سلامتك يا أمّ عامر!
لم تكن أمّ عامر إلّا كما كثيرات من نساء أعرفهنّ، امرأة أربعينيّة، أمّاً لخمسة أولاد، (ستّ بيت مقدّرة ومنظومة) كما كانت تقدّم نفسها في أوساط نساء الحيّ اللواتي قررنَ _بالاتفاق فيما بينهنّ أو بطلب من أزواجهنّ مقاطعتها وعدم استقبالها، أو زيارتها والتعاطي معها، حتى وصل الأمر “للسكبة” تلك العادة التي يتمّ من خلالها تبادل أطباق الطعام بين الجيران، تمّ حرمان أمّ عامر منها!
أمّ عامر التي كان يُشار إليها بزوجة (السكرجي والقمرجي، أبو عامر)، كان عليها أن تتحمّل كلّ هذا التهميش والأذى النفسي من نسوة الحيّ، فقط لأنّها (مرتو للنسونجي) إلى جانب ما تكابده من (أبو عامر)، الذي كان يعود لمنزله بعد منتصف الليل ويفرّغ جام غضبه عليها بالضرب المبرِّح، في حال عاد خاسراً من لعبة القمار!
ما زلت أحفظ شكل عينها اليسرى المتورّمة، وأثر الكدمات على فكّها، تقف أمام محلّ (أبو غياث) صباحاً، وتنتظر وصول الخبز، (كأنوا هالمرّة متقّل العيار أبو عامر) قالها أبو غياث بنصف ضحكة، وكأنّه ينتصر لكلّ رجال العالم!
تومئ له بالنظر ولا أحد من أهل الحيّ يسألها ما بكِ، ما حال وجهك يا أمّ عامر؟ وأندم حينها أنّني لم اقترب لأقول لها: (سلامتك يا أمّ عامر، والله يكسّر إيديه) أتذكّر أنّني قطعت عهداً على نفسي بعدم شراء أيّ شيء من محلّ (أبو غياث) نكاية بما قاله، وبقيت أفكّر في أمّ عامر طويلاً، وأطرح في عقلي أسئلة الصغار: كيف تغسل وجهها، كيف تداريه، هل يؤلمها حقّاً؟
واليوم نضجت أسئلتي، لأعود وأسأل أمام كلّ هذا العنف الواقع على النساء، وسط عائلتي، وفي قريتي، مدينتي، في بلدي، وفي بلادنا: لماذا لم تهرب أمّ عامر لمنزل أهلها؟ لماذا كلّ هذا الصمود؟ لماذا لم يتجرّأ أهل الحيّ على حلّ مشكلتها مع زوجها؟
لماذا لم تتوجّه بنفسها إلى مخفر الشرطة، وتقدّم شكوى بزوجها؟ لماذا لم تطلب الطلاق؟!
أُدرك اليوم ما كانت تفكّر به أمّ عامر حينها، امرأة معنّفة، امرأة مطلّقة، أيّ جحيم تختار منهما؟ وهي محاطة بنظام مجتمع أبويّ، يرى أنّه وبكلّ عنجهيّة، (لو فيها خير ما رماها الطير)!.
حسن جيلو
شبكة المرأة السورية