Search
Close this search box.

النفايات مصدر رزق بعض النساء في إدلب

النفايات مصدر رزق بعض النساء في إدلب

هاديا منصور

في ساعات الصباح الأولى وبعيداً عن الأنظار تخرج الثلاثينية صبحية العليوي باحثة بين الحاويات المنتشرة في شوارع مدينة إدلب عما يمكن الاستفادة منه وبيعه أو الاستعانة به كتدفئة بعد أن ضاقت بها السبل واضطرت نتيجة فقرها المدقع لهذا العمل لإعالة أطفالها.

تقول العليوي وقد عادت من عملية التتقيب من توها وثيابها متسخة وتحمل بيدها كيس يحتوي أشياء عدة: “الشكوى لغير الله مذلة، وإن لم أفعل شيئاً فسوف يموت أبنائي جوعاً ولن أجد أحداً يلتفت لحالنا”.

رداءة المهنة ومنظر النفايات المقزز والروائح الكريهة المنبعثة منها والأمراض الناتجة عنها لم تمنع عشرات النساء في إدلب والشمال السوري المحرر من العمل في مكبات النفايات لإيجاد ما يعود عليهن ببعض المال فيسدوا بها رمق أطفالهن الجائعين، بعد أن أغلقت الأبواب في وجه حصولهن على عمل أفضل.

نزحت العليوي من بلدة الخوين بريف إدلب الجنوبي واستقر بها الأمر داخل مدينة إدلب في منزل آيل للسقوط دون كسوة ولا أبواب أو نوافذ، فقدت زوجها منذ أكثر من خمس سنوات نتيجة حادث سير وغدت المعيلة الوحيدة لأبنائها الأربعة وسط أوضاع معيشية غاية في السوء.

وتوضح العليوي إنها بحثت كثيراً عن فرصة عمل لكنها لم توفق بإيجادها فهي ليست متعلمة ولا تجيد مهنة معينة، لكن ظروف نزوحها وفقدانها لزوجها دفعتها للبحث عن عمل بغية مساعدة نفسها وأبنائها في هذا الزمن الصعب على حد وصفها.

إن كانت العليوي تستتر بساعات الفجر للقيام بعملها هذا خجلاً من أن يراها الناس وتغدو محط عطف وشفقة ونظرات استهزاء جارحة، فإن الكثيرات من النساء في مخيمات النزوح شمال إدلب يخرجن على شكل جماعات قاصدات مكبات النفايات القريبة من المخيم، ليقضين به نصف يومهن بعملية البحث عن خرداوات ومعادن وبلاستيك وربما بقايا طعام وما يمكن أن يتم حرقه في المدفأة مساءً فيمنحهن وعوائلهن بعضاً من الدفيء الذي حرمن منه بعد غلاء أسعار المحروقات ووسائل التدفئة بشكل جنوني.

صباح الزيات (٣٩ عاماً) وتعرف بمخيم أطمة الحدودية حيث تقيم بإسم أم أحمد، تنطلق منذ ساعات الصباح وأولادها الخمسة وزوجها باتجاه مكب النفايات الذي يبعد عن المخيم بضع كيلو مترات، فينتظرون وصول الشاحنة المحملة بالنفايات على غرار الكثيرين، لتبدأ عملية التنقيب مع عائلتها فور وصولها وإفراغ حمولتها في مشهد مؤلم مستخدمين قفازات وعصي خشبية في عملية البحث تلك.

تقول الزيات: “إن لم نعمل فلن نأكل، الغلاء فاحش والظروف صعبة ولدينا أولاد بحاجة لطعام وكساء ودواء فكيف لنا أن نؤمن لهم مايلزم إن لم نعمل” مشيرة إلى أن التنقيب بالنفايات يعود عليهم بمبلغ ٣٠ ليرة تركية في اليوم كحد وسطي، فيسدون من خلال المبلغ بعض من احتياجاتهم الأساسية.

وتؤكد أن العمل شاق ومقرف غير أنهم مضطرين لذلك إذ: “يبقى عملاً شريفاً ويغنينا الحاجة والسؤال والتماس عطف الآخرين”.

وتجد العائلة في المكب أحياناً بعض الملابس فيستخدمونها  في إكساء أبنائها، وأحياناً بعض حبات من الفاكهة في حالة جيدة فيتم غسلها وتناولها وأشياء أخرى، لتعود العائلة بعد إنتهاء المهمة وتبيع ماتجمعه للتاجر الذي ينقله بدوره إلى معامل إعادة تدويرها.

تشكو الزيات إصابتها وإصابة أبنائها بأمراض جلدية وليشمانيا نتيجة تعرضهم للدغات البعوض المنتشر في تلك الأماكن ومع ذلك مستمرين: “رغم خطورة المهنة وما نتعرض له من وجود آلات حادة ومعادن ذات حواف قاطعة وأدوات طبية متعددة كمشارط وإبر فإننا ماضون في المهنة لعدم وجود البديل”.

وترزح الشريحة الأكبر من سكان سوريا تحت خط الفقر في ظل النزاع الدامي الذي تشهده البلاد منذ عام ٢٠١١ وتسبب خلال عشر سنوات بمقتل ٣٦٠ ألف شخص ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان، وتعتمد غالبية سكان إدلب التي تضم حوالي ٤,٥ مليون نسمة نصفهم نازحين على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وهي بالكاد تسد رمقهم.

المرشدة الاجتماعية روعة الصطوف تعلق على عمل النساء والصعوبات التي واجهتهن في ظل الحرب بالقول إن سوء الأوضاع الاقتصادية جعل العائلات السورية لا يكفيها معيل واحد فاضطرت النساء للعمل لتأمين مستلزمات الحياة وعملت بأعمال غير سهلة وغير ملائمة وتنوعت أعمالهن وبذلن المزيد من المجهود العضلي والجسدي الكبيرين واضطررن للانخراط في مجالات عمل جديدة لم يعملن بها من قبل متحديات كل الظروف.

وأشارت إلى أن التنقيب في النفايات كانت آخر ما يمكن توقعه بأن تعمل به النساء السوريات وهو إن دل على شيء فهو يدل على مدى الحالة المعيشية المتردية التي وصلت إليها حال الأسر النازحة في ظل الفقر والغلاء وغياب المعيل.

وهنا تشدد الصطوف على ضرورة إنقاذ هؤلاء النساء من الخوض في هذه المهنة التي لا تتنناسب مع أجسادهن الضعيفة وأنوثتهن ومكانتهن الإجتماعية ومساعدتهن على إيجاد فرصة عمل أفضل من خلال تدريبهن لإتاحة الفرصة أمامهن باكتساب خبرات ومهارات وفرص عمل.

منوهة إلى المسؤولية الكبيرة التي تقع على المؤسسات المدنية والحكومات المحلية ومنظمات المجتمع المدني بما يتعلق بهذا الموضوع الهام والذي غدا ظاهرة تتسع وتزداد في المحرر يوماً بعد يوم.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »