الحكم النعيمي
الأطفال هم الضحايا الأكثر هشاشة والأسرع سقوطاً في الصراعات والحروب؛ كون تجاربهم وأهوال ما رأوه قد دمّر وجودهم الداخلي وسلبهم الإحساس بالأمن والثقة بالنفس والاطمئنان، هذا من جهة، ومن وجهة أخرى يكفي أن يروها في تجارب الآخرين لما لمشاهد العنف التي تصيب الآخرين تأثير غير محدود على صبغ سلوك الأطفال بالعدوانية، والميل إلى ممارسة العنف، ولعل وصف الحروب بأنها كارثة من فعل الإنسان هو الأبلغ كونها تقوّض النظم القائمة، وتخلق حالات من التوتر الجمعي كالنظرة السلبية إلى وقائع الأمور، والإحساس بخطر الموت أو الإعاقة التي ترهق كاهل الفرد وتضعف قواه في التأقلم عطفاً على ما تسببه من خسائر بشرية ومادية.
يرى الأطفال في وسائل الإعلام المرئية لوقائع الحرب والتي تتسابق إلى عرضها:
- أطفالاً تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة مجندين ومقاتلين في نزاعات مسلحة.. إذ “بلغ عدد الأطفال المجندين في العالم اليوم مئات الآلاف”.
- أطفالاً لاجئين مع ذويهم أو آخرين فقدوا أسرهم وأرضيهم.
- و تقدر أعداد اللاجئين من الأطفال اليوم 50% من مجمل اللاجئين في العالم.
- أتراباً لهم قتلى، جثثهم وأشلاؤهم في الشوارع وتحت الأنقاض وآخرين أعضاؤهم متناثرة كالحجارة.
- أطفالاً يتعرضون لمعاملة سيئة في ظروف قاسية.
- أطفالاً ترتسم على وجوههم وأجسادهم علامات الفقر والجوع ويشاهدون القتل والتعذيب والاعتقال واللجوء.
وما يسبب للأطفال في متابعة مشاهد العنف والرعب رغبة وفضول للاستمرار بمشاهدة أمور غريبة عنهم أو لا يفهمونها جيداً. ومن نافل القول هنا، أن أعمال العنف في الحروب تبثّ القلق في نفوسهم وتزيد مخاوفهم. وعلى هذا فإن الأطفال ضحية للعنف والنزاعات المباشرة، يتأثرون بما تعرضه وسائل الإعلام عبر شاشاتها على مستوى المشاعر والتفكير والسلوك. فيما حدود مخاوفهم كون تلك المخاوف لها جذورها في حياة الطفل الشخصية، وفي حياة الأبوين والأسرة عموماً، ويجعل البعض منهم يميل إلى التعصب في فترة مبكرة من العمر، الأمر الذي يقودهم لاتخاذ أحكام قطعية متسرعة، كما الميل إلى التطرف إزاء أشياء أو أشخاص أو موضوعات.
كما تدفعهم للشعور بالحاجة إلى الحماية، لما تشكله الحرب من صدمات مجتمعية، ويجدون أنفسهم ضحايا لمواقف ليسوا طرفاً فيها.
وبمرور الوقت في الحروب يقل اكتراث الأطفال في الحياة اليومية ويميلون إلى اللامبالاة العاطفية وإضعاف مستوى النمو الانفعالي للطفل، وأخيراً إلى تبلّد عاطفي، نظراً لما يشاهدونه من أحداث مؤلمة، فتكون ردود أفعالهم عابرة، ومرده، أن وسائل الإعلام جعلت من الأحداث صوراً متواترة، فتثير ردود أفعال ضئيلة أو عابرة، فيدخلون إلى عالم الكبار قبل الأوان! وهو عالم غريب في ثقافته عن عالم الأطفال.
وبما أن الأسرة هي المؤسّسة الأولى التي تتولى تربية الأطفال وتشكّل معظم معتقداته وأفكاره، وقيمه الأخلاقية، وعاداته وأنماط سلوكه، نجد أن لزاماً عليها أن تتخذ دوراً جاداً وهاماً في وقاية أطفالها من تأثيرات الحروب المنقولة عبر وسائل الإعلام. وكي تتبلور الجهود على جانب النمو الجسدي “تغذية وعناية صحية”، يبقى جانب التربية والوقاية الخلقية والعقلية وهو اهتمام هامشي، “كسل، انشغال، غفلة وعدم إدراك” أهمية أكبر ولها أولويتها؛ فلا بد أن يتعاظم لدى الآباء الإحساس بأهمية وقاية الأطفال من هذه السلبية القاتلة وبمسؤوليتهم اتجاه البناء والوقاية والحذر والحيطة والرقابة والتوجيه.
يتجلى دور الأسرة في التقليل من الجوانب والنتائج السلبية في متابعة الحرب من خلال وسائل الإعلام المرئية،
- إيجاد سبب مقبول ومحدد لما يريد الأطفال مشاهدته، ولعدم وجود سبب، يفضل عدم إشغالها.
- التدخل للحؤول دون المشاهدة العشوائية والتخطيط لمشاهدة جماعية بدون تخطيط، بل بدون جدول، فهنا يسهل ضبط عملية المتابعة ومدتها.
- تناوب الوالدين بتقاسم المتابعة مع الأطفال، ليضمنا أمان ما يؤثر في أنفسهم من مشاهد غير لائقة.
- تكريس متابعة برنامج واحد – على الأقل – يكون مفيداً، وإثارة عديد من الأسئلة حوله.
التدخل الإيجابي في ما يتابع ويشاهد خاصة عند مشاهدة نشرات الأخبار التي تبث أخبار الحروب ومآسيها.
في نهاية المطاف، نؤكد على أن النفس البشرية أغلى ضحايا الحروب وأكثرها تأثّراً، قوامها الأطفال، وإذا كانت البشرية ترنو إلى وقف هذه الحروب فإن ذلك يتحقق بتوفير ظروف حياة جديدة، تستند على بناء الحياة النفسية والعاطفية السليمة، التي لا يمكن البدء في بنائها إلا من خلال بناء سلوك الطفل بناءً سليماً، وتكوين شخصيته وفق أسس واقعية وموضوعية.
هذه الحروب تفعل فعلها في أرواح وأجساد الناس الذين يجدون أنفسهم في ساحاتها، من دون أن تسلم منها نفوس الأطفال الذين يتعرضون عبر وسائل الإعلام التي تظهر في تلوناتها وتطوّر أدواتها وأصواتها وألوانها وعلامتها.