الحلقة التاسعة : الإصلاح و النسوية في اليابان (2)
إعداد : أسامة العاشور
النساء اليابانيات والمشاركة السياسية
كانت كشيدا توشيكو (1863-1901) وصيفة لزوجة الإمبراطور ميجي وذات شخصية قوية ومعارف ومهارات دبلوماسية وتحولت الى ناشطة سياسية وانضمت إلى حركة الحقوق الشعبية التي تبنت استنادا إلى نظرية الحقوق المدنية مطلب تمثيل النساء و”تقاسم السلطة السياسية بين جميع السكان ،ولا ضرائب دون تمثيل سياسي ، ودستور يضمن مؤسسات تمثيلية ” وطالبت بفرص متساوية في التعليم والمهارات بين النساء والرجال حيث كانت ترى أن “الحكومة تتسلط على الشعب والرجال يتسلطون على النساء “
ثم انضمت إلى الحزب الليبرالي فور تأسيسه الذي طالب بحصول النساء على الاستقلال الاقتصادي وقوانين جنسية متساوية ومساواة في الحقوق المدنية و حقوق الملكية وتحطيم العادات القديمة الفاسدة فيما يتعلق بالنساء وان أية دونية حاضرة هي مجرد نتاج لنظام منع النساء من الاستفادة من التعليم و بعد حله من قبل السلطات عام 1884 تراجع المد التحرري بعد حل الحزب الليبرالي توقفت كشيدا عن النشاط السياسي المباشر وتحولت إلى الصحافة للدفاع عن حقوق المرأة
وفي عام 1886 شكلت مجموعة من ناشطات مثقفات من خلفية تعليمية مسيحية (الجمعية النسائية للإصلاح) لمحاربة نظام المحظيات والبغاء
و أقر في عام 1889 دستور مؤسس على نزعة تسلطية وإيديولوجيا محافظة وعقيدة قومية متطرفة ونظام بطريركي ومؤسسات هرمية وإمبراطور مقدس و مجلس نواب منتخب ومجلس وزراء بصلاحيات محدودة
صدر عام 1890 قانون حفظ السلم لضبط النشاطات الهدامة اعتبر بموجبه النساء غير مؤهلات للمشاركة في السياسة وحظر النساء من العمل السياسي ، كرد فعل على تنامي الإضرابات العمالية وغالبتهن من النساء وجسد ذلك (انتصار المحافظين على الليبراليين ) وتبعه في عام 1901 تشكيل الجمعية الوطنية للنساء في اليابان كأداة بيد الدولة لإبقاء النساء في دورهن التقليدي وتحجيم العمل النسوي
وفي عام 1905 تحولت معظم الناشطات النسويات إلى الحركة الاشتراكية وطالبن بإلغاء تقييدات 1890 وأعلنّ إن “كل شيء يتعلق بالنساء قسري وجائر وعلينا نحن النساء أن ننهض ” وفي عام 1907 أسست الناشطة الاشتراكية فوكودا هيديكو [1] مجلة ” نساء العالم ” التي أغلقتها السلطات اليابانية في عام 1909
النساء الثوريات
رأين أن الإصلاح ليس حلا و طريقا غير مجد لأنه يكرس النظام القديم القائم على اللامساواة وطرحت (كانو سوغا 1881-1910) “لم يكن الإحسان حلا لمرض السل بين الفقراء او الأطفال المهجورين الذين أسيئت معاملتهم ، لا يمكن إلا لتغيير اجتماعي جذري أن يحدث فرقا ” “نحن النساء يجب أن نناضل لا ضد الأزواج فقط ، بل ضد عالم الرجال الأناني برمته ” اعتقلت كانو عام 1910 على اثر اتهامها بمحاولة فاشلة لاغتيال الإمبراطور وأعدمت مع رفيقتها الفوضوية كوتو شوموي
المجموعات الأدبية والنسوية
في عام 1900 انضمت الشاعرة النسوية يوسانو اكيكو (1878- 1942) الى مجموعة شينشيشا ، (جمعية الشعر الجديد) أحدث أسلوبها الجديد ضجة كبيرة[2] في الأوساط الأدبية اليابانية. في عام 1921 أسست مدرسة بونكا جاكوين للبنات وتحولت للتدريس والنقد الأدبي حتى وفاتها
و تشكلت عام 1911 مجموعة سيتوشا الأدبية (الجوارب الزرقاء ) وأصدرت صحيفة سيتو “لنشر ما يهم النساء في الفلسفة والأدب والثقافة” وتحولت الصحيفة في فترة رئيسة التحرير ايتو نوي إلى “قتال كل تقاليد المجتمع الإقطاعي ” و نشر بها مقالات عن الثقافة المعاصرة والزواج وحقوق المرأة وحق التصويت. أدى منع الحكومة المجلة من التوزيع ومصادرة أعدادها أكثر من مرة الى التسبب بأزمة مالية كبيرة لها انتهت بأغلاقها عام 1916 ، و شُنت حركة سيتوشا عام 1917 أول حملة لنيل المرأة حق التصويت. اعتقلت ايتو نوي وزوجها اوسوجي ساكوي عام 1923 وقتلا معا من قبل الشرطي الذي أوقفهما بذريعة انهما “أعداء للدولة “
الحراك النسوي بعد الحرب العالمية الأولى
سيطرت في هذه الفترة مفاهيم القومية والديموقراطية وزاد التواصل مع الناشطات الأمريكيات والأوربيات
تشكلت جمعية النساء الجديدات عام 1919 التي طالبت بإلغاء قانون 1890 والحقوق المتساوية وحق الاقتراع للنساء ونقابات للنساء العاملات ولكن السلطات حلت الجمعية عام 1921
وفي عام 1928 تشكلت جمعية تحالف النساء في الاقتراع ونظمت حملة لنيل النساء حقهن بالاقتراع بقيادة ايشيكاوا ورفض القانون في المجلس التشريعي الأعلى عام 1931
النزعة العسكرية والحركة النسائية
ترافق صعود الشمولية والسياسات التوسعية العسكرية وإمساك الجيش بالحياة السياسية ومنع نشاط المؤسسات الديموقراطية مع تأسس الحزب الشيوعي الياباني عام 1922 وقاد الكساد الكبير عام 1929 الحكومة إلى اطلاق سياسات توسعية إمبريالية في آسيا (احتلال منشوريا 1931 وشمال الصين 1937 وخلال الحرب العالمية الثانية تم احتلال فيتنام وإندونيسيا وسنغافورة وماليزيا ) في “المؤتمر الثالث لحق النساء في الاقتراع عام 1932” عارضت الحركة النسائية صعود الفاشية
ولكن الحكام اليابانيون “تلاعبوا بالنساء من أجل تعزيز أهدافهم السياسية والعسكرية ” مثل النظامين الفاشيين في المانيا وإيطاليا وفي عام 1937 تم تغيير اسم المنظمة إلى المؤتمر النسائي المؤقت وأعلنت شعارات وطنية ذات روح عسكرية مؤيدة لجنود الإمبراطور وحماية الجبهة الداخلية وتشكلت الجمعية النسائية اليابانية الكبرى المستعدة للتعاون مع الحكومة وحثت النساء على العمل في المصانع وصدر في نفس العام قانون حماية الأمومة “أطفال النساء ليسوا ملكا لهن بل هم ملك الإمبراطور”
بعد هزيمة اليابان عام 1945 والاحتلال الأمريكي رفعت الموانع السياسية عن النساء وحُزن على حق التصويت وانتخبن 39 مندوبة عنهن عام 1946 في البرلمان الياباني
الخلاصة
أبقت الحركة الاصلاحية اليابانية ” النسوية تحت السيطرة من خلال عملية القتل القضائي حالة (كانو ونوي وكوتو) والقوانين التي تمنع النساء من المشاركة السياسية (قانون 1890) وقانون ميجي البطريركي للعائلة، والرقابة على الصحف النسائية وتقييد تأثير النساء الأجنبيات وإسكات الأصوات المعارضة التي تطالب بتحرير المرأة في الداخل مما جعل اليابان أكثر البلدان تخلفا فيما يتعلق بحقوق المرأة ”
يتبع
[1] فوكودا هيديكو (1865-1927) تلقت تعليمها في سن مبكرة وستسعى لتحقيق أهداف اشتراكية ونسوية في معظم حياتها البالغة. وطالبت بالإصلاحات الاجتماعية والجندرية في اليابان ،. أسست مجلة (نساء العالم) ، والتي تهدف إلى تمكين المرأة في اليابان وإشراكها في الشؤون الدولية.
[2] لها قصيدة شهيرة صورت فيها النساء كبركان مزلزل “كل النساء النائمات يستيقظن الآن ويتحركن “