سلمى الدمشقي
كثر في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح التنمر في الخلافات التي تحصل بين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أصبح كل خلاف بالرأي ينتهي باتهامات متبادلة بالتنمر، وكأن استخدام كلمة تنمر هو الموضة الدارجة حالياً.
شاهدنا هذه الظاهرة في الخلاف الأخير على لباس البطلتين وعد الخطيب والدكتورة أماني بللور في حفل الأوسكار الأخير لترشح فيلميهما الكهف ولأجل سما، حيث طغى النقاش أولاً والاتهامات لاحقاً حول لباس السيدتين على موضوع الفيلمين، ووصفت الخلافات بأنها تنمر من طرفي الخلاف، وقبل هذا بفترة وجيزة حصلت إساءة كبيرة لإحدى السيدات على صفحة فنان كاريكاتير معروف، استدعت قيام عدد كبير من النسويات وصل عددهن لـ 145 امرأة بإطلاق بيان ضد التنمر اللفظي تبنت هذا البيان عدد كبير من مواقع المنظمات النسوية .
وإذا أردنا أن نعرف التنمر فهو حسب تعريف*ويكبيديا* شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف (في الغالب جسديا)، وهو من الأفعال المتكررة على مر الزمن والتي تنطوي على خلل (قد يكون حقيقيا أو متصوراً) في ميزان القوى بالنسبة للطفل ذي القوة الأكبر أو بالنسبة لمجموعة تهاجم مجموعة أخرى أقل منها في القوة. فالتنمر عادة يكون بأشكال مختلفة، قد يكون لفظيا أو جسديا او حتى بالإيماءات، يمكن أن يكون التنمر عن طريق التحرش الفعلي والاعتداء البدني، أو غيرها من أساليب الإكراه الأكثر دهاء مثل التلاعب.
يمكن تعريف التنمر بطرق مختلفة وكثيرة، وعلى الرغم من أنه لا يوجد حالياً تعريف قانوني للتنمر، إلا أن بعض الولايات الأمريكية تملك قوانين ضده وعادة ما يستخدم التنمر في إجبار الآخرين عن طريق الخوف أو التهديد.
غالباً ما يوصف التنمر في كثير من الأحيان على أنه شكل من أشكال المضايقات التي يرتكبها المسيء الذي يمتلك قوة بدنية أو اجتماعية وهيمنة أكثر من الضحية. أحياناً يشار إلى ضحية التنمر على أنها هدف. يمكن أن يكون التحرش لفظيا وجسديا أو نفسيا. في بعض الأحيان، يختار المتنمرون أشخاصا أكبر أو أصغر من حجمهم. ويؤذي المتنمرون الأشخاص لفظياً وجسدياً، وهناك أسباب كثيرة لذلك، وأحدها أن المتنمرين أنفسهم كانوا ضحية التنمر (مثل، الطفل المتنمر الذي يساء إليه في المنزل، أو المتنمرين البالغين الذين تعرضوا للإساءة من جانب زملائهم).
ينقسم التنمر إلى ثلاثة أنواع— التنمر اللفظي، التنمر الجسدي، والتنمر العاطفي، ويمكن أن يحدث التنمر في أي مكان تتفاعل فيه البشر مع بعضها البعض. ويشمل ذلك المدارس والأماكن العامة وأماكن العمل والمنازل والأحياء. كما يمكن للتنمر أن يكون سبباً شائعاً من أسباب الهجرة. يمكن أن يوجد التنمر بين الفئات الاجتماعية والطبقات الاجتماعية وحتى بين البلدان .
وفي السنوات القليلة الماضية ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي انتشر نوعان للتنمر الأول التنمر اللفظي وهو التلفظ بألفاظ وكلمات مهينة للشخص الآخر أو مناداته بأسماء وألقاب سيئة لا يحبها أو استخدام أسلوب السخرية والتهديد والوعيد، والتنمر الالكتروني باستخدام المعلومات وتقنيات الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل تنفيذ تصرفات عدوانية وهجومية على الآخرين وأذيتهم والتجريح بهم .
وإذا عدنا إلى الأمثلة التي طرحناها بداية: هل كل خلاف بالرأي يمكن أن يطلق عليه مصطلح تنمر؟. التنمر من التعريف أعلاه يتطلب وجود طرفين أحدهما فاعل والآخر ضحية مع وجود فرق في القوة بينهما سواء القوة الجسدية أو الاجتماعية أو الهيمنة .
باعتقادي أننا جميعاً على صفحات الفيس نملك القوة نفسها في نشر أفكارنا، واختلافنا في الرأي والذي يصل في بعض الحالات المذكورة سابقا الى السب والشتم لا يجعل أحدنا ضحية لأنه لم يرد بنفس الأسلوب من الشتم بل هو ترفع عن هذه الألفاظ المهينة . فالخلاف على حجاب الدكتورة أماني بللور أو فستان وعد الخطيب هو نظرة كل منا إلى الحجاب وما يمثله من قداسة لدى البعض وعدم وجود هذه القداسة لدى البعض الآخر وترجمة هذه الخلافات الى شتائم لا يجعلها تنمر. وكذلك الألفاظ النابية التي استخدمها رسام الكاريكاتير هي نوع من الذكورية المفرطة لديه . ويمكن هنا استخدام مصطلح التنمر الذكوري كون النساء تاريخيا في عرفنا هُن ضحايا . ولو أن النساء حاليا وخاصة منهن من لديها صفحة على الفيسبوك تملك من الوعي بحقوقها والجرأة على المطالبة بها ما يخرجها من دائرة الضحية المباشرة ويجعل ترفعها عن الرد بذات الأسلوب لرقيها وثقافتها وليس لكونها ضحية .
هل يعني هذا أنه لا يوجد في مجتمعاتنا تنمر؟؟ في الواقع الفعلي الذي نعيشه كل يوم هناك أنواع شتى من التنمر، من يملك الواسطة هو الذي يحصل على الوظيفة ويجعل طالبي الوظيفة المستحقين فعليا ضحايا لتنمره وكذلك في طابور الخبز والغاز والمازوت . المرأة في مجتمعنا وفي كثير من الحالات منذ طفولتها تكون ضحية لاستغلال وتنمر الأب والأخ والزوج ويمكن الابن، هناك تنمر تمارسه الحكومة في تعاملها مع الشعب في ظل فقدان الديمقراطية وسلطات المحاسبة، علاقات الدول القوية مع الدول الأضعف منها يسودها التنمر .
وبالعودة الى وسائل التواصل الاجتماعي هناك الآن من يتهم النسويات بالتنمر بالإشارة إلى بعض مقاطع الفيديو التي تحوي كلمات استفزازية لبعض الناشطات، ووصل ببعض الصفحات لحد القول بأن هناك ظاهرة تنمر نسوية نشهدها الأن، وطبعا هذا ليس تنمراً لأن الآخرين ليسوا ضحايا وهذا الكلام الاستفزازي هو تعبير دفاعي لناشطات كن ضحايا في يوم من الأيام وما زال هذا العنف الممارس عليهن سابقا له أثار سلبية في حياتهن الى الآن .
وعندما يصبح التنمر معرفاً قانونياً وتفرض على ممارسه عقوبات واضحة، بالترافق مع حملات وبرامج وطنية كما في العديد من الدول يمكن لمجتمعنا أن يكافح هذه الظاهرة أو يحد منها على الأقل إيذاناً ببدء نضال مجتمعي طويل لاجتثاث هذه الظاهرة.
خاص – شبكة المرأة السورية