزال يُشعشع وهو يتلألأُ
أنتَ رابطُ رِقٍّ واسترقاقٍ.
إلى أختي
يا أختي انهَضي لطِرادِ حريتكِ،
لماذا تسكُتين؟
انهضي فمن الآن فصاعداً
عليكِ احتساءُ دماءِ الغاشمين.
انشُدي حقوقَكِ، يا أختُ،
ممّن يواظبون جعلَكِ واهيةً،
ممّن لا تُعدّ مكائدُهم وحبائلُهم
ليجعلوكِ هامدةً في زاويةٍ من المنزلِ.
منذُ متى وأنتِ موضعُ لذّةٍ،
بينَ حريمِ شهواتِ الرجالِ؟
منذُ متى تحنين رأسَكِ الفَخورَ على قدميهِ
كخادمٍ جهولٍ؟
منذُ متى، من أجلِ لُقمةِ خُبزٍ،
تصبحين زوجةَ الحاجّ المؤقّتةَ الهَرِمةَ،
فترين زوجاتٍ، مَثنى وثلاثاً، مُزاحماتٍ؟
الجَورُ والقسوةُ، يا أختي، إلى متى؟
على عويلكنّ حينَ يتوعّدُ
أن يُصارَ إلى صرخةٍ صاخبةٍ.
عليكنّ تمزيقُ هذا الرابطِ الثقيلِ
لتنبَثَّ حياتكنّ بحريةٍ.
انهضي فاقتلعي جذرَ هذا الجَورِ.
وهدّئي من رَوْع قلبكِ النازفِ.
كافحِي من أجلِ حرّيتكِ
لتُغيري الناموسَ، فانهضي.
الخطيئة
ارتكبتُ خطيئةً كلّها لذةٌ،
في حِضنٍ من كان دافئاً نارياً.
أخطأتُ تحوطُني أذرعٌ
ثأريةٌ حارّةٌ وحديديةٌ.
في تلكَ الخُلوةِ الساكنةِ المعتمةِ
تطلّعتُ في عينيهِ المفعمتَين بالغموضِ.
فارتجّ قلبي نافدَ الصبرِ في صدري
استجابةً لالتماسةِ عينيهِ القادرتَين.
في تلكَ الخُلوةِ الساكنةِ المعتمةِ
جلستُ غيرَ مُهندَمةٍ في صفِّهِ.
سكبَت شفتاهُ رغبتَهُ بشفتَيّ،
فنجوتُ من أسى قلبي الملتاثِ.
تلوتُ في همسٍ حكايةَ عشقِي بمَسمَعهِ:
إني أُريدكَ، يا حياتي،
أريدكَ، يا حِضناً يهبُ حياتي،
يا مجنوني العاشقَ، يا أنتَ.
فتُشعلُ الرغبةُ شرراً في عينيهِ؛
ويترقّصُ النبيذُ الأحمرُ في كأسهِ.
بفراشي الوثيرِ، جسمي
يرتعدُ من فَرَقٍ على صدرهِ.
ارتكبتُ خطيئةً كلّها لذةٌ،
وأنا لصقَ مُرتعدٍ مُخدَّرٍ.
أنتَ العليمُ بما فعلتُ، يا إلهي،
في تلكَ الخُلوةِ الساكنةِ المعتمةِ.