لينا الوفائي
ابتدأ الربيع العربي في تونس وانتقل إلى مصر واليمن وليبيا، سقط الحكم في كل من تونس ومصر، كل هذا والشعب السوري بعيداً، يراقب من بيته الأخبار دون التجرؤ على النزول الى الشارع والتعبير عن رأيه. كانت هناك بعض المحاولات الخجولة لبعض النشطاء للتضامن مع الثورات العربية والوقوف أمام السفارات ( المصرية والليبية مثالاً) ولكنها لم تتحول إلى ظاهرة تعم المجتمع.
المحاولة الاولى كانت دعوة من النشطاء على الانترنت للنزول يوم 4 شباط والتجمع امام البرلمان في وسط دمشق، لكن الشوارع كانت خالية تماماً إلا من عناصر الأمن التي تتأهب للانقضاض على أي شيء مريب. بدت شوارع دمشق خالية أكثر من أي يوم عادي، وكأن هناك منعاً للتجول، فقد أثارت هذه الدعوة الخوف في نفوس الناس فدفعتهم إلى التزام بيوتهم بدلاً من النزول، هم الذين خبروا هذا النظام الاستبدادي لسنين طويلة، ويعرفون جيداً عقوبة من يحتج. فما زالت ماثلة في الأذهان مجازر حماة عام 1982 والدمار الذي أصابها، بالإضافة إلى مقتل عشرات الآلاف دون توثيق عداك عن اعتقال عشرات الآلاف أيضاً وتغييبهم في سجون النظام وقضاء العديد منهم في مجزرة سجن تدمر أو في الأحكام الميدانية بالإعدام. ولم يترك لهم هذا النظام فرصة للنسيان والعودة الى حياة سياسية طبيعية فقد استمرت الاعتقالات لسنين طويلة، وغيبت السجون كل من حاول حتى إبداء رأي مخالف.
استمرت المحاولات فكانت الأولى التي نادى بها مجموعة من النشطاء بالحرية في سوق الحميدية وسط دمشق في 15 آذار واعتصام اهالي المعتقلين امام وزارة الداخلية في 16 آذار والذي أدى لاعتقال البعض. ولكن الشرارة التي اشعلت سوريا كانت أظافر أطفال درعا، الذين اعتقلوا وقلعت اظافرهم لكتابتهم على الحيطان (جاك الدور يا دكتور) فانتفض أهلهم للدفاع عنهم وانتفضت سوريا لنصرة درعا وأهلها.
استمرت الثورة سلمية لأشهر طويلة ولكنها نتيجة للقمع المعمم وبعد اضطرار العديد من عناصر الجيش السوري للانشقاق عنه رفضا لقتل اخوتهم وجد الشعب السوري الاعزل نفسه في مواجهة أعتى وأعنف أجهزة القمع في العالم مما اضطره لحمل السلاح دفاعا عن نفسه وحماية لأهله وللمظاهرات تأتي الذكرى الرابعة اليوم لانطلاقة الثورة السورية وشعبنا قد دفع أغلى الأثمان، فقد تجاوز عدد اللاجئين السوريين حسب إحصائيات الأمم المتحدة الثلاثة ملايين وعدد النازحين داخل البلاد تجاوز السبعة، كما تجاوز عدد الضحايا الثلاثمائة الف عدا المفقودين وعدد المعتقلين المأتي ألف أيضاً.
الآن وفي الذكرى الرابعة للثورة تبدو اللوحة في سوريا شديدة التعقيد، فما زال النظام السوري متوغلاً في الحل الأمني، مدعوما من حلفائه الدوليين (روسيا )، ويخوض معه حلفائه الاقليمين حربه ضد الشعب السوري، فتشاركه القوات الإيرانية وحزب الله وكتائب ابو فضل العباس والى ما هناك من مليشيات طائفية تحارب معه على أرضنا. وما زالت المعارضة منقسمة حتى الآن رغم كل محاولات الحوار والاتفاق والتي نأمل بنجاح محاولاتها الأخيرة. ولكن ما زاد في تعقيدها بروز التنظيمات الإرهابية المتطرفة (داعش والنصرة وأشباههما)، التي استغلت الظرف وسهل لها النظام بسكوته عنها، فالثورة الآن تحارب على جهتين الأولى جهة النظام والأخرى التطرف الإسلامي، أما المجتمع الدولي فما زال يؤمن بالحل السياسي، والذي أيضاً تراه كل قوى المعارضة حلاً صائباً رغم فشل كل المحاولات حتى الآن، بدءً من كوفي عنان مروراً بالإبراهيمي ومؤتمر جنيف وانتهاء بدي مستورا وخطة تجميد حلب. ولكن الحل السياسي ما زال بعيداً ولا يلوح في أفق قريب، فالحل السياسي لا يمكن دون ان يقتنع النظام بفشل الحل الامني وضرورة مشاركته لهذا في اطار هذا الحل وذلك لن يتم إلا بتعديل موازين القوى الذي يفرض على النظام التنازل في إطار الحل السياسي.
لكن رغم فداحة الأثمان التي دفعها شعبنا ورغم تعقيد اللوحة وصعوبات الحل، ما زالت الثورة السورية مستمرة وما زال شعبنا مصراً على مطالبه بالحرية والكرامة. وقد أتت حملة “ارفع علم ثورتك” في الذكرى الرابعة للثورة لتؤكد ذلك، حيث رُفع علم الثورة في مواجهة كل الأعلام الأخرى، وخاصة السوداء منها، ولتؤكد على مطالب الثورة بالحرية والكرامة والدولة المدنية. وخرجت المظاهرات في كل اماكن تواجد السوريين في داخل سوريا وفي دول اللجوء وأوربا، ولكن أهم المظاهرات تلك التي خرجت ترفع علم الثورة في الغوطة الشرقية وفي حلب مثلاً، والتي جاءت لتؤكد تمسك الشعب السوري بمطالب ثورته وعدم قبول استغلالها من قبل أجندات متطرفة.
خاص “شبكة المرأة السورية”