“الطريقة الاكثر شيوعا لتخلي البشر عن قوتهم هي في الاعتقاد انهم لا يملكونها في الأساس”.
(أليس ووكر الروائية والناشطة النسائية الاميركية/ الافريقية)
بعد سنتين تقريبا على بدء الثورة وحراكها في الداخل والخارج، آن الأوان ان تنهض النساء باتجاه مزيد من المشاركة في صنع القرار السياسي كي لا يتشكل مستقبل سوريا السياسي بصورة عرجاء بالاعتماد على جنس واحد. إن غياب النساء عن قيادة المشهد السياسي للمعارضة السورية هو لقناعتهن احيانا بأن النشاط السياسي وقيادته شأن ذكوري بحت، سببه ثقافة مجتمعية طويلة مضمونها ان مكان المرأة بيتها ومطبخها، بينما انشغل الرجال بطبخ السياسات التي تحدد مصير البلاد بعيدا عن مشاركتهن، بما فيها المشاركة بالرأي المكتوب.
بحسب حصاد الربيع العربي، لا تزال السياسة العربية لعبة ذكورية بامتياز رغم الانتفاضات التي أرادت اسقاط النظام القائم بكل رموزه. فالمشهد السياسي المستجد يستبعد الشباب والنساء بحجة غياب الخبرة في العمل السياسي، لكن ما يحدث هو تكريس لغياب الخبرة، حتى يدور الحراك السياسي في الحلقة المفرغة إياها، وتبقى المقاعد محجوزة للرجال فقط ومن متوسطي الاعمار. وهكذا لا تقود معطيات الحراك الشعبي في الربيع العربي الى شروط سياسية جديدة الا بحدود، حيث يعود القادة من الرجال الى عقلية الحكم التقليدي والمعارضة التقليدية مع تزيين القيادة بوجه شاب ووجه آخر لإمرأة، في سياق اثبات مشروعية وراثتهم للحراك الثوري. انه سلوك من التجاهل اسميه “البقعة المعتمة”، تلك الزاوية التي ترد في شروط قيادة السيارة ويطلب من السائق التلفت الى الخلف اثناء القيادة، لأن بعض التفاصيل لن تعكسها مرآة السيارة.
النساء السوريات لا زلن في تلك البقعة، رغم انهن كن حاضرات بقوة في تظاهرات احياء دمشق وحمص وحلب وحماه وكل المدن والقرى السورية. وقبل ان يقفز البعض الى نتائج مفادها ان النتيجة سببها حضور الاسلاميين بقوة في مؤسسات المعارضة، نقول ان تجاهل حضور النساء في الحراك يعمّ الجميع بمن فيهم العلمانيون، اذ تستدعى النساء على الأغلب لملء خانة “المرأة”، في حدّها الأدنى، وللتأكيد على ان الخانة غير شاغرة من المرأة في حال التقى رموز المعارضة مع مسؤولين من العالم الغربي.
وقد ساهم التجاهل المتعمد او المقصود لاشراك المرأة السورية في قيادة مؤسسات المعارضة الى تردد النساء في اقتحام المشهد السياسي لاعتقادهن بانهن لا يملكن الامكانيات الثقافية والنفسية للتصدي لموضوع التمثيل السياسي، على الرغم من ان كثيرا منهن كن ناشطات على ارض الواقع او في المهجر في مجالات التظاهر والاغاثة والاعلام والتواصل مع بعض الجهات الدولية لشرح قضية شعبهن. كما ان استهداف المرأة التي تشتغل في الشأن العام بالاشاعات والاقاويل شدّ بعضهن بعيدا عن هذا الدور للأسف.
إذن هناك عدة نقاط يجب اخذها بعين الاعتبارعند الحديث عن مشاركة المرأة السورية في النشاط السياسي عموما، سواء ما خص المعارضة الحالية او الحراك السياسي الذي سينشأ بعد سقوط النظام. والتركيز عليها الآن قد يساعد في تجاوز العقبات نحو مزيد من المشاركة:
تعميم عثرات المرأة:
ان كل خطأ في الأداء ترتكبه ناشطة سياسية بسبب ضعف تجربتها وثقافتها السياسية، يعمم على بنات جنسها فيقال ان النساء لا يصلحن للعمل السياسي والمثال “فلانة”، بينما تبقى عيوب الرجل شخصية لا تنعكس على أداء زملائه الرجال عموما. وهذا أمر مفهوم في ظل حضور الرجل الطويل في قيادة العمل السياسي، سواء في الحكم أم في المعارضة، الأمر الذي أدى الى تمييز القيادات عن بعضهم البعض كل بحسب أدائه.
عدم الصلاحية للعمل السياسي:
اقتنعت النساء طويلا ان السياسة مهنة ذكورية بامتياز وبأنهن جاهلات فيها. لننظر الى تقاليد الفرجة التلفزيونية عند عموم الشعب السوري، لا النخبة، حيث يتبين ان نشرات الاخبار والبرامج السياسية يشاهدها الرجال في العموم أما المرأة فنصيبها المسلسلات والبرامج الترفيهية التي تنسيها همومها اليومية قليلا. من هنا يقع على عاتق “المرأة السورية الجديدة” الاكثر وعيا من بنات جنسها، اقناع بقية النساء انه في سوريا الجديدة لا يجب ان تتنازل المرأة عن مهمة تمثيلها سياسيا وتشريعيا الى الرجال، وتتركهم يخططون للمجتمع ويسنون قوانينه ويقودونه بمفردهم بما فيها القوانين التي تخصها. ولا يعني هذا ان تعمل كل النساء في السياسة، لكن يجب توعيتهن بأن الترشح حق لهن ولبنات جنسهن، وان الانتخاب أداة للمشاركة في صنع القرارات السياسية. وهذا يتطلب كثيرا من الوعي في ما يحصل حولهن من في المجتمع، عليهن ان يتصرفن كشريكات من حقهن أن يسألن كيف تسيّر الأمور في المجتمع والدولة، لا كتابعات للقادة تمشي مياه السياسة من تحتهن وهن في حالة استسلام لها.
غياب الخبرة العملية:
يُستخدم ضعف الأداء الناتج عن غياب تراكم الخبرات في العمل السياسي حجة ضد المرأة ليستمر استبعادها من قيادة المشهد السياسي، ولتبقى اللعبة بين الرجال فقط. وهنا يجب التأكيد على حاجة النساء اللواتي يملكن الاستعداد للعمل السياسي، الى تنشيط أدائهن من خلال ورشات العمل المتخصصة لمحو اميتهن السياسية، سواء بمبادرة من النخب النسائية او بمساندة من الرجال الذين يساندون مشاركة المرأة في العمل السياسي. كذلك دعم حضورهن في بعض المواقع القيادية السياسية ولو الوسطى، بقصد اكتساب الخبرة، فمن دون مشاركة عملية في الحياة السياسية لن تتعلم المرأة من اخطاء أدائها او حسناته.
ممارسة العمل السياسي حق:
الاشراك الرمزي للمرأة في بعض التجمعات السياسية للمعارضة السورية يتم، كما اشرنا سابقا، من منطلق انها تملأ خانة فارغة، أي تمثيلها لبقية النساء، والصحيح ان مشاركة المرأة السياسية يأتي من حقها كمواطنة في أخذ فرصتها في المشاركة في ادارة مجتمعها، وليس لتمثيل النساء الأخريات فقط. ونذكر هنا ان من مبادئ الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان “ان يكون للجميع حق الترشح والانتخاب”. انه من اساسيات شروط “المواطنة”.
المرأة تضيف مقاربة جديدة للمشهد السياسي:
ان مشاركة المرأة في القيادة السياسية كعنصر جديد وافد على المشهد السياسي سيرفد السياسة بمقاربات تجدده، تماما مثل المقاربات التي تحملها مشاركة الشباب وبقية مكونات الشعب السوري المستبعدة، بعد ان كان المشهد محصورا بميراث من المفاهيم السياسية أنتجتها عقلية الرجال خصوصا من متوسطي الاعمار.
تشكيل جماعة ضغط سياسي:
في النهاية تجدر الاشارة الى الحراك النسائي الثوري الذي بدأ يتكون بصورة جدية في الشهور الاخيرة مثل المؤسسات البحثية وورش العمل والمجالس النسائية، وكلها تناقش شؤون الجندر من المساواة وتوحيد صوت المرأة في قضايا المشاركة السياسية والتشريعية في الفترة القادمة من تاريخ سوريا، هو جهد ايجابي مطلوب لخلق دور جديد للمرأة السورية بعيدا عن الدور التعس الذي وضعها فيه النظام البائد والذي تعامل مع منظمتها (الوحيدة) رسميا، مثلما تعامل مع المؤسسات الشعبية الاخرى بتبعيتها لحزب البعث، من دون ان ينعكس ادعاؤه بالعلمانية على ارتفاع نسبة تمثيل المرأة حتى ضمن قيادات مؤسسات النظام نفسه. وفي هذه النقطة تحديدا، يجب ملاحظة ان هذا التيار يخص النساء من كل التيارات السياسية او من غير المسيّسات حتى، لأن العمل هو نحو مزيد من مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي العام، ومن جهة اخرى مواجهة صناع القرار بخصوص القوانين والتشريعات التي تطبق على المرأة مثل قوانين الاحوال الشخصية، او البنود التي تخص المرأة في الدستور الجديد، او تحديد نسبة مشاركتهن في القيادات الادارية، الخ من هموم تخص عدم مساوتهن بالرجال في المجتمع.
كاتبة وصحفية سورية
غالية قباني
نشرت في موقع “صفحات سورية” بتاريخ 29/12/2012.