سحر حويجة
يشهد العالم على حجم المأساة السورية، على أنها الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، نتيجة الخسائر الكبيرة في الأرواح، والنزوح القسري والتشرد الذي طال نصف السكان، والفقر والجوع الذي يقع ضحيته أغلبية الشعب السوري. غير أن أكبر الجرائم وأفظعها، وهي بصمة عار على جبين المجتمع الإنساني في القرن الحادي والعشرين، هي الجرائم التي راح ضحيتها أطفال سوريا. أدلة قاطعة لا تقبل الشك على ارتكاب النظام وغيره من قوى الظلام جرائم حرب.
يشكل الأطفال الفئة الأضعف في حالة النزاعات المسلحة، لذلك واجب على المعنيين حمايتهم ورعايتهم من: (الأهل والقوى المتحاربة والمنظمات الدولية و الإنسانية) . وكان أطفال سوريا عرضة لأبشع الانتهاكات وفقاً للقانون الدولي الإنساني، وقانون محكمة الجنايات الدولية، والقوانين المحلية الوضعية. واتفاقية حقوق الطفل. منذ بدء الحراك الثوري في سوريا، قام النظام باعتقال طلاب من مدارس مدينة درعا، على خلفية كتابة شعارات معارضة للنظام، وتم تعذيبهم بشكل وحشي، واستمر النظام في أعمال الاعتقال والتعذيب للأطفال منذ أربع سنوات، كما يزيد عدد الأطفال المعتقلين في سجون النظام عن عشرة آلاف طفل بتهمة التجسس وغيرها من تهم. وقد تم توثيق شهداء أكثر من عشرة آلاف طفل سوري، ضحايا القصف العشوائي، ومنهم من قضى تعذيباً، أو قنصاً أو جوعاً أو في مجزرة أو بالكيماوي.
وسوريا من الدول التي يشكل السكان تحت سن 18 عاماً حوالي 40% من سكانها، نتيجة حجم العائلة الكبير خاصة في المناطق الريفية، وبما أن المناطق الساخنة تغطي مساحة كبيرة في كل من ريف دمشق و حلب وإدلب والرقة، و نتيجة القصف المدمر لكل أشكال الحياة، اضطر السكان للنزوح، حيث نجد أن أغلبية اللاجئين في المخيمات من النساء والأطفال، ويشكل الأطفال، “أكثر من نصف النازحين وفق تقديرات الأمم المتحدة” .
نسبة كبيرة من الأطفال في مناطق النزاع، فقد نتيجة الاقتتال والقصف العشوائي، إما واحداً من والديه أو الأثنين معاً، وبذلك خسروا حقهم بالرعاية والحضانة، كما خسر هؤلاء الأطفال أيضاً حقهم في التعليم بعد تدمير المدارس والتهجير. ونتيجة للجوع والفقر وتدني مستوى الخدمات بحق اللاجئين والنازحين السوريين انتشرت ظواهر جرمية بحق الأطفال، منها تزويج الإناث من الأطفال القاصرات، أما الأطفال الذكور أخذوا في البحث عن عمل لإعالة عائلتهم وأنفسهم، بسبب غياب المعيل. وبسبب تقصير وغياب المنظمات الدولية والإنسانية، التي ترعى الأطفال في زمن الحرب.
غير أن من أخطر الجرائم التي لحقت بالأطفال، نتيجة النزاعات المسلحة الدائرة على الأراضي السورية، كانت ظاهرة تجنيد الأطفال.
القوانين التي تحظر تجنيد الأطفال وتعاقب مرتكبيه
إن كلاً من القانون الدولي الإنساني، وقوانين الحرب، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. هذه القوانين جميعها، تطالب في مبادئها القوات الحكومية والجماعات المسلحة غير التابعة للدول، عدم تجنيد واستخدام الأطفال كمقاتلين، وتطالب بعدم استخدامهم في أدوار معاونة أخرى. كما يحظر البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، الذي صادقت عليه سوريا في عام 2003، تجنيد الأطفال تحت سن 18 عاماً في أية أعمال عدائية مباشرة. كما تحظر تجنيد الأطفال تحت سن 15 في الأدوار الداعمة للمتحاربين. نضيف إلى ذلك إن تعريف نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، يعد تجنيد الأطفال جريمة حرب.
أعداد الأطفال المجندين : على الرغم من عدم وجود إحصائية تحدد أعداد الأطفال المجندين في سوريا إلا أن هناك تقارير صحفية، تقدر عددهم بأكثر من عشرين ألف طفل. كما يوجد الكثير من الوقائع الموثقة تظهر حجم الكارثة نذكر منها: قام مركز الانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا، بتوثيق مقتل 194 من الأطفال العسكريين المجندين غير مدنيين.
شارك الأطفال بالأعمال القتالية، وقدموا مختلف الخدمات العسكرية، منها القيام بأعمال التجسس، ونقل المؤنة والذخائر، على اعتبار أن الأطفال لم يكونوا أهدافاً للقناصة، غير أن النظام اكتشف الحيلة و صار الأطفال ضحايا للاعتقال والقنص بعد اكتشاف أمرهم.
أهم الأسباب التي تقف وراء تجنيد الأطفال
يعتبر وسيلة من وسائل تأمين مصادر العيش، حيث يحصل الأطفال المجندين على راتب مقبول، قياساً لبقية الأعمال المتوفرة لطفل يسعى للعمل، حيث يتقاضى راتب مقداره أكثر من 100 دولار وفق شهادات لأطفال مجندين من خلال تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش. النظام السوري بدوره ونتيجة للاعتقال التعسفي والتعذيب دفع الكثير من المعتقلين الأطفال إلى الالتحاق بالمقاتلين، بعد خروجهم من السجن، وذلك بدافع الانتقام.
إضافة إلى أسباب عديدة أخرى منها: تأمين الأطفال حماية لأنفسهم وحتى لعائلاتهم أو تأثراً بهم. كما يوجد تقاليد وقيم اجتماعية تدفع الأطفال إلى الالتحاق بالقتال منها تشجيع الولد على السير على خطى أخيه أو أبيه للثأر من القاتل. أو التعامل مع الذكر الكبير حتى لو كان طفلاً بحكم المسؤول عن عائلته بغياب الأب، أيضاً المراهق ينظر له المجتمع كرجل نظراً لنموه الجسدي دون النظر لإدراكه واكتمال نموه العقلي، هذا الأمر يدعمه القانون الذي يبيح للقاصر البالغ من العمر 15 عاماً أن يتزوج نظراً لبلوغه الجسدي ، و حقه بالتالي في تكوين عائلة، قياساً عليه يمكن أن يحارب ويحمل سلاح.
أشكال وحجم استخدام أطراف النزاع المختلفة لجريمة تجنيد الأطفال
وفق تقرير لمنظمة هيومن رايس ووتش، حيث قابلت 25 طفلاً قاتلوا في جماعات سورية أو شاركوا في دعمها. يتوزعون ما بين صفوف الجيش الحر وأحرار الشام وداعش والنصرة ووحدة حماية الشعب الكردي. وهناك تقارير موثوقة لاستخدام أحرار الشام والنصرة وداعش للأطفال على نطاق واسع وبشكل ممنهج.
التجنيد في مناطق سيطرة النظام: النظام السوري رغم عدم وجود إحصائيات عن تجنيد الأطفال في صفوف الدفاع الوطني، إلا أن هناك ممارسات وشهادات تؤكد ذلك، وفقاً لتقرير صادر عن لجنة تقصي الحقائق الأممية المستقلة بشأن سوريا، يفيد أن القوات الحكومية استخدمت الأطفال من عمر 13 عاماً في درعا وطرطوس في أعمال التفتيش على الحواجز، كما أن اللجان الشعبية دربوا أطفالاً على حمل السلاح واستخدموهم مخبرين في المدارس . أضف لذلك ووفقاً لشهادات من الأهالي، أن الأطفال الذين يتسكعون في الشوارع يمكن أخذهم وإجبارهم في أعمال الحفر وغيرها خدمة للجيش، كما إن تغلغل المنظمات الشيعية والإيرانية سمحت، ودعت إلى تجنيد أطفالاً في صفوفها.
لابد من الإشارة هنا إن عسكرة المجتمع، ونتيجة هروب وهجرة الكثير من الشباب الموالين من الخدمة الإلزامية، أعطى المجال وشجع على تجنيد المراهقين للتطوع والتدريب في صفوف المقاتلين من اللجان، حتى يتم ربط مصيرهم بمصير النظام .
التجنيد في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام
انتشرت ظاهرة تجنيد الأطفال في صفوف معظم الفصائل العسكرية في المناطق المحررة، التي خرجت عن سيطرة النظام، هذا الأمر دفع الائتلاف المعارض والمجلس العسكري للتدخل نتيجة الضغوط الدولية، حيث إن الائتلاف قد طلب من الجماعات المسلحة في أذار 2014، رفض تجنيد الأطفال في صفوفهم، وقام بالضغط على حلفائه، ومنهم وحدة حماية الشعب الكردي، حتى أن الأمين العام لقوات حماية الشعب أصدر قراراً بتسريح كل شخص أقل من 18 عاماً. كما عملت الفصائل العسكرية التابعة للجيش الحر على الالتزام بعدم التجنيد، غير أن القوى المتشددة والتي لا تخضع في تنظيم أمورها العسكرية، لأي جهة، مازالت تصر على تجنيد الأطفال، سواء في مخيمات اللاجئين أو في المناطق تحت سيطرتها.
يتدرب الأطفال المجندين، على أعمال القتال، والمشاركة في الأعمال القتالية وإن كانت تعود إلى رغبتهم عند فصائل الجيش الحر، و عدم الممانعة من تجنيدهم إذا رغبوا، خوفاً عليهم في حالة إصرار الطفل على المشاركة في أعمال القتال وتم رفض تجنيده من التوجه إلى داعش، والقوى المتشددة الأخرى، التي تعمل على تجنيد الأطفال، هذا ما أعلنه أحد قادة الجيش الحر لهيومن رايتس ووتش على أن هناك قاصرين يصرون على الالتحاق بالقتال .
بينما يختلف الوضع عند القوى المتشددة، نصرة والداعش وجيش الإسلام وأحرار الشام، التي تعتمد الإسلام مرجعية ، فهذه القوى لا تعير أدنى اهتمام إلى حقوق الطفل ولا إلى القانون الدولي الإنساني، بل يعتبرون تجنيد الأطفال جزء من واجبهم اتجاهه في الرعاية إذا فقد معيله، و أحد وسائل حمايته للدفاع عن نفسه ولكسب معيشته، ولهم في التاريخ قدوة ومثال، فالصحابي الخليفة الإمام علي محارباً منذ كان عمره 13 عشرة عاماً.
والقصة أكبر عند النصرة وداعش أي المنظمات التي استخدمت التفجير من وسائل الحرب حيث يكون الطفل هو الضحية في سيارة مفخخة و يتم تعبئته وتوجيهه نحو الاستشهاد، دون أن يعي ماذا يفعل، ربما يقولون له أنه خارج في نزهة، وبعد فليل سوف يلتقي من يحبهم، من الشهداء، أصدقاءه الطفل أو أقربائه. وقد ثبت أن داعش والنصرة يقومان بتجنيد الأطفال في المدارس والبيئات التعليمية، حيث تمكنت هذه المجموعات من تجنيد أطفال في أماكن اللجوء، كما أنهم يدعون للتجنيد في المحافل العامة وخطب المساجد.
داعش تجنيد الأطفال مدروس وممنهج
من المعروف أن داعش ميزت بين المقاتل السوري، وبين غيره من المقاتلين في صفوفه على صعيد الرواتب والقيادات، قد يكون مصدر ذلك عدم الثقة بالمقاتلين السوريين الذين يتركون صفوف قوى أخرى ويلتحقون بصفوفه.
لكن الأطفال لهم شأناً آخر، حيث يقوم تنظيم الدولة بغسل أدمغتهم وإعادة تعبئتهم وتنشئتهم على مبادئه وعزلهم عن محيطهم، واستخدامهم دون وعي منهم في كثير من الأعمال من دون تردد أو سؤال، سواء بدافع الخوف، أو بسبب عدم معرفة حقيقة ما يجري من حولهم، ليتحولوا إلى أدوات في الطاعة وتنفيذ الأوامر والمهام المكلفين بها، بما ينسجم مع سياسة ومشروع قوى تكفيرية متشددة استبدادية. لذلك يعتبر الأطفال بالنسبة لهذه القوى المستقبل، من خلال جيل لا يعي إلا تعاليمهم ومستعد للتضحية والدفاع عنهم. ومصدراً أساسياً للقيام بأعمال القتال وغيرها. مستغلين رغبة متوفرة عند الأطفال، حيث أخذت الأعمال الحربية تغدو جزء من ألعابهم، بل لعبتهم المفضلة، ومن يتطوع ليدربهم على أعمال القتال، يحقق لهم السعادة في البداية. نضيف إلى ذلك ارتباط التعليم العسكري بالتعليم الديني الذي يتلقاه الأطفال، عند القوى التكفيرية. بل أن التعليم يكون هدفه إنتاج مقاتلين، يتم فيه التركيز على قيم التكفيريين والجهاديين. لكل تلك الأسباب من الطبيعي أن يكون تجنيد الأطفال عمل ممنهج ، وواسع عند القوى التكفيرية، لما فيه خدمة هذه القوى على المستوى البعيد، دون النظر لمصلحة الطفل.
ما الإمكانية المتوفرة لوضع حد و إيجاد حلول لوقف تجنيد الأطفال في سوريا؟
على مستوى التوجه لأطراف النزاع وكما أشرنا أن القوى التي تعترف بالقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان و حقوق الطفل ، يمكن الضغط عليها و التوجه لها ومنعها من تجنيد الأطفال كما ما يمكن محاسبتها.
بالنسبة للنظام السوري، الذي يقع على عاتقه العبء الأكبر لوقف تجنيد الأطفال، من جهة في مناطق سيطرته، بسبب توقيعه على الاتفاقات الدولية التي تمنع تجنيد الأطفال، كما أنه وقع على البرتوكول الاختياري لحقوق الطفل الذي يحظر تجنيد الأطفال، ومن جهة أخرى كونه سبب جوهري لتشكيل الدافع إلى تجنيد الأطفال، بسبب اعتقال الأطفال وتعذيبهم وتوقيفهم غير القانوني، في أماكن مع الكبار، ثبت أن ذلك سبباً جوهرياً لسعي الأطفال نحو التجنيد والتدريب على القتال، كما أن الحصار الخانق للمناطق الساخنة ، والقصف العشوائي للمناطق التي خرجت عن سيطرة النظام سبباً أساسياً لتجنيد الأطفال.
أما بالنسبة للمناطق التي تسيطر عليها القوى المتشددة
قوى من الصعب الضغط عليها، في هذه المناطق يمكن أن يلعب الناشطون والمنظمات الدولية والإنسانية، والائتلاف إذا كان لديه من سلطة في هذه المناطق، دوراً أساسياً. وذلك رغم صعوبة نشاطهم ومهمتهم هي في رفع الوعي من خلال العلاقة مع الأهالي ومع الأطفال الذين فقدوا أهاليهم، وتوجيههم نحو العلم وتعلم مهنة تناسبهم، على اعتبار إن تجنيدهم ما هو إلا جريمة تحاسب عليها كل الشرائع الوضعية. يترافق ذلك مع ضرورة تحسين أوضاعهم المعيشية، ورفع الحصار عنهم.
وأخيراً في أماكن اللجوء، حيث تشكل الظروف القاسية التي يعيشها اللاجئون وسوء المعاملة من المضيفين، وسوء الخدمات التي يتلقونها ، والتهديد الذي يحوم حولهم في قلع خيامهم في أي لحظة وطردهم والضغط المتزايد عليهم مع تزايد أعدادهم، ودفعهم للعودة إلى سوريا حتى لو كان الموت ينتظرهم، يحصل ذلك خاصة في المخيمات اللبنانية، وبالتالي شكلت مخيمات اللجوء أحد المصادر لتجنيد الأطفال، وهم الهاربون من الاقتتال طالبين الحماية، هنا يكون على عاتق المعنيين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية ومؤسسات المعارضة والناشطين، وعلى الدول المضيفة تحمل مسؤوليتها في حماية اللاجئين وتحسين أوضاعهم ومعاملتهم معاملة إنسانية وفق القانون الذي يشمل اللاجئين، ويضمن حقهم، سواء في تأمين وسائل المعيشة اللازمة، أو في تشجيع الأطفال على التوجه للمدارس بعد تأمين هذه المدارس، وفي معاملة تليق بإنسانيتهم. وبالتالي قطع دابر من تسول له نفسه، استغلال الأوضاع السيئة و استغلال أطفال هؤلاء اللاجئين، لتجنيدهم.
خاص “شبكة المرأة السورية”