سلمى مصطفى
أدلى رأس النظام بشار الأسد كلمة مرتجلة خلال لقائه بسيدات وداعيات ومعلمات حفظ القرآن بُعيدَ الإحتفال بعيد المولد النبوي الذي أقيم في رحاب المسجد الأموي بدمشق.
تعرض الأسد لموضوعات تغفل الهموم الأساسية في سورية الجاثمة فوق صدور السوريين، وتتجاهل معالجة سبل الخروج من المأزق الوطني والسياسي في سورية، وبدت طروحاته وكأن البلد تجاوز كل مشكلاته، وقد توارت في طلاسم مصطلحاته وعباراته الضبابية، مشكلات تفرضها تحديات وجود احتلالات جيوش متنازعة فيما بينها وجاثمة على امتداد جغرافية البلاد على أنها مورد للنهب متاح، وإنهاك إقتصادي مزمن جراء الحرب المستمرة والسياسات الحكومية التي تفتقد لأي رؤية إصلاحية وطنية تلبي متطلبات العيش الكريم.
وقفة مرتبكة في قلب كارثة إنسانية
قابل الأسد السيدات مستغلا المناسبة الدينية على أصداء فاجعة القارب الذي انطلق من السواحل اللبنانية، وغرق قبالة ميناء طرطوس وعلى متنه عشرات الهاربين والهاربات السوريات، كبارا وصغارا من شظف العيش والجحيم الذي يعد الأسد أحد أهم “مهندسيه”، دون ذكر لتلك الفاجعة ولو من قبيل الترحم على الضحايا، والإعتراف بقسوة الواقع الذي ترزح فيه سورية، واستشراف خارطة طريق ولو بالخطوط العريضة لوقف العوامل المنتجة لظاهرة ركوب الموج من فقر وبطالة وفقد أي أمان للعيش.
تنظير شحيح ومعالجات ملتبسة
عندما يتم تجاهل هذه التحديات، والإصرار على الحلول بأفق المعالجات الأمنية، والإقصاء لكل من يبدي موقفا أو رأيا مخالفاً عن خطورة الوضع الاقتصادي، وفي غياب أي منظور إصلاحي بالحد الأدنى يضع حدا للكارثة الوطنية، ينزاح واجب التصدي لهذه المشكلات، نحو تضليل متعمد عبر إثارة قضايا لا يمكن للعاقل أن يقلل من أهميتها في الأوقات الإعتيادية، أو تغدو مناقشتها ضرورية جنبا إلى جنب مع حل المشكلات الملحة، عوضا عن التنظير الشحيح الذي تتسم به أغلب مقابلات رأس النظام الإعلامية وإطلالاته الشعبوية.
ما دلالة الإطلالة الإعلامية أمام جمهرة النساء الدمشقيات؟
بمواجهة التهرب من استحقاق مواجهة الواقع الصعب – كما أشرنا- لجأ رأس النظام إلى التنظير في معرض نقده لمقولة “النساء نصف المجتمع” حيث يرى أن (المجتمع لا يقاس بالأعداد والنسب لأن أساس المجتمع يبنى على الرجل والمرأة والأبناء، وإنما يقاس بالإندماج والتجانس، إذ عندما ننظر إلى المجتمع ننظر إليه ككتلة واحدة، كتلة متجانسة تقدم منتجا واحدا)
لم يوضح الأسد مغزى مفهومه الخاص عن التجانس والإندماج وعلاقته بمقولة النساء نصف المجتمع وموقع المرأة السورية فيه وما هو هذا المنتج الواحد؟
غالبا ما يتوافق مفهوم التجانس مع وحدات إجتماعية أصغر”مؤسسة أبحاث ودراسات، فريق عاملين في مؤسسة، فريق رياضي” لكن استخدامه على نطاق المجتمع يخفي إصرارا أحاديا واستبداديا في طمس آليات الإختلاف والتناقض الاجتماعي، وتسويتها ببلدوزر الإنصياع لهيمنة الإستبداد. ويقوم حكما على آليات التطهير والإصطفاء التدريجي لتحقيق التجانس الموهوم. لم يدلنا “باني سورية الحديثة” كيف يقاد المجتمع نحو التجانس المزعوم، بعيداً عن آليات العنف التدميري التي اعتمدها في حسم صراعه مع المجتمع السوري وكأن لسان حاله يعلن أمام السيدات جدارة التطهير الاجتماعي/ السكاني التي انتهحها سبيلا في مواجهة زخم الإحتجاجات، نحو التجانس المطلوب وأن ما جرى لا يستحق الإشارة إليه إلا بصفته ” إنجازا” يستحق التقدير.
“نصف المجتمع” والحرب
على أن معاناة “نصف المجتمع” السوري المقهور من قسوة الحرب وآثارها، وشظف العيش لاتبدو منظورة للأسد، و قد بلغت ذروتها في مؤشرات القمع الذي طال آلاف الناشطات والمؤيدات لثورة السوريين، وملايين السوريات اللاتي يرزحن تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة.
الوجه الآخر للصورة
لا يغيب عن المراقب الوجوه المتعبة للنسوة الواقفات وهن يسمعن، ويطأطأن الرأس لخطاب الأسد وهو يشيد بصمودهن ويلقي عليهن مواعظه في المجتمع المتجانس والاندماج، وداخل رأس كل سيدة وصبية تمور آلاف الأسئلة وهموم العيش مع نفاذ قدرات التكيف في واقع يزداد تأزما واستعصاءً.
تحدث الأسد وقد بدا منفصلا تماما عن معاناة جمهوره في مناطق سيطرته، والمشكلات المباشرة التي ينوء بها، وسبل الخروج من عنق الزجاجة. إن أي حديث لا يلامس عذابات السوريات والسوريين اليوم في الداخل السوري يعد انفصلا مرضيا لا شفاء منه، ويستوجب المساءلة فضلاً عن الإدانة.
في مغزى إنكار الإصلاح الديني في حضرة النساء المعذبات
أقفل رأس النظام الباب أمام أي إصلاح سياسي واقتصادي، بالضرورة إذن أن يكون الإصلاح الديني موضوع تنصل وإنكار.
يلغي الأسد أي إصلاح ديني، لأن الإصلاح – من وجهة نظره- تغيير في ثوابت الدين التأسيسية، إذ “لا يمكن للبشر أن يحلوا محل الله ولا الله يحل محل البشر”.
لم يسبق لأحد أن قدِّم أطروحة بهذه الخفة عن الإصلاح الديني بمنطق الحلول المزعوم، إنه يعكس من جهة أخرى جهله التام بتجارب الإصلاح الديني حول العالم بدءا من الجزيرة العربية مرورا بمصر وصولا إلى دول أوربة خلال القرون المنصرمة.
خاتمة: في سياق لقاء ممسرح ومدروس بإستعادة ثقة الجمهور، معززا بوهم استعادة مراحل ماقبل الانفجار السوري الكبير في 2011 يمضي مسؤولو النظام في غيبوبة وعيهم بعلاقتهم مع فئات المجتمع السوري، في إلقاء الخطب والأوهام على جمهور جائع ويتهدده الجوع وفقدان الأمان الإقتصادي.
مئات آلاف القتلى، عشرات آلاف السجناء والمفقودين، الاستعباد الجنسي في السجون المترامية بحق النساء، مئات آلاف المعطوبين جسديا ونفسيا، ملايين المهجرين قسرا من بيوتهم سواء باللجوء إلى خارج البلد أو النزوح داخل البلد، التقديرات الكارثية عن خسائر فلكية تقدر ب600 مليار دولار، وما ستخلفه من تداعيات على الأجيال القادمة، سلطات الأمر الواقع. هذه هي الوقائع التي يجب الوقوف عليها في أي معالجة جادة، ودون ذلك إستثمار إعلامي رخيص وذر للرماد في العيون.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”