سحر حويجة
تعتبر الحروب من أكثر وسائل العنف فظاعة وشناعة، بحق الإنسانية، نتائجها كارثية على فئات المجتمع كافة، خاصة بعد كل التطور الذي طرأ على العتاد العسكري المدمر بالسرعة القصوى لكل أشكال الحياة،
الهدف الأول للحرب وأدواتها، قتل اكبر عدد ممكن من البشر، القسم الأعظم من الضحايا أبرياء. ناهيك عن حصاد الأرواح، تزرع هذه الحروب الرعب والخوف، وتضطرم نيران الحقد وتغذي كل أنواع العنف القائمة في الحياة. تعتبر الحروب أحد أشكال العنف السياسي، التي يتولد عنها مباشرة، أشكال متعددة ومختلفة من أشكال العنف الأخرى، منها العنف الاقتصادي، بسبب تدمير البنى التحتية وزيادة عدد العاطلين عن العمل، وشل الحياة الاقتصادية، أيضاً العزوف عن الاستثمار في زمن الحرب، لذلك يتزايد الفقر بشكل مضطرد مع استمرار الحرب، ويعتبر الفقر من أهم أسباب العنف في المجتمع وفي العائلة، نتيجة التوتر الدائم والغضب والخوف على النفس وعلى المقربين الآخرين.
هذه النتائج تمس جميع فئات المجتمع، وإن كان الموت لا يوزع بالتساوي فالنسبة الأكبر من ضحايا الحروب تطال جنس الرجال باعتبارهم الطرف الأساسي في القتال، و هم هدف القنص والخطف في الحروب الطائفية، لأسباب دينية وأخلاقية، أكثر من النساء، وإن كنت التفجيرات الإرهابية لا تفرق من حيث الجنس، لكن في حساب محصلة أي حرب، بالأخص الطويلة منها، نجد تأثيرها الكبير على التوزيع الديمغرافي من حيث الجنس، يترك ذلك تأثيراً ملحوظاً على التوازن الاجتماعي في المجتمع نظراً لزيادة نسبة النساء على الرجال، تخلف الحرب نسبة كبيرة من النساء الأرامل والنساء العازبات اللواتي لن يجدن زوجاً في المستقبل، مما ينعكس لاحقاً على نسبة الولادات وزيادة السكان. ناهيك عن تربية الأولاد بدون أب، وتحمل المرأة عبء تربية الأولاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، والانعكاسات النفسية على المرأة والأولاد نتيجة ذلك. العنف الجسدي وإزهاق الأرواح ينال من الجميع، لكن العنف المعنوي والإيذاء النفسي ينال من المرأة بشكل خاص، لفقدها الزوج أو الابن، أو الأب، ليس بسبب الرابط العاطفي، بل لأنهم على الأغلب، معيلون للمرأة في حياتها، مما يعرض الكثير من الأسر للفاقة والفقر خاصة من ينتمي إلى عائلة أحد الرجال المحاربين في صفوف ما يسمى إرهابيون، حيث الدولة لا تعوض عليهم، ولا تقدم لهم الحماية، بل على العكس، يعرضهم ذلك لعنف من نوع آخر الإهانة والإذلال، والاعتقال والاغتصاب.
في الحرب حيث التوتر يسيطر في البيت بسبب الذعر وعدم ممارسة الحياة بشكل اعتيادي، عدم الذهاب للعمل أو التسوق أو الزيارات، وبسبب الفاقة والحرمان تكون المرأة معرضة لشتى أنواع من العنف المعنوي والضرب والإيذاء من الرجل في داخل الأسرة، بهدف التفريغ عن الغضب، أو من أجل منع المرأة من الخروج من البيت بسبب الخوف الدائم عليها. هناك قضية على درجة من الخطورة وتعتبر من اشد أنواع العنف ضد المرأة وتحصل بنسبة أكبر أثناء الحروب وهي ظاهرة الخطف، والاغتصاب، التي يشترط تحقيقها التهديد بالعنف، تدفع المرأة الثمن بسبب الفوضى وانعدام الأمان، وانتشار المظاهر المسلحة التي تستخدم لتخويف وإخضاع الناس وتقع ضحيتها المرأة، ناهيك عن التنكر بزي رسمي والدخول إلى البيوت بذريعة التفتيش والقيام بهذه الجرائم. بما يساهم في زيادة هذه الجرائم، ابتعاد المحاربين عن نسائهم مما يدفعهم للقيام بهذه الجرائم. إذن العنف بجميع أشكاله الجسدية والمعنوية، تزداد خلال فترة الحروب وتدفع المرأة نتائجها الكارثية، لذلك مناهضة الحروب والعنف الناتج عنها هي مصلحة حقيقية للمرأة في أي مجتمع، بهدف حماية الذات والعائلة وبالتالي المجتمع، لكن إقصاء المرأة عن القرار سواء في البيت أو في مؤسسات الدولة يشل دورها. الحرب لن تدوم سوف تنتهي وإن طالت، وسوف تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي إلى البناء والنماء، الذي يقع على عاتق أفراد المجتمع، كما قدمنا سوف تكون نسبة النساء أكبر من نسبة الرجال بعد الحرب وبالتالي يقع على عاتق المرأة عبء كبير في تحمل المسؤوليات الجسام للنهوض بالمجتمع من جديد، فالمرأة سوف يتم دفعها دفعاً شاءت أم أبت إلى سوق العمل فقد تكون المعيل الوحيد لأفراد أسرتها القاصرين أو العجزة.
سوف تحطم القيود الاجتماعية والتقاليد التي تمنعها من ممارسة العمل في سبيل تأمين لقمة العيش لها ولعائلتها بعد أن فقدت العائلة من يعيلها. ممارسة الحياة العامة والخروج من البيت بعد الحروب، كانت من الأسباب التي دفعت، إلى مطالبة المرأة بحقوقها، وحريتها، حصل هذا بعد الحرب العالمية الأولى والثانية في أوروبا. هذا الوضع الجديد الذي يتم وضع النساء به يحتاج إلى مقدمات، و خدمات كبيرة تيسر عمل المرأة، تقوم على رفض استغلال المرأة وإنهاء كل القوانين التمييزية في الحياة والعمل، وتأمين ضمانات دور حضانة وإجازات وفق أحدث التشريعات، التي أنتجتها البشرية، تشريعات تليق بإنسانية الإنسان. يجب كفالة الحريات الشخصية عبر الدستور والقوانين، حتى تقوم المرأة بدورها الاجتماعي، و إزالة كل العوائق القانونية التي تميز بين المرأة والرجل في القوانين، حتى يمكنها من القيام بواجباتها على أفضل وجه ويفتح السبيل أمامها بما يخدم المجتمع ككل.
على الصعيد السياسي: في حالة المجتمع الديمقراطي، الذي يفسح المجال لأكبر مشاركة من فئات الشعب، لذلك فإن نجاح التجربة الديمقراطية تقوم على فاعلية هذه المشاركة وجديتها، وبما إن من نتائج الحروب، زيادة نسبة النساء إلى الرجال، فإن نجاح التجربة الديمقراطية، مرهون بوعي المرأة لدورها وانخراطها الجدي المسؤول والمؤثر في الفعل السياسي، بوصفها قائدة ومشرعة عليها القيام بهذا الدور لتعكس المصالح الحقيقية للشعب بعد الحرب، فلا يمكن تصور قيام مجتمع ديمقراطي بدون دور مميز للمرأة وإلا تم قيادة المجتمع في طريق الانغلاق والطائفية وفق مصالح أقلوية بدلاً من مصالح الأكثرية، وهذا ما يخشى منه في حال انقسام المجتمع وفق المصالح الطائفية وبناء ديمقراطية على أساس التوافق بين الطوائف، حيث إن الفكر الطائفي لا يعترف بزعامة المرأة وقيادتها، أحد وسائل إقصاء المرأة، و وسيلة من وسائل النكوص عن الديمقراطية. إن دفع المرأة باتجاه أن تلعب دوراً على مستوى المهام الكبيرة الملقاة على عاتقها، يجب على المرأة أن تعي ذاتها، عبر وسائل التوعية المختلفة الإعلامية، وعن طريق الأحزاب السياسية، تبرز في هذه المرحلة الجديدة أهمية الجمعيات النسائية، لتحقيق مطالب حقوقية خاصة، مثل التعويض على ضحايا الاعتداء والاختطاف، التعويض وحماية النساء اللواتي حرمن من أزواجهن، أو معيلهن من أي فئة كانت حتى لو كانوا إرهابيين، إلغاء كل القوانين التمييزية، تأهيل النساء على المستوى النفسي للانخراط بالحياة العامة، ناهيك عن دعوة النساء للمشاركة في السياسة على أوسع نطاق، وتشجيعهن، للوصول إلى القرار السياسي