ترجمة وإعداد: هالة الحسن
العنف الجنسي أقل شيوعًا اليوم مما كان عليه في الأجيال السابقة. لكن من الصعب تفادي حدوثه حتى في الديمقراطيات الغنية والسلمية. والسبب يعود إلى صمت معظم الضحايا على الرغم من الضرر الذي يمكن أن يلحقه الاغتصاب بهم مدى الحياة والرغبة في حبس المفترس وردع الآخرين. هناك قلة من الضحايا الذين يتحدثون، خوفاً من الوصمة الاجتماعية. في بريطانيا وويلز خلال 12 شهرًا وحتى آذار/ مارس 2019، انتهت 1,5٪ فقط من حالات الاغتصاب المبلغ عنها بتهمة جنائية، مع احتمال ضئيل للغاية لتحقيق العدالة، حيث يعتقد كثير من الناس أن النساء غالباً ما يكذبن بشأن الاغتصاب. لكن ذلك غير صحيح، فالرقم الدقيق غير معروف، لكن التقديرات الأكثر مصداقية هي أن ما بين 2٪ و 8٪ من مزاعم الاغتصاب غير صحيحة.
في الدراسات الاستقصائية، يفترض العديد من ضباط الشرطة أن الرقم أعلى بكثير، مما يؤثر بالتأكيد على كيفية تعاملهم مع الشكاوى. عندما ذكرت مراهقة بريطانية أنها تعرضت للاغتصاب الجماعي في قبرص، قامت الشرطة المحلية باستجوابها لساعات، بينما كانت تعاني من صدمة، دون حضور محام. وتقول إنهم ضغطوا عليها للتراجع عن مزاعمها، التي تصر الآن على أنها صحيحة. وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أدينت بالكذب، وتواجه عقوبة بالسجن لمدة عام.
قد تقرر الآن النساء الأخريات اللاتي يفكرن في الإبلاغ عن الاغتصاب في قبرص عدم القيام بذلك، فالعديد من النساء يترددن في الخضوع لمحنة الإبلاغ عن الهجوم لدى الشرطة.
الاغتصاب جريمة يصعب إثباتها، خاصة عندما لا ينكر أي من الطرفين حدوث هذا الأمر. يجب إقناع هيئة المحلفين بما لا يدع مجالاً للشك بأن الضحية تقول الحقيقة والجاني يكذب، وهذا صعب بدون شهود آخرين أو أدلة مادية. طالما يُفترض أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته – وهي حجر الزاوية في أي نظام عدالة – فإن معدلات الإدانة بالاغتصاب لن تكون عالية كما هي بالقتل.
ومع ذلك، فإن معظم البلدان يمكنها ويجب عليها التعامل مع حالات الاغتصاب بشكل أفضل، والأمر يبدأ بالقانون. يجب تعريف الاغتصاب بوضوح على أنه ممارسة الجنس دون موافقة. لا تزال عدة دول أوروبية ودول أمريكية تحتاج إلى دليل على استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة. وهذا يوفر حماية ضئيلة للضحايا الذين فقدوا الوعي، أو الذين جمدوا. في معظم العالم غير الغربي، لا يزال الاغتصاب الزوجي قانونيًا؛ الأمر الذي يجب ألا يكون. يجب تمديد أو إلغاء قوانين التقادم، كما كان الحال في بريطانيا. يجب على القضاة أن يدعوا الشهود الداعمين ليشهدوا على وجود نمط من السلوك المفترس من قبل المتهم، كما سيحدث في محاكمة هارفي وينشتاين، منتج أفلام، والذي يبدأ في 6 كانون الثاني/ يناير.
لتشجيع المزيد من النساء على التقدم، ينبغي التعامل مع قضاياهن بحساسية أكبر. في بريطانيا، يتم سحب ما يقرب من نصف دعاوى النساء اللاتي يبلغن عن الاغتصاب أثناء التحقيقات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنهن يجدن العملية غير عادلة. يجب تدريب المحققين المتخصصين على أفضل الطرق للتعامل مع الضحايا المصابات بصدمات نفسية. في ألمانيا، على عكس بريطانيا، يتم التحقيق في جميع تقارير الاغتصاب. في السويد، يشرف المدعون على هذه التحقيقات. يمكن أن توفر الأدلة التي تم جمعها من الهواتف دليلاً جيداً، ولكن إذا كان جمع الأدلة يبدو وكأنه عملية بحث رقمية، مما يعرض حياة صاحب الشكوى بأكملها للتدقيق، فسوف يردع الكثيرين عن التهم الموجهة إليه.
ويجب تخصيص المزيد من المال للمساعدة على إيجاد المزيد من الأدلة على حدوث الاغتصاب. حتى وقت قريب، كان لدى بعض المدن الأمريكية تراكم الآلاف من “عمليات الاغتصاب” غير المختبرة (الحمض النووي وغيرها من الأدلة التي تم جمعها من جثة الضحية بعد اعتداء مزعوم مباشرة). دفعت مدينة نيويورك حوالي 12 مليون دولار لتصفية الحالات المتراكمة المؤلفة من 17000 حالة لم تخضع للاختبار، جُمعت قبل عام 1999، والمساعدة في العثور على 2000 متهم، واعتقال 200 منهم. وقد اتبعت مدن أخرى ما فعلت نيويورك.
وأخيراً، تحتاج المواقف إلى التغيير. يشمل التثقيف الجنسي في المدارس الكندية والهولندية والسويدية تعليم الأطفال الموافقة على الإبلاغ في حال وقوع حالة اغتصاب. وقد ثبت أن هذا يقلل من الاغتصاب. يجب تطبيق ذلك في الكليات وأماكن العمل، ينبغي أن يكون لضحايا سوء السلوك الجنسي الكثير من الطرق للإبلاغ عنها، بما في ذلك الثقة والضمان (بحيث، على سبيل المثال، لا يتم إصدار تقرير إلا إذا قدم أكثر من شخص شكوى مماثلة بشأن نفس المهاجم). لا يمكن القضاء على الاغتصاب وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي. ولكن يمكن ردعها بشكل أكثر فعالية مما هي عليه اليوم.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”
المصدر:
