Search
Close this search box.

رداً على من اختارهن

رداً على من اختارهن

لينا وفائي

نشرت شبكة المرأة السورية (والتي أنتمي اليها) على موقعها مؤخراً مقال رأي يتناول النساء المنخرطات في اللجنة الدستورية، جاء المقال بعنوان: “من اختارهن”، وبغض النظر عن الموقف السياسي من اللجنة الدستورية الذي قد نتفق أو نختلف حوله، أودّ أن أقرأ المقال من وجهة نظر نسوية وأرد على ما جاء فيه.

أولاً أود أن أنوه أنَّ المقال لا يعبّر عن وجهة نظر شبكة المرأة السورية، وإنما عن وجهة نظر صاحبته والتي لا تنتمي للشبكة، ولكنه قد يسلط الضوء على وجهة نظر لأخريات غير منخرطات في المنظمات النسائية والنسوية، وتستحق أن تناقش وتفند.

كما قلت سابقاً لن أدخل في جدال سياسي مع المقال من حيث الموقف من اللجنة الدستورية ومن تخدم، ولن أدخل معه أيضاً في جدل نظري حول آليات تشكيل الجمعيات التأسيسية المختصة بكتابة الدساتير، والتي ليس من ضمنها قطعاً الانتخاب، رغم أن عنوان المقال يركز على هذه النقطة تحديداً. هذه الآليات التي تكون لها خصوصية أكبر بعد النزاعات والحروب وهو ما تحولت له ثورتنا للأسف. سأتناول المقال من نقطتين، الأولى نرجسيته والثانية نقاشه غير المباشر للكوتا والمشاركة النسائية.

في مقدمة المقال واقتبس منه الآن “المُثير للاستغراب في جندرة اللجنة الدستورية، وتضمين النساء فيها بنسبة 30 بالمئة، هو أن العديد من الأسماء النسائية الواردة في القوائم (المُعارضات وعن المجتمع المدني) غريبة وبعيدة عن السوريين والسوريات ولم يسبق للمجتمع المحلي السوري أن سمع بهن أو بإنجازاتهن ونشاطهن السياسي خلال الثورة“، هنا المقال يحتج على آلية اختيار النساء في اللجنة الدستورية بحجة جندرتها، متهماً إياهن بأن غالبيتهن مجهولات، إذاً المقال ينطلق بتقييم الآخرين من مدى معرفتنا لهم/ن. وهنا يخطر لي سؤال، إذا اتفقنا أن عمل اللجنة الدستورية سياسي حقوقي فهو يتطلب وجود سياسيين/ات وحقوقيين/ات مختصين/ات، ألا يمكن أن يوجد مختصين/ات مبدعين/ات ولا أعرفهم/ن؟. هل كل من أجهله غير كفؤ، وهنا أجد المقال وقع في نرجسية فائقة، فهو ينطلق في تقييم الآخر من خلال معرفته به فقط. قد أكون وغيري أيضاً لا يعرفون كاتبة المقال ولكن هذا قطعاً لا يقلل من شأنها، فالحياة أوسع مما أعرف فقط، وعليَّ أنا البحث لمعرفة ما لا أعرف، ووسائل البحث الآن كثيرة ومتوفرة. ليست اللجنة الدستورية برلماناً منتخباً ليقدم من ترشح له بيانه الانتخابي، هي لجنة ذات عمل تكنوقراطي سياسي.

جاء في المقال أيضاً، واقتبس مرة أخرى: “تدرك المرأة السورية اليوم أن الرجل ليس خصمها، وتدرك أيضاً أنها بعد إقصائها لعقود عن السياسة والمجتمع بفعل النظام القمعي ليست مؤهلة لقيادة عملية سياسية مربكة وغير ناضجة ومستهجنة شعبياً، وتعرف حق المعرفة أن خصمها الحقيقي هو التجهيل والاستبداد الذي غيّبها يوماً عن السياسة قسراً ويعود اليوم ليقحمها في صفوفها الأولى لضرورة تواجد النساء وجندرة اللجان.” وهنا أود أن أتساءل: ألم يقصي النظام القمعي المجتمع السوري كاملاً لعقود عن السياسية والعمل المجتمعي المنظم، أقصد كامل المجتمع السوري رجالاً ونساءً إلا قلة قليلة أصرت على العمل السياسي ودفعت أثماناً باهظة لذلك، وهذه القلّة هي من الرجال والنساء أيضاً، إذاً لماذا قفز المقال ليقول أن أثر ذلك كان على المرأة فقط، ولماذا اعتبر أن المرأة غير مؤهلة نتيجة هذا الإقصاء، بينما لم يؤثر هذا الإقصاء على الرجل فبقي مؤهلاً للعمل السياسي والمشاركة!.

تكمل الفقرة لتقول أن: “التجهيل والاستبداد غيّب المرأة قسراً ليعود ويقحمها الآن بحجة الجندرة”، هنا تحديداً نجد المقال يقف ضد الكوتا النسائية وإن لم يقلها صراحة وهذا يستحق النقاش.

جاء في وثائق شبكة المرأة السورية وضمن بند أهداف الشبكة: “المشاركة الفاعلة للمرأة في جميع الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية والتشكيلات السياسية والاقتصادية والفكرية والمؤسسات المدنية بنسبة لا تقل عن 30% وصولاً إلى المساواة التامة بنسبة 50% في مراكز صنع القرار في سوريا المستقبل”. إذاً من نافل القول التأكيد أن الشبكة تؤمن بالكوتا النسائية وتناضل من أجلها، ولكن من المفيد هنا نقاش الآراء المختلفة في الحياة حول موضوع الكوتا النسائية.

طوال سنين اهتمامي وعملي بالسياسة (المعارضة دائماً) والتي بلغت أكثر من ثلاثين عاماً قبل الثورة السورية، كنت ضد الكوتا النسائية وكنت أراها انتقاصاً للديمقراطية، فقد كنت أرى أنه من الأفضل وجود الكفاءات على الكوتا، وأن نساءً غير كفؤات هن ضارات للعملية الديمقراطية، وأنَّ على المرأة أن تناضل لإثبات نفسها وللوصول بدون كوتا. بعد انطلاق الثورة السورية وانخراط المرأة فيها في البدايات وفي الصفوف الأمامية، لتعود إلى الخلف عند تشكيل التشكيلات السياسية المعبّرة عن الثورة، بدأتُ بحثاً معمّقاً نظرياً وتاريخياً، حول مشاركة المرأة في الثورات وإقصاءها من السياسة، (على سبيل المثال ثورات الربيع العربي)، بعدها صرت من أشدّ المدافعات عن الكوتا.

الكوتا تعريفاً هي ضمان حق تواجد المهمشين في مكان ما، ففي بلدان العالم وألمانيا مثلاً، هناك كوتا في فرص العمل لذوي الاحتياجات الخاصة، كوتا في بعض أماكن العمل مثل روضات الأطفال والعمل الاجتماعي للرجال مثلاً، وفي سوريا في ظل حكم البعث كان هناك كوتا للعمال والفلاحين لادعائه تمثليهما، إذاً الكوتا ليست قضية نسوية بحتة، وهي تعتبر أحد التدابير الإيجابية لرفع الغبن عن مجموعة ما، من هنا ونتيجة لهذا التعريف ونتيجة لإقصاء ممنهج وطويل الأمد للنساء عن مراكز صنع القرار بل عن العمل السياسي بالعام، تحتاج النساء في بداية عودتها للعمل السياسي لكوتا تضمن لها عدم إقصائها. إن ما جاء به المقال من عدم تأهيل المرأة نتيجة التجهيل والاستبداد هو بالضبط ما يستخدمه العقل الذكوري لاستمرار إقصاء المرأة، فهذا العقل الذكوري لا يتساءل أبداً عن تأهيل الرجل وهل يستحق الوجود في هذه العملية السياسية، فهو رجل وبغض النظر عن كفاءته دائم الوجود، ووجوده أمر مفروغ منه. والمقال قد وقع بهذا المطبّ أيضاً.

يتابع المقال واقتبس مرة أخرى: “كل رجل يحترم مسوغات اندلاع الثورة ويفهم طبيعة الأنظمة الديمقراطية قادر على تمثيل المرأة وفهم مشكلاتها الحقيقة كالمرأة نفسها، وبالتالي المطالبة بحقوقها المستباحة وحرياتها المسلوبة، وكذلك الأمر بالنسبة للنساء فإن كل امرأة على مستوى من الإدراك والإحاطة بواقع الرجل مؤهلة لفهم مشكلاته التي هي جزء لا يتجزأ من مشكلات المرأة والمجتمع“. في هذا المقطع يغالط المقال نفسه في نقطتين، الأولى أنه يتحدث عن الرجل الذي يحترم مسوغات اندلاع الثورة ويفهم طبيعة الأنظمة الديمقراطية دون أن يخبرنا عن مدى تواجد هذا الرجل فعلاً في اللجنة الدستورية التي يُعترض على جندرتها، وهل اختيار الرجال في هذه اللجنة كان صائباً بحيث أنهم يفهمون فعلاً طبيعة الأنظمة الديمقراطية؟ وإذا افترضنا جدلاً أن هناك فيها من هم هكذا فعلاً فكم عددهم.

المغالطة الثانية والبنيوية التي يقع فيها المقال، هو تأكيده أن الرجال الذين هم مسيطرين يستطيعون التعبير عن مصالح النساء اللواتي يسيطرون عليهن، لا يستطيع التعبير عن المهمش إلا هو، فهو الذي يدرك حجم معاناته الشخصية نتيجة هذا التهميش، وليس من كان سبباً في تهميشه. كما أن النساء لا يستطعن أيضاً التعبير عن مصالح الرجال، وإن كنّ أكثر قدرة من الرجال للتعبير عن مصالح الجموع وليس مصالحهن فقط.

 أخيراً كنت أتمنى على محرري الموقع التنويه أن هذا المقال يعبر عن رأي كاتبته فقط ولا يعبر حكماً عن رأي شبكة المرأة السورية منعاً للالتباس الذي قد يحصل. وأن يتم التنويه أن الموقع مفتوح للآراء المتخالفة فيما بينها وذلك حرصاً على إتاحة منبر للنساء لإبداء آراءهن ونقاشها وتفنيدها، وفتح مساحة للحوار بين النساء يعبّرن فيها بحرية، والذي هو فعلاً أحد أهداف شبكة المرأة السورية.

10/12/2019

لينا وفائي

خاص شبكة المرأة السورية

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »