Search
Close this search box.

الموت جوعاً وفشل مبادرات تحييد مخيم اليرموك؟!

الموت جوعاً وفشل مبادرات تحييد مخيم اليرموك؟!

سحر حويجة

أعلن ناشطون فلسطينيون من خارج سوريا عن حملة لنصرة أهالي مخيم اليرموك المحاصر سبقتها مبادرات ووعود لحل الأزمة تحت شعار تحييد المخيم في الصراع القائم في سوريا، وكان المقاتلين على الأرض وافقوا على مبادرات لم تجد طريقها للتنفيذ، بسبب من السلطة السورية وأعوانها، بدا المشهد وكأن العملية ما هي إلا جس نبض، لقياس درجة الاستعداد لدى المقاتلينلتقديم مزيداً من التنازلات حتى الاستسلام والتسليم، كشرط لرفع الحصار عن المخيم. غير إن تغطية ما يجري في المخيم والمناطق الجنوبية من دمشق نبهت العالم إلى جريمة أخرى، تضاف إلى سجل الجرائم الكبيرة التي تقع تحت تسمية جرائم حرب، وجرائم الإبادة بأبشع صورها تمارس بحق الشعب السوري، كما تمارس بحق الشعب الفلسطيني، حيث أن النظام السوري لم يكتفي باستخدام كل ما يملك من أسلحة إبادة وتدمير، وارتكاب المجازر ضد المدنيين في المناطق التي خرجت عن سيطرته، وخضعت لسلطة قوى المعارضة المسلحة، في سبيل إعادتها لسيطرته، أنقاضاً خالية من سكانها، بعد التهجير القسري الذي فرض على الأهالي هرباً من القصف العشوائي المدمر، وخوفاً من اتهامات توجه إلى من بقي من السكان على أنهم حاضنة شعبية للمعارضة المسلحة، يتنافى ذلك مع حق أساسي للإنسان من عدم التهجير القسري وحق الإنسان أيضاً في الدفاع عن أملاكه وعن بيته وحمايته من السرقة والاعتداء، كما أن حماية أرواح المدنيين وأملاكهم، هو واجب المتحاربين وفق ما يقضي به القانون الدولي الإنساني، الذي أكد في أحد بنوده على واجب حماية المدنيين، حتى لو ثبت أنهم يقدمون الدعم من مأوى وملبس ومأكل للمتحاربين أثناء الحروب الداخلية، هذا لا يؤثر على صفتهم المدنية والتعرض لهم يقع تحت نطاق جرائم الحرب التي يحاسب من يرتكبها وفق القانون الدولي الإنساني.

ولا يبرر للنظام أفعاله في التمسك بذريعة أن أطرافاً متشددة من المعارضة تقدم أيضاً على جرائم الحرب، فهذه حقوق المدنيين في الحماية أثناء النزاعات المسلحة. لا يمكن المقايضة في مثل هذه الجرائم بل يجب محاسبة من يقترفها لأن من يدفع الثمن هو طرف آخر غير المتحاربين أنهم المدنيون العزل.

غير أن الوقائع تؤكد أن كل القوانين والأعراف الدولية في سياق الثورة السورية قد تعطلت، وتم إعمال منطق القوة وقوة المصالح حتى تحول الشعب إلى ضحية دفع ومازال يدفع ضريبة لم يشهد لها مثيلاً العصر الحديث تعرض المدنيون في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام لكل أنواع الضغط والحرمان والمخاطر ومشاق الخروج والمرور على الحواجز وقطع المسافات مشياً على الأقدام، لتأمين قوت يومهم، والتعرض أثناء ذلك للمساءلة والرقابة الدقيقة لكل شيء يدخل ويخرجكما أنهم تعرضوا للشتم والضرب والإهانات، والاعتقال حتى أطبق الحصار عليهم، وحكم عليهم بالموت جوعاًً لا شك أن الأطفال هم من يدفع الثمن الأول في جريمة حصار الجوع، لعدم قدرة أجسادهم على المقاومة، مع أن لاذنب لهمولم يختاروا مكان إقامتهم، ومن بعد الأطفال يأتي الشيوخ اللذين لم تحملهم أجسادهم على تحمل مشاق التشرد واللجوء والسفر فتمسكوا بأماكنهم،ثم النساء هؤلاء فئات يجب حمايتها في أثناء النزاعات المسلحة وهم اللذين يدفعون ضريبة حصار الجوع.

أما المقاتلون مع أنهم أبعد الفئات عن الموت جوعاً فإنهم يتعرضون لضغوطاً معنوية هائلة نتيجة المسؤولية الملقاة على عاتقهم في تأمين أسباب الحياة للمواطنين المقيمين تحت سلطتهم، والحصار المطبق يمنع عنهم الامدادات والسلاح إضافة إلى الطعام،مما يضطرهم إلى تقديم تنازلات ويضطرون للمساومة كما جرى في كل من: المعضمية وبرزة، وقد يصل الأمر بهم إلى الانسحاب كما حصل في السبينة.

بالعودة إلى مخيم اليرموك في محاولةالإجابةعلى سؤال كيف تم زج الفلسطينيين في أتون الصراع الدائر في سوريا؟ولماذا فشلت مبادرات الحل المطروحة لإخراجه من هذا المأرق؟ يتميز المخيم أنه الموطن الأول والأخير قبل العودة للفلسطينيين المقيمين في سوريا حيث وزعت أراضي ماسمي المؤسسة على اللاجئين منذ بداية عهدهم في هذا المكان، ومع مرور الزمنقام الأهالي بتحديث المخيم وإعادة بناءه طابقياً حتى يتسع للعائلات الجديدة الممتدة بين جيل وآخر في العائلة الواحدة ومع تزايد السكان الفلسطينيين الذين لهم حق التملك في سوريا خاصة في المناطق التي تحيط بالمخيم بشرائهم منازلاً في كل من الحجر الأسود ويلدا والسبينة والتضامن وببيلا وهي أراض زراعية تم البناء عليها ملكوها مع السوريين.

عندما اندلعت الأحداث في سوريا، غلب منطق الحياد على الشارع الفلسطيني خوفاً من تشرد آخر مجهول المصير،لكن بمعناه الإيجابيحيث برز من جهة نشاط أغاثي لجرحى أبناء المناطق المجاورة للمخيم، كما احتضن المخيم المهجرين من السوريين اللذين وجدوا فيه ملاذاَ آمناً. لم يرق ذلك للسلطة وأعوانها إضافة إلى أن مهمة التصدي والتضييق على عناصر الجيش الحر ضد المناطق الثائرة المجاورة، فتم تشكيل اللجان الشعبية من عناصر القيادة العامة في تنسيق كامل ومباشر مع النظام الأمني ودعم قواته المرابطة على تخوم المخيم التي تقوم بضرب المناطق المجاورة للمخيم، حتى أصبحت القيادة العامة هدفاً مباشراً للجيش الحر في الحجر الأسود ويلدا والتضامن التي انتهت بضربات موجعة للقيادة العامة ومراكزها حتى حصل الانشقاق في صفوف اللجان الشعبية إلى جانب الجيش الحر.

إذندفعت القيادة العامة إلى ضرب حياد الفلسطينيين تنفيذاً لخطة النظام في فتح صراع مع الفلسطينيين يعود ذلك لأسباب متعددة منها :على الصعيد الفلسطيني الضغط على أنصار حماس وفتح في الساحة الفلسطينية على خلفية رفضهم دعم النظام في الصراع الداخلي، في محاولة لفرض نفوذ القيادة العامة المتحالفة مع النظام.

كما أن هناك حقيقة لا تخفى على النظام والقيادة العامة وثقتهم الكاملة أن مشاعر أغلب الفلسطينيين المقيمين في سوريا متعاطفين وداعمين للثورة، لأن ما يعاني منه الشعب السوري يعاني منه الشعب الفلسطيني من القمع والقهر والفقر إضافة أن النظام السوري ساهم في تصفية الفلسطينيين وقواهم التي رفضت احتواء النظام لها. أما على الصعيد السوري وهو السبب الأهم في زج الفلسطينيين في الصراع الدائر في سوريا، حيث أن مخيم اليرموك يشكل مدخلاً لحل العقدة في مناطق جنوب دمشق مما يستحيل معها حصارهذه المناطق إذا لم يحاصر المخيم فهو يقع في القلب منها وشرايينه تمتد إلى هذه المناطق خاصة الحجر الأسود، حيث أن كل شارع منه يقابله شارعاً من المخيم ويلدا وببيلا لهما منافذ متعددة مع المخيم أيضاً التضامن يتشابك كخيوط العنكبوت مع المخيم لذلك فرضت المعركة على المخيم فرضاً وسبقها العديد من صواريخ وقذائف وقنص العديد من الفلسطينيين حتى أنه في كل معركة للنظام مع هذه المناطق كان لمخيم اليرموك فيها نصيب من قصف عشوائي يزهق أرواح الشعب الفلسطيني.

هكذا تم جر المخيم في أتون الصراع الدائر في سوريا على الرغم من الوضع الخاص للفلسطينيين وقد هجره أكثر أهله هرباً من الموت غير أن عشرات الآلاف من سكانه تمسكوا ببيوتهم . حصار الجوع حتى الموت هو فعل مقصود للتسبب بالموت لا يميز بين طفلاً أو امرأة بين أعزل وبين محارب بل الأضعف هو من يموت كما أنهم لا يسمحون لمن يريد أن يغادر من المدنيين أن يغادر بل يريدون من المدنيين في هذه الحالة أن يشكلوا عاملاَ للضغط على المقاتلين حتى يتنازلوا ولإبراز ضعف القوى المعارضة على إدارة المناطق الخاضعة لسلطتهم حتى يحقق النظام على حساب كل الأعراف والقوانين الناظمة للحرب مصالحه ويسجل انتصاراته على جثث المساكين.

لقد فشلت مبادرات الحل بما يخص مخيم اليرموك لأن المخيم المفتوح على المناطق المحاصرة ما أن يتم حل وضعه حتى يمكن فك الحصار عن بقية مناطق جنوب دمشق يلدا والحجر الأسود وببيلا والتضامن هذه الأسباب كانت وراء التصعيد ونسف حياد المخيم، وهي الأسباب نفسها التي تقف وراء فشل المبادرات المتعاقبة.

خاصة بعد أن أصبحت أكثر من منطقة من جنوب دمشق في قبضة النظام بعد استعادة السبينة والسيدة زينب والحجيرة يضيَق النظام على ما تبقى من المناطق الجنوبية وفق سياسة ترمي إلى دفع المقاتلين إلى الاستسلام في المناطق الجنوبية القريبة من المخيم حتى توافق على حل مشكلة المخيم، ومنطقة السبينة خير دليل على ذلك حيث انسحب الجيش الحر ودخلتها قوات النظام، ومنعت الأهالي من العودة إلى بيوتهم لأن عودة الحياة إلى هذه المنطقة سوف يساعد المناطق الجنوبية على فك الحصار لذلك الحصار جزء من معركة النظام للانتصار على معارضيه، والتجويع أسلوب مقصود لدفع المقاتلين للاستسلام إما بضغط الحاضنة الشعبية أو بانعدام المؤن والامدادات العسكرية للمقاتلين مما يدفعهم للتنازل .وحتى الاستسلام. والسؤال هنا يفرض نفسه أين هي روسيا من مجازر الجوع هذه وهي المتشدقة في كل مناسبة عند دفاعها عن النظام باسم القانون الدولي أليس الحرمان من الطعام والتسبب بالموت هي جريمة إبادة ضد البشرية لأن القصد منها إزهاق أرواح عدد كبير من السكان بسبب كونهم يقطنون المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، كما أنها جريمة حرب بحق المدنيين في مناطق النزاعات المسلحة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »