ترجمة وإعداد: جمانة علي
قد يبدو أن الذكور يشكلون النسبة الأكبر من ضحايا فيروس كورونا. لكن ليست هذه ظاهرة شاذة، عندما يتعلق الأمر بفرص الشفاء من الأمراض والأوبئة. وهو ما يؤكده شارون مو آليم، عالم وفيزيائي ومؤلف كتاب سيصدر قريباً بعنوان “النصف الأفضل: التفوق الجيني للنساء” والذي اقتبس منه هذا التقرير.
ووفق ما أشار إليه موآ ليم، ضمن صحيفة نيويورك تايمز، للنساء ميزة بيولوجية كامنة للعيش لمدة أطول وهي ظاهرة تبدو مؤكدة مع كل جيل ومرحلة في الحياة البشرية.
وفيما يواصل فيروس كورونا انتشاره عبر الحدود والمحيطات والقارات، برزت بيانات محيرة لم تجد بعد من يقدم تفسيراً مناسباً بشأنها، وتشير إلى أنه في معظم دول العالم، يزيد عدد الرجال الذين يموتون من الفيروس عن عدد ضحايا المرض من النساء. ويلفت كاتب المقال لحقيقة أن معظم المحاولات لتفسير هذا التضارب تركزت بشكل رئيسي على أنماط السلوك، وبعضها صحيح تماماً. فإن ارتفاع معدلات التدخين بين الرجال، والامتناع عن السعي للحصول على الرعاية الطبية في وقتها، وقلة عدد مرات غسل الأيدي تلعب دورها فيمن سيكون أكثر عرضة للإصابة بالفيروس. لكن ما تم تجاهله في جميع تلك التفسيرات هو عدم الالتفات لحقيقة علمية لم تلق التقدير المطلوب إلا مؤخراً. وتشير تلك الحقيقة إلى أنه عندما يتعلق الأمر بمقاومة الأمراض والأوبئة والأزمات، يصبح الرجال هم الجنس الأضعف.
نسبة مذهلة
ووفق كاتب المقال، ليست هذه مجرد حالة تحدث مرة واحدة عندما تجتاح الأوبئة منطقة ما. إنها ميزة تتمتع بها الإناث، فالرضيعات أكثر قدرة على البقاء على قيد الحياة إلى أن يحتفلن بعيد ميلادهن الأول. كما تشكل النساء نسبة 80٪ ممن بلغوا من العمر مائة عام، وهناك نسبة مذهلة من النساء- 95٪ – ممن وصلوا إلى سن 110 عاماً. وفيما يتمتع الرجال عموماً بكتلة عضلية أكبر، ويكونون عادة أطول قامة وأكبر حجماً وقوة جسدية، فإنه عندما يتعلق الأمر بالمشاق البدنية التي يعانون منها من ساعة ولادتهم وإلى آخر أعمارهم، تكون الجينات الأنثوية أقدر على الصمود لمدة أطول من الجينات الذكرية.
وحسب الكاتب، لطالما افترض العلماء بأن السبب الوحيد لموت الرجال بشكل غير متكافئ يعود لسلوكهم. ولكن في حقيقة الأمر، يظل لميزة الجينات الأنثوية فائدتها، بغض النظر عن المستوى التعليمي والاقتصادي، أو تعاطي الكحول والمخدرات أو استهلاك التبغ.
وفيما ينتقل فيروس كورونا المستجد بسرعة كبيرة من بلد لآخر، أدرك الأطباء حقيقة مؤسفة تشير إلى أن كوفيد-19 يستهدف الرجال بأشد مما يهاجم النساء عامة. ولتأكيد هذه الحقيقة، أشارت ماري كاي لينغ، كاتبة لدى مجلة نيويورك بوست، إلى أن الرجال يشكلون، في إيطاليا، نسبة لا تقل عن 70٪ من إجمالي الوفيات بسبب الوباء المستجد. وفيما شهدت كوريا الجنوبية حالات إصابة مؤكدة بالوباء المستجد عند النساء أعلى مما هي عند الرجال، كانت نسبة الوفيات أكبر بين الذكور. وكشفت اختبارات أجريت في مدينة نيويورك بأن عدداً أعلى من الرجال كانوا مصابين بفيروس كورونا، وبنسبة تزيد عن أكثر من نصف إجمالي المصابين.
تجاهل للتعليمات
وقد أزعجت تلك الظاهرة الخبراء والأطباء، والذين سعوا للتأكد من صحة تلك البيانات، وأرجع بعضهم السبب لسلوك الرجال عموماً. ويعتقد بعض الخبراء أن ارتفاع نسبة الرجال المدخنين يجعلهم عرضة للإصابة بعدوى في الجهاز التنفسي. ويعتقد آخرون بأن الرجال يستهينون عادة بإرشادات التباعد الاجتماعي، أو يهملون وجوب غسل أيديهم.
ولكن لمو آليم ، وهو مختص في الأبحاث الجينية، رأي آخر، حيث يقول: “أعتقد أن تحميل الضحية المسؤولية عن المرض أمر مهين. ومن المؤكد أن بعض السلوكيات قد تؤثر على عدد الإصابات. ولكن لماذا يسبب التقصير في غسل الأيدي موت مريض أدخل بالفعل إلى قسم العناية المركزة؟”.
وفي الواقع، يستهدف فيروس كورونا المستجد الرجال خاصة ومن جميع الفئات العمرية، وبغض النظر عن وجود عوامل خطر كامنة.
عامل وراثي
ويضيف مو آليم “:ما نشهده في الوقت الحالي يشير فعلياً إلى ضعف مقاومة الذكور عند إصابتهم بالفيروس، ويعزى ذلك إلى علم الوراثة. وهناك عنصر وراثي في هذا المرض”.
وباعتباره باحث إكلينيكي يجري أبحاثاً في الأمراض الجينية، أمضى مو آليم سنوات في العمل مع مرضى من الجنسين في مختلف المراحل العمرية. وبداية من المواليد في أقسام الرعاية الفائقة لما بعد الولادة وصولاً إلى مسنين يعانون من مرض آلزهايمر. ولاحظ موآ ليم أن المريضات كن أكثر مرونة من المرضى الذكور، وأكثر قدرة على مقاومة الأمراض المعدية والإصابات ومن ثم التماثل للشفاء.
ومن ثم قادت تلك الأبحاث موآ ليم إلى استنتاج مذهل يتناقض تماماً مع اعتقاد سرى عبر قرون عديدة، وهو أن الرجال لا النساء، هم الجنس الأضعف.
وقبل عدة أيام كتب الباحث ضمن مجلة “ذا بيتر لايف” عن خلاصة أبحاثه: “منذ فترة وجودهن داخل الأرحام إلى آخر نفس في حياتهن، تتمتع النساء بأنظمة مناعة تعمل بقوة أكبر وبشكل أفضل مما تعمل عليه عند الرجال، وتلك ميزة متأصلة تساعد في إطالة أعمار النساء وتحسن حالتهن الصحية. وعندما يتعلق الأمر بفيروس كورونا المستجد، توفر الجينات الأنثوية فرصة أكبر للشفاء. ولا يعزى الأمر لامتلاك النساء جهاز مناعي أقوى على محاربة العدوى وحسب، بل إن جيناتهن تجعلهن في موقف دفاعي أفضل”.
ومن جهة أخرى، كشف باحثون من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، من خلال دراسة جديدة نشرت قبل شهر، دليلاً جديداً يثبت صحة استنتاج موآ ليم. فقد حلل بيولوجيون بيانات عن حياة مجموعة كبيرة من مختلف الكائنات الحيوانية – طيور وثدييات وأسماك وعناكب وحشرات، وسواها. وقال كبير الباحثين في تلك الدراسة: “وجدنا أنه لدى إناث تلك الكائنات من طيور وزواحف وفراشات فرصة أكبر للعيش لفترات أطول، وللتمتع بحالة صحية أفضل مما هي عليه عن ذكور تلك الكائنات”.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”
المصدر:
https://dnyuz.com/2020/04/02/why-are-so-many-more-men-dying-from-coronavirus/