مناصرة الرجل لقضايا المرأة وأدوارها في المجتمع والسياسة … هل ستشكل فرقاً؟  

مناصرة الرجل لقضايا المرأة وأدوارها في المجتمع والسياسة … هل ستشكل فرقاً؟  

بيروز بريك

اعتادت المنظمات السورية العاملة في مجالات تمكين المرأة، ومناصرة قضاياها، ودعم مشاركتها السياسية والاجتماعية، على توجيه التدريب والتوعية والحشد الذي تقوم به للمرأة فقط، مع تنحية واضحة للرجل للعمل في هذا المجال بالاستناد إلى تراكمات التضاد، مع وجود ذهنية ذكورية طاغية ومتحكمة في المجتمع. فكثيراُ ما يكون سبب استثناء جهود الرجال وإضافاتهم في هذه الأنشطة والتدريبات، هو وجود حاجز نفسي يعكس حالة السعي النسوي الحثيث لتدارك الفجوة القائمة بين المرأة والرجل في مجتمعاتنا، لتتطور إلى نزعة تهجمية في بعض الأحيان، وصولاً لتبني فكرة تقسيم المجتمع إلى معسكرين؛ أنثوي مضطهد ومنقوص الحقوق، وآخر ذكوري تسلطي ومناهض لكل تطلعات المرأة نحو تحررها ووصولها لمراكز القرار السياسية والمجتمعية، و (ليس من الحكمة هنا إطلاع المعسكر المناوىء على الخطط والتدابير…)، وكل هذا يعكس وجهة النظر النمطية والمجحفة المتبناة من قبل تيار واسع من الناشطات النسويات ويخفي أيضاً ثلاث حقائق جوهرية:

أولاً : وجود قطاعات واسعة من الرجال في المجتمع السوري ليس لديها مشكلة أو نفور من وصول المرأة لكامل حقوقها ومشاركتها السياسية والاجتماعية، وإن كانت هذه القطاعات ليست فعّالة في هذا الصدد، لكونها لا تحوي الكثير من الناشطين المشتغلين في الشأن العام، إذ لم يتم حشد طاقاتها على النحو الأمثل ولم تصلها حملات المناصرة التي غالباً ما تكون مفتقرة للتقنيات الإعلامية الجاذبة، أو لاكتساب آليات الإقناع، مما يعزز حالة التنميط التي تضع كل الرجال في ميزان واحد من حيث اضطهادهن للنساء وغمطهن حقوقهن.

ثانياً: وجود قطاعات واسعة من النساء في المجتمع السوري تقف بالضد من إجراء تغييرات بنيوية تطال الذهنية الذكورية المتسلطة، بل وتتماهى مع هذه الذهنية، وليست لديها النية الحقيقية في العمل على تبديل أوضاعها. ولا تجد المنظمات النسوية الآليات والوسائل التي تستطيع من خلالها تحريك حالة الاستنقاع التي تقبع فيه أعداد هائلة من النساء، دونما اكتراث بأوضاعهن أو أدوارهن المسلوبة.

ثالثاً: دخول الحرب القائمة على خط رسم التعبيرات المجتمعية الجديدة، وطروء تبدلات كبرى في التعاطي مع قضايا مجتمعية عديدة، وعلى رأس هذه القضايا؛ قضية المرأة وأدوارها من حيث السلب أو الإيجاب. فهنالك مجتمعات كانت منغلقة وانفتحت على الغير بحكم واقع الثورة والحرب، وعلى العكس أيضاً طال التطرف والتعصب مجتمعات أخرى.

أمام هذا التغافل عن وجود هذه الحقائق في مجتمعاتنا، تبذل الجهود المضنية وتصرف أموال الدعم المضخوخة على ملتقيات وورش للمناصرة والتمكين، التي لا تصل أبعد من صالة التدريب في بعض الأحيان، ويبقى الأثر محدوداً إن لم يكن منعدماً في بعض البرامج والمشاريع المستبطنة لنزعة (فيمنية) كامنة وغير مُتَمَثَّلة، أو مُعَبّر عنها، وتتجلى في نسف الجسور القائمة وهدم محاولات إيجاد صيغ للتكامل بين الرجل والمرأة، وتهدف لتحويل النضال النسوي نحو انتزاع الحقوق لحالة “عصيان” ضد الرجل، لن تجني منها النساء سوى المزيد من الإنكار والتنميط واتهامات النشوز والاسترجال، بدل أن تعمل على تسنم أدوار القيادة المجتمعية بكفاءة واقتدار، وأن تتخلص من تركة المظلمة الكبيرة التي تهيمن على مفاصل حياتها كونها إنسانٌ ينبغي أن يمتلك من الحرية والإرادة قدراً مماثلاً لما يمتلكه الرجال ضمن الحالة السويّة. وليس من الحكمة تغييب فرص الانطلاق والتميز والاقتدار النسوي في خضم حالة التجييش المبطن ضد الرجل، الذي غالباً ما يكون هو نفسه ضحية تناقضات مجتمعية أو تفسيرات عرفية أو دينية واضحة كانت أم ملتبسة.

في الآونة الأخيرة، وبالتحديد ضمن حالة تشكيل منظمات المجتمع المدني السوري الناشئة، دخل عدد من الناشطين الرجال على خط مناصرة المرأة ودعم حقها في المشاركة السياسية والمجتمعية الفعالة، وإيلائها اهتماماً يماثل وزن قضيتها بين محاور العمل المدني المتعددة. غير أن أدوار هؤلاء لا يراد لها أن تثمر في كثير من الأحيان، لكونها أدوارٌ خارجة عن “المألوف” ويخشى من أن تؤدي إلى تبدلات نوعية، وتُكسر من رتابة تدريب المرأة للمرأة ومناصرتها لقريناتها ليس إلا. ويغيب عن أذهان المعترضات وربما المعترضين، حقيقة أن إشراك الرجال في جهود دعم المشاركة السياسية والاجتماعية للمرأة، ركيزة أساسية لنجاح هذه الجهود ويعزز من موقعها وحضورها في كل المفاصل على حساب تآكل النزعات الذكورية المتنفذة. فاقتناع رجل ما بضرورة العمل لصالح إيجاد توازن بين دور المرأة والرجل، هو انتصار تسجله المرأة لصالحها، وربما تصل ذات يوم إمرأة ما في مجتمعاتنا لمركز من مراكز القرار المهمة وبأصوات الرجال قبل النساء.

إدراج النوع الاجتماعي (الجندر) فيما يخص المرأة، لا يشبه إدراج فئات مجتمعية أخرى عانت أو تعاني التمييز بالنظر لدور المرأة ككائن تستند دورة الحياة السوية والمنطقية عليه، فهي ليست أقلية عرقية أو فئة لها ظرف خاص. ومن هذا المنطلق يرى الكثيرون أن الدعوات لمنح النساء الكوتا في المحافل والهيئات السياسية والتمثيلية، تعزز النظرة الدونية وتكرس تحكم الرجل في حياتها وتمثيلها السياسي. إذ لا ينقص وصول المرأة لموقعها الطبيعي ضمن السياسة والمجتمع، سوى توسيع تيارات الرجال المناصرين لقضاياها وصولاً لتبني المرأة نفسها لقضيتها دون صدام أو قطيعة فكرية مع دعاة الدور التكاملي لها مع الرجل، فإذا ما أشيعت الأجواء الإيجابية وقررت المرأة الدفاع عن حقوقها في الوصول لمشاركة سياسية واجتماعية فعالة بالتعاون مع الرجال الذين يناصرون هذه الحقوق، ونحيت خيارات الإنزواء وأشرك الرجل بفعالية في حملات المناصرة، وأسست المبادرات التي يقودها الرجال أو تلك التي يكون لهم أدوار أساسية فيها  لصالح تصحيح المسارات المجتمعية القائمة، سيكون من المحتم صعود الخيارات المجتمعية الجديدة على شكل انتفاضات هادئة قوامها الوعي والضمير وإيثار الصالح العام، ضمن مبادرات حداثية لا تنسف خصوصية المجتمعات بل تشذبها وتؤنسسنها.

وبما أن جزءاً كبيراً من النضال النسوي في استرداد الحقوق، يُعبر عنه حالياً عن طريق المؤتمرات والورش والحملات في سوريا أو دول اللجوء، فإن اشتراك الرجل وإشراكه في هذه الأنشطة والفعاليات سيوفر الأرضية المناسبة لظهور ناشطين رجال في خدمة قضايا المرأة وأدوارها المجتمعية والسياسية اللائقة بها.

*  اللوحة للفنانة السورية: ريما سلمون

  * بيروز بريك – صحفي وعضو منظمة شار للتنمية

 خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »