الحلقة السادسة: المرأة والتعليم والأدب
اعداد : اسامة العاشور
على غرار ما جرى في أوروبا فإنه مع نمو البرجوازيات المحلية وصعود القومية في الدول غير الأوروبية ، امسى تعليم المرأة وتحريرها قضية أساسية لنساء البرجوازية وللإصلاحيين الذكور ، بمن فيهم المثقفين والزعماء الوطنيين ، وكانت الحداثة تعني بالنسبة لهم:” نساء متعلمات” و حصلت نساء كثيرات من عائلات ملكية ومن الطبقة الأرستقراطية وطبقة التجار على فرص تعليمية جيدة و أثبتن أنفسهن في وقت مبكر في المجال الفكري
كما مهد التعليم الجماهيري لانتشار الكتب والروايات والصحف والمقالات في بلدان آسيوية عديدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، التي أفردت جانبا منها لتغطية نشاط الحركة النسائية وكان كتابها رجال ونساء على حد سواء ، كانت هناك خمس عشرة مجلة عربية للنساء في مصر نحو العام . 1914 ، أدى هذا التوسع في الكتابة والنشر لظهور “الأدب النسوي” ، الذي انتشر في العديد من الصحف والمجلات ، كصحيفة الفتاة في مصر ( 1892 ) ، وصحيفة السيدات الأسبوعية التركية ( 1895 ) ، ومجلة المرأة الصينية ( 1902 ) ، صحيفة المعرفة النسائية الإيرانية ( نحو 1906 ) ، ويوجا تشينام ( دليل المرأة في كوريا 1909 ) ، وسييتو( المثقفة 1911 ) في اليابان ، ونو جيوي تشنغ ( ناقوس المرأة 1918 ) في فيتنام
ناقش كثير من تلك المطبوعات مواضيع النساء التقليدية، و لم تستطع تفادي الخوض في الجدل الدائر بشأن تبعية المرأة و دورها في المجتمع. وفي حالات عديدة ، نقلت أخبار التطورات في مجال تحرير المرأة في البلدان الأخرى ، حيث، نقلت الصحف أخبار التجديدات والإصلاحات التشريعية في تركبا ؛ والنضالات النسوية في أوروبا ومطالبات النساء بحق الاقتراع.
ساعدت الكتابات والمجلات النسائية على إيقاظ وعي المرأة ، و في بلدان عديدة كان الكتاب الذكور هم أول من عبر عن الانشغال بدور المرأة في المجتمع التقليدي ، وحققت كتبهم عن هذا الموضوع شعبية ، وفي بعض الأحيان سمعة سيئة ، في الصين ، في القرن التاسع عشر ، كتب “تشن هونغ مو” عن الحاجة إلى تعليم المرأة ، وفي عام 1825 ، کتب “لي روزين” أول رواية نسوية صينية بعنوان “أزهار في المرآة” ، قلب فيها الأدوار بين الجنسين في مجتمع تحكمه النساء و تُقدّ فيه أقدام الرجال . ، وكان أول كتاب مناصر للنساء في مصر ” الساق على الساق” [1]، لأحمد فارس الشدياق ( 1855 ) وتعتبر کتب قاسم أمين عن تحرير المرأة والمرأة الجديدة في تسعينيات القرن التاسع عشر، بوجهة نظرها الليبرالية ، أعمالا مؤثرة في العالم العربي ، و تستثير حتى الآن عدائية كبيرة في الأوساط الدينية والمحافظة ، و ظهرت قضية المرأة في الهند في روايات رابندرانات طاغور ، كما صورت رواية شارات تشاندرا ” بیراج باهو” ، معاناة أرامل طفلات ، و صورت رواية “اندولیخا” لتشاندو مينون الحاجة إلى تعليم النساء وفي تركيا ، كتب خليل حمید وجلال نوري وأحمد آغا أوغلو ، في بدايات القرن العشرين عن حقوق المرأة .
كما أنتجت الإصلاحات التعليمية في القرن التاسع عشر جيل جديد من الكاتبات والشاعرات في العالم الثالث وقد صورت كتاباتهن الحركة النسوية في تلك الفترة ، ومن بینهن : ملك حفني ناصيف ومي زيادة في مصر وجيو جين في الصين ، والكاتبات الفيليبينيات في نهاية القرن التاسع عشر ليونا فلورنتينا وسوارنا كوماري ديفي والكاتبة التركية فاطمة علياء التي ظهرت روايتها أنوثة في عام 1892 ، والروائية خالدة أدیب ، وكتابات الموجة النسوية الجديدة في أوائل القرن العشرين كالكاتبة يوسانو اكيكو في اليابان ، والكاتبات الكوريات کیم وون جو ، ونا هايي سوك التي تمحورت رواياتهن حول تحرير المرأة من الهيمنة الذكورية
كانت دوافع الإصلاحيين في تبني الحداثة و التعليم للنساء متنوعه وفي المحصلة . قدّم التعليم زخما للنضال من أجل الحقوق الديمقراطية. الذي خاضته البرجوازية الأوروبية ضد الامتيازات الأرستقراطية ، إذ أخرج التعليم النساء البرجوازيات من منازلهن ، وأدخلهن في مهن مختلفة وشاركن في العمل الاجتماعي و وفي الحقل السياسي وتحولت صورة المرأة الجديدة إلى نسخة محلية من صورة المرأة المتحررة في المجتمع الغربي.
من ناحية أخرى عندما تولى الإصلاحيون الذكور السلطة ، أصبح التعليم ذا تأثير محافظ ، إذ بدأ بإعادة الأفكار التقليدية ، ليشدد على دور النساء بوصفهن أمهات وزوجات صالحات بغية الحفاظ على نظام الأسرة النووية البطريركية لذلك تضمن التعليم مواد أساسية ومؤهلات اعتبرت ضرورية للفتاة لتؤمن زواجا جيدا . وبدا أن هذا النوع من التعليم كان عاجزا عموما عن استنهاض وعي المرأة إلى ما هو أبعد من مظهر المساواة القانونية والسياسية مع الرجل على المستوى القضائي التي تحققت بفضل نضال الحركات النسائية في عديد من البلدان الآسيوية ، ولم يتطور الوعي النسوي ، إلا في استثناءات نادرة ، إلى حد التشكيك في البنى البطريركية التقليدية و إحداث تأثير حقيقي في تبعية المرأة داخل البنى الأبوية للأسرة والمجتمع .
[1] أحمد فارس الشدياق ،كتاب الساق على الساق فيما هو الفارياق ، الناشر يوسف توما البستاني ، صاحب مكتبة العرب