Search
Close this search box.

وما خفي أعنف

في السياق السوريّ المعقّد تضاعفت درجات العنف وتطورّت أشكاله وأساليبه ما بين ظاهرة وخفيّة؛ إلّا أنّ أشكاله الخفيّة لا تتكشّف مالم يتمّ تسليط الضوء عليها، ومنها إجبار الزوج لزوجته على تعاطي المخدّرات قسريّاً بهدف السيطرة التامّة عليها والتحكّم بها نفسيّاً وجسديّاً وعقليّاً فتصبح رهينة للعنف والإدمان الناتج عنه.

(الزلمة) غير 

لا شكّ أنّ ّظاهرة تعاطي المخدّرات أصبحت أكثر حساسية وتعقيداً، بحكم الظروف السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تفاقمت خلال سنوات الحرب في سوريا، إلّا أنّ النظرة المجتمعيّة مازالت تتعامل مع هذه الظاهرة – وغيرها من الظواهر- وفقاً لجنس المتعاطي متناسية خطورة هذه الظاهرة بحدّ ذاتها، حيث إنّ الأغلبية يطلقون أحكامهم  تجاه النساء اللاتي وجدنَ أنفسهنّ في ساحة إدمان وتعاطي المخدرات، ويتمّ وصفهنّ بالانحلال الأخلاقي والمطالبة بمعاقبتهنّ قانونيّاً واجتماعيّاً على هذا الجرم، وتتغافل في الوقت ذاته عن أنّ العديد منهنّ لسنَ إلّا ضحايا عنف أزواجهنّ الذين يجبرونهنّ على التعاطي ، وضحايا وصمة اجتماعيّة تجعلهنّ مدمنات بإرادة مسلوبة.

حِصار مُحكَم

ما بين خوف وعجز وصمت، وأحكام مسبقة ووصمة اجتماعيّة، تجد النساء اللاتي قُسِرن على تعاطي المخدرات أنفسهنّ محاصرات في دائرة مغلقة لا يمكن الخروج منها، ودائرة عنف تزداد اتساعاً مع ازدياد الحاجة لجرعات تخفّف من ضغط الإدمان الذي يجعلهنّ مسلوبات الحرية والإرادة وربّما الجسد! وتحت تأثير خوف مستمرّ من المجتمع الذي غالباً ما يلقي اللوم على الضحيّة، وخوف من الجاني الذي قد يتطوّر عنفه لحدّ القتل في حال خروجها عن صمتها، فتصبح عاجزة عن ترك المخدّرات وعن طلب العلاج أو المساعدة، وتعيش عنفاً فوق عنف ينتهك حياتها الإنسانيّة والصحيّة والنفسيّة والجسديّة والاجتماعيّة، وتفقد معه قدرة الدفاع عن نفسها وعن أيّ أمل في النجاة.

حياة مشوّهة

تتعرّض النساء اللاتي يتعاطين المخدّرات قسريّاً لمخاطر جسمية نتيجة الآثار الناتجة عن هذا العنف، إذ يواجهنَ مخاطر تدهور الصحة الجسديّة والإصابة بالأمراض المزمنة؛ خاصّة إن كانت المرأة حاملاً أو مرضعاً، إضافة إلى الاضطرابات النفسيّة الحادّة مثل الإصابة بالاكتئاب والقلق والشعور بالعزلة وفقدان الأمان، كما أنّ التعاطي القسري يؤدّي إلى زيادة العنف الجسديّ ضدّ النساء ويجعلهنّ عرضة للاستغلال الجنسيّ والاقتصاديّ، ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ بل قد يتجاوزه إلى اتّباع النساء لسلوكيّات لا يرغبنَ بها، يترافق ذلك كلّه مع وصمة اجتماعيّة لا تترك لهنّ سبيلاً للخروج حتى وإن حاولنَ ذلك. 

أين المفرّ

ما بين الإدمان والشفاء منه لا تأمن النساء على أنفسهنّ من عنف الأزواج أو عنف المجتمع، لا سيّما في البيئات التي لا تتوافر فيها المراكز المختصّة بالعلاج، إلى جانب القوانين التي تساوي بين الضحيّة والجاني. 

إنّ تعاطي النساء قسريّاً للمخدّرات من أخطر أشكال العنف التي تدمّر حياتهنّ من جميع جوانبها، وإنّ تجاهل هذه الحقيقة ما هو إلّا عنف آخر يجعل من مشكلة التعاطي القسريّ سجناً مؤبّداً لا يمكن الخروج منه إلّا بالموت!    

 

عمار الحليم 

شبكة المرأة السورية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »