سحر حويجة
إطلالة جديدة للربيع من آذار، حيث تتعدد المناسبات التي تستحق الذكر والإكبار : تتجدد ذكرى انطلاقة الثورة السورية، يوم انتفض النساء والرجال معاً متحدين ضد الدكتاتورية والاستبداد، بعد عقود من التهميش والإذلال، مستعدين لتقديم أغلى التضحيات، من أجل حرية المجتمع واستعادة الحقوق المسلوبة، مؤكدين على أن النساء والرجال متساوون في الحقوق والواجبات. في عيد المرأة ، حيث المرأة السورية مازالت تضمد جرحاً لينزف آخر، مفجوعة بموت إبن لها أو صديقة أو جارة ، أو زوجاً، عشرات الآلاف من النساء رحن ضحايا شهداء، وآلاف أخريات تعرضن للسجن والاختطاف، كما تعرضت آلاف من النساء للاغتصاب، ومئات الآلاف لذن بفرار مؤقتاً حماية لأنفسهن ولأولادهن، نازحات أو لاجئات، أو مهاجرات، ينتشرن في أرجاء العالم، خاصة في دول الجوار.
يأتي عيد الأم ومازالت الأم السورية محرومة من حق منح جنسيتها لأطفالها: و إن كان الزواج إحدى المناسبات السعيدة في حياة البشر، فيها تتجدد المجتمعات بعائلات وأطفال، إلا إن حياة اللجوء والتشرد التي طالت سنوات، حكمت أن يتم كل شيء قسراً وبالإكراه، نتيجة القهر والخوف والفقر. لقد انتشرت ظاهرة الزواج، بين النساء السوريات اللاجئات من رجال البلد المستضيف، دون النظر للأبعاد القانونية المستقبلية على العائلة، أو لصحة الزواج، ولا للأساس الذي يقوم عليه، حيث لا قيمة للمشاعر ولا مكان للاحترام والتفاهم في أغلب الزيجات، بل الدافع إليه هرباً من الفقر وأملاً في حماية مؤقتة. من أسوأ آثار هذا الزواج ولادة أطفال قد لا يعترف بهم الأب، وإن اعترف بهم في حالة طلق زوجته والأطفال مازالوا في سن الحضانة وفكرت الأم بالعودة إلى سوريا ستصطدم الأم السورية بقانون ينظم الجنسية السورية مازال يمنعها من حق منح أطفالها جنسيتها : سواء في الحالة التي يكون أطفالها يحملون جنسية أبوهم، أو في الحالة الأصعب عندما يكون الأطفال لا جنسية لهم في الزواج غير المسجل و الصعوبات التي تواجه اللاجئة السورية عند تسجيل الزواج بسبب تكلفته العالية.
لو فرضنا شخصاً من السعودية تزوج في لبنان عقد غير مسجل وطلق زوجته وسافر هل هذه اللاجئة تستطيع رفع دعوى وملاحقة الزوج لتثبيت زواجها، وتسجيل طفلها؟ سواء كان جنيناً لم يولد بعد ، أم كان مولوداً، وهل لديها القدرة المالية لتحقيق ذلك؟ هذه حالة من آلاف الحالات التي تقع ضحيتها الأم السورية اللاجئة، وإن أرادت تسجيل طفلها بعد عودتها إلى سوريا، سوف تواجه بقانون الجنسية السوري الذي لا يعطيها حق منح جنسيتها لأبنائها المولودين خارج سوريا. كذلك هي حالة الأم التي تعرضت للاغتصاب في سوريا أو خارجها وكان نتيجته طفلاً ولدته خارج سوريا، هنا يقف القانون أيضاً عقبة أمام منحهم الجنسية السورية. لابد لنا في هذا السياق من الوقوف عند انتشار طاهرة تزويج القاصرات في سوريا، بشكل أثار اهتمام العالم، لما فيه تهديد لمستقبل الأطفال من الفتيات اللواتي تم تزوجيهن، فكيف الحال إذا أنجبت الطفلة طفلاً، وهي غير مدركة وليست مسؤولة عن تبعات هذا الزواج.
إن حالات زواج اللاجئات طالت عشرات الآلاف من السوريات، وسوف تنجب النساء السوريات المتزوجات من جنسيات عربية أو أجنبية أطفالاً، أعداداً كبيرة منهم مهددين بانعدام الجنسية ، وعدم قدرة أمهم على منحهم جنسيتها، وبالتالي تهديد مستقبل هؤلاء الأطفال، سببه قانون الجنسية التي يحرمها حق منح جنسيتها لأطفالها، هذه القضية تعتبر من القضايا الملحة التي يجب التركيز عليها والعمل على تعديل القوانين التمييزية بحق المرأة، قوانين متخلفة والمبررات التي يقدمها المشرع السوري لا تقوم على أساس، سوى قصور التشريع السوري، وجموده، وعجزه عن مواكبة العصر، وعدم رغبة النظام السوري في تعديل القوانين التمييزية التي تنتهك حقوق المرأة، مع أنها تعارض الدستور الذي وضعه في عام 2012 حيث حددت المادة 154 من الدستور مدة معينة لتعديل القوانين حتى تتوافق مع الدستور وقد مرت الثلاث سنوات دون تعديل القوانين التمييزية بحق المرأة ودون احترام للقواعد الدستورية. لأن الدستور السوري كان ومازال ديكوراً وليس منظماً للسلطات، ولأنه لم يأتي نتيجة وعي حقوقي لأصحاب الحق في المجتمع، ولم تمثل المرأة عند وضعه كما يجب ولا تعمل المرأة الممثلة في مجلس الشعب على رفع الظلم والحيف عن المرأة في الدستور والقانون.
تسليط الضوء على مواد في قانون الجنسية السوري تمنع المرأة من منح جنسيتها لأولادها: الجنسية هي رابطة قانونية وسياسية بين الدولة والفرد يصبح الفرد بموجبها أحد سكان المكونين للدولة. لقد تم تنظيم قضية الجنسية في سوريا بموجب المرسوم التشريعي رقم 267 لعام 1969 . لقي قانون الجنسية معارضة من قبل المنظمات النسائية والمنظمات الحقوقية، وضغط الأمهات المحرومات من حقهن في منح جنسيتهن لأولادهن، وكانت حالة المتزوجة من جنسية غير سورية وتعيش في سوريا هي وأولادها، أكثر المتضررات حضوراً في الواقع السوري بلغت أعدادهن ألافاً فقط، وقد فشلت مطالبتهن بتغيير هذا القانون التمييزي، الذي ينتهك حقوق المرأة ، ويتعارض مع حقوق الإنسان. لقد تضمن هذا القانون تمييزاً واضحاً فاضحاً بكثير من مواده تستحق الذكر و المناقشة على أمل تغييرها : لكن ما يهمنا هنا هو التمييز ضد المرأة وعدم قدرتها منح الجنسية لأطفالها وفق ما جاء في المادة الثالثة من قانون الجنسية: حيث ورد على أنه يعتبر عربياً سورياً: أ ـ من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري . ب ـ من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً. ج ـ من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما، ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم تثبت العكس . د ـ من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية . هـ ـ من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهلة المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة . ويسري حكم هذه المادة ولو كان الميلاد قبل تاريخ العمل بهذا المرسوم التشريعي .
في المناقشة: المادة الثالثة الفقرة أ : حيث يعد الشخص عربياً سورياً حكماً من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري. أي الأخذ بحق الدم من جهة الأب فقط وبالتالي فإن جنسية الطفل تحدد تبعاً لجنسية أبيه. وينتقص من حق المرأة منح جنسيتها لأبنائها . أما الفقرة ب من المادة الثالثة: يعد سورياً حكماً من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه، أي منح الجنسية السورية بناء على حق الدم والإقليم معاً في حالة كانت الولادة في سوريا من أم سورية ولم يثبت نسب الطفل إلى أب شرعي كما تمنح الجنسية أيضاً للطفل بناء على حق الإقليم فقط في حالة كان المولود من أبوين مجهولي الجنسية ، أي حالة الطفل اللقيط وحالة المولود في سورية ولم يكتسب بصلة البنوة جنسية دولة أخرى. الفقرة ج من المادة الثالثة. نلاحظ إن الجنسية تمنح لمجهول النسب إذا ولد في سوريا و ولكن القانون لا يمنحها للأم السورية إذا تزوجت من غير سوري. فكيف حال الأم وأطفالها على إقليم خارج سوريا في دولة لا يمنح الجنسية بالميلاد على إقليمها يؤدي ذلك إلى انعدام جنسية المولود حيث أن القانون السوري يرفض ثبوت الجنسية السورية في هذه الحالة حتى لو كان الأب مجهول الهوية أو عديم الجنسية. تتعارض هذه السياسة التمييزية في القانون السوري مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جاء في المادة 15 منه : على أن كل فرد له الحق في الحصول على جنسية ، ولا يجوز حرمان أحد من جنسيته بطريقة تعسفية.
وعليه يجب أن تصاغ المادة الثالثة وتعدل : 1ـ حيث يعد عربياً سورياً حكماً من ولد في القطر أو خارجه من أب عربي سوري أو من أم عربية سورية. ويجب تعديل الفقرة ب من المادة 3 لتصبح على الشكل التالي: 2 ـ تمنح الجنسية حكماً لمن ولد لأم سورية داخل أو خارج القطر ولم يثبت نسبه إلى أبيه قانوناً أو من ولد لأم سورية وأب مجهول الجنسية، أو لا جنسية له بحيث تشمل هذه الفقرة جميع أطفال الأم السورية. في النهاية لم يكتفي المشرع السوري بعدم تعديل قانون الجنسية الذي ينتهك حقوق المرأة ويخالف المبادئ الدستورية، بل تحفظ على الاتفاقات الدولية ، مراعاة لقانون الجنسية القائم: هذا ما جرى عليه موقف التشريع السوري من اتفاقية سيداو وأسباب التحفظ على المادة التاسعة : حيث صادقت الدولة السورية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” في عام 2003 وتحفظت على 15 مادة منها الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الاتفاقية المتعلقة بحق المرأة في منح جنسيتها لأبنائها. هذا التحفظ جاء لاعتبارات موضوعية، ولمخالفتها الشريعة الإسلامية، مع الإشارة إلا أن هناك عدد من الدول العربية لم تتحفظ على هذه الفقرة مصر والعراق والمغرب والجزائر وتونس. وأقرت حق الأم في منح جنسيتها لأطفالها. وإن الأخذ بأسباب شرعية في معرض تطبيق الجنسية وفق اعتبارات المشرع السوري هو خلط بين حق النسب والجنسية رغم اختلافهم، النسب في المفهوم الشرعي يعود للأب نتيجة الزواج الشرعي، أما الجنسية فهي أوسع وأشمل، لها علاقة بالانتماء والمواطنة والإقامة، وتلعب الاعتبارات الإنسانية والسياسية دوراً كبيراً في منح الجنسية، وليست محصورة بمؤسسة العائلة. إن تعديل تشريع تجاوزه الزمن ويشكل أداة اضطهاد وتمييز ضد المرأة وضد أطفالها ويقوض أساس المساواة التي تقوم عليها المواطنة، التي لا تستقيم دون إقرار حقوق المرأة ومساواتها بالرجل ومنها حق المرأة بمنح جنسيتها لأطفالها الذي يتم عبر تعديل قانون الجنسية، الذي أصبح تعديله ضرورة ملحة و طوق نجاة لعشرات الآلاف من الأطفال وأمهاتهم.
خاص “شبكة المرأة السورية”