صبيحة خليل
شغل المرسوم رقم 22 الذي أصدرته الحاكمية المشتركة للكانتونات الكردية الثلاث لعام 2014 المتضمن (المبادئ الأساسية والأحكام العامة والخاصة بالمرأة) الكثيرين، وتم التوقيع عليه من قبل حاكمي الجزيرة هدية يوسف وحميدي دهام الهادي. وراح المهتمون بحقوق المرأة من المنظمات المدنية و الحقوقية وغيرها يتساءلون عن ماهية هذا القانون و عن مدى إمكانية تطبيقه على الأرض و فرص النجاح و الفشل خاصة في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها سوريا وفي ظل تعقيدات الوضع الكردي على وجه الخصوص، فالجميع يدرك حيثيات الصراع المسلح الدامي الذي تخوضه الإدارة الذاتية تحديداً في كوباني – ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يسمى بداعش .
ثمة اسئلة كثيرة تطرح نفسها … من قبيل، ما الغاية من هكذا مرسوم في وقت ينشغل فيه عموم الشعب السوري بمختلف أطيافه بهموم يومية تبدأ من أمن الرغيف و لا تنتهي بأمن الحياة نفسها. حيث مأساة ملايين اللاجئين في دول الجوار وقضايا آلاف المعتقلين والمختفين وأضعافهم من الجرحى والقتلى. ناهيكم عن الوضع الانساني والمعاشي الداخلي والكارثي لعموم الجغرافيا السورية بعد أربع سنوات من التطاحن وضبابية الرؤية نحو المستقبل، نتيجة تعنت النظام وتمسكه بدفة مقاليد الدولة التي لم يبق فيها حجر فوق حجر. وسط هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، ثمة من يطرح أموراً تبدو في حقيقة الأمر أقرب إلى الرفاهية من حيث توقيت الطرح رغم أنها تندرج ضمن سياق مبادئ حقوق الإنسان التي لن يختلف عليها اثنان .
حاولت جهدي أثناء كتابة هذه المادة على استمزاج آراء البعض من النخبة المثقفة الكردية ومن فعاليات نسوية ومدنية حتى لا أبني على مواقف شخصية تجاه فكرة الكانتونات بحد ذاتها وذلك لتسليط الضوء على المرسوم الآنف الذكر.
البعض لم يستبعد أن يكون حقيقة المرسوم سوى جزء من الحرب الإعلامية ضد فتاوى داعش التي تهاجم بشراسة كانتون كوباني منذ أكثر من شهرين حيث تقوم الذراع العسكرية لصاحبة المرسوم والمتمثلة بـ الـ “ي ب غ” و “ي ب ج” بالتصدي له مدعوماً بضربات التحالف الجوية. و يزعمون بأن المرسوم ما هو سوى رد فعل على جبهة أخرى.
و حقيقة هنا لا بد من الإشارة إلى أن المرأة الكردية تقف في الصفوف الأمامية من الجبهة، حيث تقاتل في هذه المعارك مئات الفتيات الكرديات تحت اسم وحدات حماية المرأة. وهذه الصورة المتقدمة على الجبهات لا بد من أن يرافقها وضع قانوني متقدم يحفز المرأة و يرفع عنها الغبن في المجتمع المحلي. و ربما تكون بمثابة رسالة خفية للعالم الخارجي لتغيير القوانين التمييزية ضد المرأة.
أما البعض الآخر يؤكد أن الهدف منه كسب المزيد من الدعم و التأييد الدولي و الظهور بموقف حضاري ينظر بعين المساواة لرجاله ونسائه ليكسب الجانب السياسي من المعركة. وأنصار هذه الفكرة يؤكدون ان أصحاب المرسوم مازالوا يعملون على تجنيد الفتيات القاصرات ضمن صفوف قواتهم المقاتلة ويعتقلون على أساس اختلافات الرأي كل من لا يتوافق مع أيديولوجيتهم ويدعمون ذلك بالحجج والوقائع الماثلة على الأرض.
أما معظم الحركة النسوية الكردية والكثير منها محسوبة على الأحزاب والتنظيمات السياسية وبعض مؤسسات المجتمع المدني السورية فقد رحبت بالمرسوم من حيث الفكرة، لكن بقيت الاستفهامات حول إمكانية التطبيق و الآليات المعقدة للتنفيذ. و قالت إحدى الناشطات : ” إن نصوص هذا القانون ربما تخفف من آثار الحرب التي حولت المرأة إلى سلعة … و تضع حداً للعنف الأسري و تعدد الزوجات … و لكن ثمة سؤال محير يشغل فكرها وهو مدى الإمكانات الفعلية المتاحة للتطبيق” … و إحداهن ذهبت أبعد من ذلك وقالت أنه:” من المفيد أن يسجن الزوج الذي يمارس العنف ضد زوجته فيصبح عبرة لغيره ممن تسول له نفسه بانتهاج هذا السلوك المشين “.
لكن غالبية آراء الحقوقيين والقانونيين فندت إمكانية وضع هكذا مرسوم الذي يفتقد أصلاً صفة المرسوم من الوجهة القانونية ضمن حيز التطبيق … و شككوا بتطبيقه … نظراً للعلاقة الملتبسة بين النظام و إدارة الكانتونات … فهي ليست مناطق اي الكانتونات خاضعة لسيطرة النظام بالمعنى الكلي و لا هي تحت سيطرة الإدارات الذاتية بشكل فعلي … فظِل النظام موجود بل أحياناً يظهر بقوة … حتى أن البعض أكد أنه في الآونة الأخيرة أعاد النظام القضاة لمناطق الإدارة الذاتية … و هو أمر توسم به البعض خيراً رغم عدائهم لمنظومة النظام العسكرية والأمنية. وبرروا ذلك بأنه في ظل غياب كوادر قانونية متخصصة سيطرت فئة أمية على المحاكم المحلية في تلك الكانتونات خلال أكثر من عامين وخلقت فوضى قضائية لم تستطع أن تعوض عن مؤسسات النظام رغم فسادها وتناقض قوانينها.
ويقول أحد المحامون متهكما على المرسوم :” من لا يملك الصلاحية بإصدار وثيقة زواج أو ميلاد أو طلاق كيف له أن يمنع تعدد الزوجات … و يطبق العقوبات بحق الزوج لصالح الزوجة المطلقة “.
من زاوية أخرى ناشطة نسوية رأت أنه:”رغم فرص النجاح الضئيلة أمام المرسوم إلا أنه يقدم دعماً معنوياً للمرأة الكردية تقديراً لدورها البارز، و تؤكد أنه ثمة تراجع ملحوظ في جرائم الشرف و العنف الأسري”. ففي الوقت الذي كان مرتكبي جرائم الشرف يخرجون للمجتمع كأبطال تقليديين، سيلجم هذا القانون مثل هذه السلوكيات العنفية ضد المرأة، حيث يدرج المرسوم الجديد جرائم الشرف تحت بند جرائم القتل العمد و يحاكم مرتكبيه.
خلاصة القول، يمكن التأكيد أن المرسوم لن يلق تعنتاً واستهجاناً من حيث قبوله في الشارع الكردي المنفتح أصلا نتيجة سلاسة العلاقات الاجتماعية وتساهلها فيما يخص المرأة منذ أمد بعيد، ولكن الاختباء وراء هكذا قوانين لتمرير أجندات سياسية وحتى عسكرية ربما هو أكثر ما يشغله اليوم وسط غبار المعارك التي تضفي على المشهد مزيداً من الغموض والخوف مما هو قادم.