ميس النجم
لعل أكثر ما يتم تداوله الآن في الإعلام، وفي اجتماعات قادة الدول ومجالس الناس هو موضوع “الإرهاب”، الذي لابد أن تستحضر أذهاننا عند ذكره تنظيم “داعش”، الذي ملأ الدنيا إرهاباً، وشغل قلوب الناس خوفاً ورعباً.
جميعنا أصبح لديه من المعلومات الكثير عن هذا التنظيم، لكن القلة فقط يعرفون أن الحلقة الأضعف والأكثر تعرضاً لجرائم هؤلاء غير المعلنة بشكل واضح في وسائل الإعلام هي “المرأة”. والحديث عن المرأة في ظل حكم داعش يمتد إلى نواحٍ كثيرة ومتعددة يطول شرحها، لكن ماذا عن حالات الزواج الحاصلة في مناطق سيطرتهم؟ وكيف يتم تزويج الفتيات؟ وهل يمكن للأهل ان يكونوا سبباً في زواج بناتهم من أفراد هذه العصابة، ولماذا؟
مروة صغرى إخوتها، فتاة تبلغ من العمر ٢٤ عاماً،تنتمي مع شقيقاتها الثلاث وشقيقهالأسرة فقيرة الحال في مدينة الرقة، وتحمل شهادة من معهد الفنون الجميلة. تروي مروة قصة زواجهاقائلة: “كنت أقف بانتظار أختي المتزوجة،آتيةً من بيتها إلى الشارع الذي اتفقنا على اللقاء فيه للذهاب سوية إلى السوق،أثناء وقوفي مرت سيارة يقودها أحد عناصر التنظيم، وقفت أمامي لينهال علي سائقها توبيخاً وصراخاً، وهو يقول بلهجته المصرية: (أستري نفسك يا سافرة والله حرام عليك تكوني من بنات دولة الإسلام!)علماً أنني ألبس الحجاب والخمار كاملاً..ملأني صراخه خوفاً حتى كاديغشى عليمن الخوف،ركضت محاولة الابتعاد عنه، إلا أنه ظل يتبعني ويقول: (خايفة!هتروحي فين من ربنا لما يحرقك بجنهم ياسافرة!!).
عدتإلى البيت،وأغلقت الباب، مر اليوم ووجهه الحاقد وصراخه لا يفارقان مخيلتي.
بعد حوالي عشرة أيام جاء أخي ليبلغني أنأحدهم تقدملخطبتي،وأنه مناسب جداً، فهو غني وذو سلطة، فضلاً عن كونه أحد المحققين الأمنيين في تنظيم داعش، ولامجال لأن أرفض أبداً.
أتى المساء، وجاء الرجل لزيارة أخي في بيتنا، لأكتشف وأنا في غاية الصدمة، أنه نفس سائق السيارة الذي كان يصرخ موبخاً إياي في الشارع، ويدعى (أبو زبير المصري). أخبره أخي بأننا موافقون على الزواج، وسرعان ما وعد الرجل أخي بمساعدته على فتح دكانليعمل فيه،وإعطائه مبلغ 2000 دولار كمساعدة بسيطة له، بعد إتمام زواجي منه”.
لدى سؤالنا مروة عن رأيها في هذا الزواج، أخبرتنا أنها لا تملكأن ترفض أو تقبل، لأن أخاها العامل في محل للحلويات كان مصمماً على أن في هذا الزواج مصلحة للجميع، وأنها ستكون سعيدة وغنية أيضاً، فهو يرى أن الامتيازات كثيرة، أولها الخروج من الفقر والتخلص من العمل الشاق، والحصول على المواد التموينية بشكل مجاني!
تتابع مروة سرد تفاصيل قصتها: “حصل الذي أرادوه لي، تم الزواج وأصبحت جارية لا زوجة، لوحش لا يعرف من الدين شيئاً إلا إلقاء الخطب والنصائح. كان أكثر ما يسعدني في زواجي هذا أن أبا زبير يغيب أغلب أيام الأسبوع، بسبب (انشغاله بالمعارك مع الكفار) حسب قوله.
بعد ثلاثة أشهر، جاءني الصباح ومعه نبأ موت أبي زبير، لأجد نفسي أمام فرصة للهروب لن تتكرر مجدداً،فإنأنا عدت لبيت أهلي، فحتماً سألقى المصير هذا نفسه بسبب طمع أخي وجهله، وإن أنا بقيت، سيأتي أحد أفراد عصابة أبي زبير ليتزوج مني، بحكم العادة المنتشرة لديهم، بأحقية المجاهد الزواج من زوجة مجاهد آخر لقي حتفه.
قررت الهروب بالفعل، وبقليل من المساعدة والتوفيق تحقق ذلك، وكنت محظوظة بالوصول إلى الأراضي التركية، لأروي لكم ماحصل لي هناك، بعد أن وجدت نفسي هنا وحيدة من جديد في بلد لا أعرفه، لكنه على الأقل يشعرني بالأمان من قذارة هؤلاء البشر”.
مروة التي روت لنا القليل عن تجربتها،ليست إلا حالة بين الكثير من النساء اللواتي يواجهن مصيراً مجهولاً في ظل وجود هذه العصابة الإرهابية، وبتأثير أسباب تختلف وتتعدد،بدءاً من الخوف والرعب، مروراً بالطمع والمال، وصولاً، وبتخطيط التنظيم، إلى تجنيد النساء للقيام بأعمال التجسس والتفجير، وغيرها من العمليات الخطرة، وهذا ما سنلقي عليه الضوء تباعاً.