ناصر حدة
ثلاث وثلاثون سنة مرت على مجزرة حماة الكبرى في 2 شباط 1982 ولاتزال آثار الجريمة المروعة في كل بيت حموي وحموية، شهيداً أو معاقاً أو مشوهاً أو مختفياً، بعد اشتباكات دموية بين التنظيم المسلح للإخوان المسلمين “الطليعة المقاتلة” و قوات النظام العسكرية بكل صنوف أسلحتها وميليشياتها شبه النظامية، حيث عملت الدبابات والطائرات السورية على قصف المدينة بسكانها، جنباً إلى جنب مع حملة إعدامات جماعية مروعة، انتهى بحمام دم لا نظير له في تاريخ سورية الحديث، راح ضحيته مابين 10000-25000 مدنياً “تقرير الأمنستي إلى الحكومة السورية”.
ثلاث وثلاثون سنة ولاتزال الندوب المؤلمة باقية في وجدان الناس من التدمير المجنون والخسائر الكبيرة في الأرواح في حماة،إذ أرادت الديكتاتورية ورأس نظامها السابق، من مجزرتها في حماة أن تكون درساً وعبرة لمن يعتبر في كل مدن سورية، وبث الرعب في قلوب السوريين. وكما يكتب الباحث والمؤرخ حنا بطاطو أن حافظ الأسد فكَّر بالطريقة التي فكَّر بها نابليون في عام 1800 عندما أرسل أحد ضباطه ليخمد انتقاضة في فيندي، يومها نصح الضابط نابليون بـ”أن يحرق بلدتين او ثلاث، يختارها من بين تلك التي يعتبر سلوكها الأسوأ.
وهكذا دخلت سورية في فترة عقود من الجحيم القمعي، وما زاده اسوداداً إصرار الطغمة الحاكمة في سورية على عدم طي نتائج المجزرة وآثارها في إجراءات سياسية وإصلاحية تحت أي مستوى. ثلاث وثلاثون سنة على المجزرة المهولة ضد شعبنا الطيب الأبي في حماة، معقل النضال ضد المستعمر والديكتاتوريات والقتلة طلقاء اليدين من كل محاسبة ومسؤولية . ثلاث وثلاثون سنة على المجزرة والمجتمع الدولي آنذاك لم ينبس إلا في إشارات إخبارية خجولة على مدى دقيقتين. وإذا كان متوقعاً تجاهل ما حصل من قبل المنظومة الاشتراكية آنذاك، فإن عواصم “العالم الحر” التزمت مؤامرة الصمت. ولا يتعلق الأمر بستار حديدي فرضه النظام على البلد والشعب، بل بغشاوة المصالح التي اضطرت تلك العاصمة او تلك لإلتزام الصمت.
مساءلة
تتساءل مواطنة حموية في معرض تذكرها للمجزرة من يستطيع إقامة إدعاء على قائد سرايا الدفاع آنذاك، مجرم الحرب رفعت الأسد والذي يلقى الوفادة والإقامة في بلد الأنوار والديموقراطية “باريس” ومشاريعه الإقتصادية في طول أوربا وعرضها ؟ من يستطيع إقامة الإدعاء على قائد الوحدات الخاصة في جيش النظام ” الوطني “؟ من يستطيع الإدعاء على قائد اللواء 47 في جيش النظام وعلى قائد الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكية ؟ حقاً أن النجاة من العقاب ابنة النسيان. ومع أهمية تسليط الضوء في السنوات المنصرمة على المجزرة واحتفاليتها كل عام، والوقوف على تفاصيلها.
يجب أن لا تغيب عن مداركنا أسماء هؤلاء القتلة النظاميين وغير النظاميين وضرورة تقديمهم للمحاكم الوطنية أو الدولية، مهما طال الزمن. وهذا ما يحتم على قوى شعبنا الحية أن تنظم جهودها لتوثيق المجزرة وأسماء ضحاياها، والمآثر الإنسانية والوطنية التي أبداها الرجال والنساء الحمويات في التضامنات الرائعة على اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم،إذ لم تميز بين مسلم ومسيحي. مثلما جرى في حي المدينة المسيحي إذ يوجد فيه جامع قديم جداً كان معبداً يهودياً ثم كنيسة، ثم تحول إلى جامع في بداية الفتح الإسلامي لبلاد الشام، هذا الجامع هو “الجامع الكبير” وقد تعرض للقصف المدفعي الثقيل، وكان يدمر تدميراً كاملاً، و بالقرب من الجامع يوجد كنيسة قديمة أيضاً، اتصل مطران الكنيسة بمسؤول أمني يعرفه، وقال له إن الجامع يقصف وهذا الجامع أثري ولا يجوز ما يحصل له، قال له المسؤول : “نصف ساعة ويأتيك الجواب” وأغلق السماعة. بعد نصف ساعة بالضبط بدأت المدفعية بدك الكنيسة والجامع سوّية، في رسالة صريحة ووقحة أنهم لا يهتمون بمعلم اثري أو غير أثري، بجامع أو كنيسة، بمسلم أو مسيحي. وكم خفف استقبال أبناء المدن والقرى لأخوتهم وأهاليهم الحمويين وتأمين إقاماتهم من هول مصابهم ومأساتهم في مشهد تضامني طالما اعتاد السوريون على ابداءه في الملمات والأوقات العصيبة.
من الذي يتذكر الأرمن ؟
حين كانت الإمبراطورية العثمانية تتفتت كقطع البسكويت الهش، الأرمن هم من دفعوا الثمن. فبينما الحرب العالمية الأولى تدور، قضت مجزرة منظمة على نصف أرمن تركيا: بيوت منهوبة ومحروقة. قوافل من العراة ألقي بهم إلى الدروب بلا ماء، ولا أي شيء. نساءٌ يغتصبن في وضح النهار في ساحة القرية. أجساد مقطعة الأطراف تطفو في الأنهار. من لم يمت من العطش أو الجوع أو البرد، مات بسكين أو رصاصة أو بمشنقة، أو بالدخان : فالأرمن المطرودون من تركيا، حبسوا في مغاور في الصحراء، وخنقوا بالدخان. بعد عشرين عاماً، كان هتلر ينظم مع مستشاريه، عملية غزو بولونيا، وفي قياس لسلبيات وإيجابيات العملية، لاحظ هتلر أن هنالك اعتراضات، فقد تنفجر فضيحة عالمية، احتجاج ما، ولكنه هدّأ من روع معترضيه وأكد أن مثل ذلك الصخب لا يستمر طويلا، وسأل منوهاً : من الذي يتذكـــــــــــــــر الأرمن؟
من سوء حظ هتلر أن كارثة الأرمن لم ولن تنس، ومن سوء حظ طغاتنا أن ذاكرتنا من النضارة،كما هي نواعير مدينتنا حماة في أنينها الأبدي، في تصميمنا على معاقبة المجرمين مهما طال الزمن.
خاص “شبكة المرأة السورية”