وضع المرأة السورية في ظل الحركات الأصولية

وضع المرأة السورية في ظل الحركات الأصولية

رولى ركبي

قامت الثورة السورية من أجل العدالة والحرية والكرامة، وأنتقل الفرد السوري من مفعول به الى فاعل، بما في ذلك المرأة السورية التي كسرت الصورة النمطية عن المرأة العربية عندما خرجت الى الساحات العامة للتظاهر مطالبة بالتغيير الجذري في أوضاع البلد.

في زمن الحروب يحتل الوضع العام ومصير البلد أهتمام الرأي العام والفرقاء، وتصبح المطالبة بحقوق المرأة وكأنها مجرد ترف ثقافي. في واقع الأمر تجتمع في قضية تحرر المرأة في بلادنا كل عناصر الأزمة العامة في الدولة والمجتمع .الأنتهاكات التي أرتكبت على أيدي القوات النظامية وتلك الموالية لها، وكذلك على أيدي الجماعات الأسلامية بحق المرأة هي أنتهاكات للقيم الأنسانية ولميثاق حقوق الأنسان : ولد الناس متساوون …

الأنتهاكات التي تمارس على المرأة السورية مختلفة حسب المناطق ويمكن تقسيمها الى3 مناطق :

1 -المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ، 2- المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش والجماعات الأسلامية المسلحة ،3- مخيمات اللجوء.

لن أدخل في تفاصيل المناطق جميعها لأن الحديث يطول، سوف أتناول وضع المرأة في ظل الحركات الأصولية فقط .

حسب التقرير السنوي للشبكة السورية لحقوق الأنسان حول أنتهاكات حقوق المرأة في سوريا تحت عنوان (المرأة السورية في لهيب النزاع)، يوثق التقرير مختلف أنواع الأنتهاكات الصادرة عن القوات الحكومية ومختلف الفصائل المقاتلة في سوريا. وبحسب التقرير فإن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) قتل ما لا يقل عن81 أمرأة ، بينهن 5 نساء قتلن رجما حتى الموت، وذلك في دير الزور والرقة وريف حماة الشرقي، فيما قتلت كافة الفصائل المسلحة الأخرى 255 أمرأة. كما يسجل التقرير تعرض ما لا يقل عن 6500 سيدة لتجربة الأحتجاز لدى الحكومة السورية، بينما أحتجز تنظيم داعش قرابة 486 سيدة، وأحتجزت فصائل أسلامية مختلفة 580، ماتت منهنن 3 نساء بسبب ظروف الأعتقال والتعذيب.

تقول نور الخطيب مسؤولة قسم المرأة في الشبكة: “حاصرت المرأة السورية نيران من مختلف الجوانب، إنها تدفع الثمن الأكبر، فقدت الأمان فقدت طفلها، فقدت زوجها، تعرضت للأعتقال، للعنف الجنسي، للزواج القسري، للجوء، للنزوح، للتصفية. يتوجب على المجتمع السوري والعربي والدولي رعايتها نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، إنها الضامن الرئيسي لعدم أنهيار وانحلال ما تبقى من المجتمع السوري”.

 ويشير التقرير الى أن مالا يقل عن 2,1 مليون أمرأة أصبحن لاجئات، أي ما يشكل تقريبا 35% من مجموع اللآجئين السوريين، حيث تعاني أغلبهن من صعوبات هائلة، ويعد العنف الجنسي السبب الرئيسي وراء هروب أغلبهن .

انتهاكات بحق المرأة

تتجلى الأنتهاكات الممارسة على المرأة في ثلاثة محاور أساسية :

  • الحق بحرية الملبس والحركة والتفكير، حقها بالوجود ككائن حر مستقل ومسؤول :

تعاني المرأة في ظل داعش من أنتقاص في حقوقها المدنية بطريقة لم يسبق لها مثيل،ويتم التعامل معها كوسيلة للمتعة والأنجاب فقط . كما تتعرض النساء في تلك  المناطق الى معاملة قاسية وتمييزية بما فيها الرجم العلني. يقول الأستاذ المتقاعد في الرقة محمود الأمين في حديث الى الشرفة : “أن أهالي المدينة فوجئو بتاريخ 19 تموز بمكبرات الصوت في المساجد تدعو السكان الى ساحة الملعب البلدي للمشاركة في رجم أمرأة قيل أنه ثبت عليها الزنى”. أما تهاني بارود فتقول : “أقتدت الى مركز داعش كالمجرمين، بسبب خروجي من المنزل بدون محرم وبسبب أن نقابي ليس على الدرجة الكافية من السماكة، وتلقيت ضربات على ظهرهي من إحدى النساء”.

كما أصدر التنظيم جملة من القوانين التي تعمق سيطرته، كان للمرأة الحظ الأوفر منها،  إذ فرض الخمار، ومنع الأختلاط والخروج من منزلها أو السفر دون محرم، بالإضافة إلى ارتداء اللباس الأسود بشكل كامل وعدم ارتداء الكعب العالي. كما بدأت داعش بأعتقال النساء المخالفات بعد إصدار ما يسمى بوثيقة المدينة: وهي وثيقة لتعريف أهل السنة والعشائر بالعقد الذي يربطهم بأبنائهم وأخوانهم المجاهدين، وتسعى لتجديد المبادئ الشرعية والقواعد الأسلامية التي تلزم الراعي والرعية.

جاء البند العاشر خاصا بالنساء مخاطبا إياهن: الى النساء الفضيلات الكريمات، الله الله في الحشمة والستر والجلباب الفضفاض، فالقرار في البيت وملازمة الخدر وترك الخروج إلا لحاجة ، أما المادة الثالثة عشر فهي بمثابة دستور مشيرة الى الفرق بين الأنظمة التي حكمت وبين تنظيم الدولة الأسلامية : أيها الناس لقد جربتم الأنظمة العلمانية ومرت عليكم الملكية فالجمهورية فالصفوية، وقد جربتوها وذقتم لوعتها وأكتويتم بنارها ، وها هي الآن حقبة الدولة الأسلامية وعهد الإمام أبي بكر القريشي وسترون بحول الله وتوفيقه مدى الفرق الشاسع بين الحكومة العلمانية الجائرة وبين إمامة قريشية أتخذت الولي المنزل منهجا لها).

عودة إلى الإمامة

إذن هي عودة الى الإمامة وحرب معلنة على العلمانية والدولة المدنية، ولكي تستطيع تطبيق هذه القوانين التمييزية بحق المرأة، شكلت كتيبة نسائية في الرقة هي كتيبة الخنساء وبقيادة المهاجرة التونسية أم ريان، مهمتها ملاحقة النساء اللواتي يخالفن القوانين. وفي مقابلة أجرتها مجلة سوريتنا مع عدد من أبناء الرقة، أوضح حسن المدرس السابق بأن التنظيم متشدد في التعامل مع المرأة وهذا التشدد ليس لتطبيق الشرع وإنما لممارسة سلطته والتحكم بالعباد، فالجهاد الحقيقي على جبهات النظام الذي يقتل منا العشرات بطائراته، بينما عناصر داعش يلاحقون الناس من أجل الدخان والخمار وغيره.

   2-جرائم الأغتصاب والتزويج القسري للطفلات :

 يجبر التنظيم الأهالي على تزويج طفلاتهن ،بغض النظر عن أعمارهن ،لعناصر التنظيم ، وجهاد النكاح، وبيع السبايا . ورد في تقرير لهيومن رايتس ووتش عن أنتهاكات داعش بحق نساء إيزيديات:

ليفا ، سيدة إيزيدية ذات 19عاماً ، حبسها مقاتل من تنظيم الدولة في منزله وحاول أغتصابها ، تقول ليفا: “حاول معاشرتي بالقوة وعندما قاومته قال لي سوف أقتلك” . كما نشر في مجلة التنظيم (دابق) وصف الإيزيديين بأنهم كفار ، يقول المقال : أخذ نسائهم كسبايا هو جانب راسخ من جوانب الشريعة الأسلامية، كما يصف المتشككين في هذه الممارسة بأنهم من ضعاف القلوب والعقول وبانهم من المرتدين عن الأسلام. فاطمة العبو فضلت الموت منتحرة على الزواج بالإكراه من أمير تونسي في داعش.

وما زالت الأدلة تتنامى على ممارسة التنظيم للأستعباد الجنسي حسب هيومن رايتس ووتش ، لقد قابلت سيفي في ملجا في كردستان العراق المتمتعة بحكم شبه ذاتي، وأرتني صوراً ليوم زفافها، كانت ترتدي ثوبا أبيض وتاجاً، وتميل على زوجها. قبلت سيفي الصورة وبدأت تبكي، لقد أطلق مقاتلو التنظيم الرصاص على زوج سيفي وقتلوه أمام عينيها قبل أختطافها، وبعد ذلك حبستها الجماعة مع ما يقرب من ألف سيدة إيزيدية وقامو بتزويجها في حفل زفاف جماعي حيث أستطاعت الهرب ليلا ً.

3 – الجانب الثالث من الأنتهاكات يتعلق بمجال التعليم :

حسب مقابلة أجرتها هالة قضماني لمجلة ليبيراسيون، تقول أم نبيل: “إنهم يريدون تطبيق قوانينهم في المدارس، إذ استدعي مدراء المدارس والمعلمون الذكور عشية أفتتاح المدارس إلى ديوان التعليم الذي أحدث في الرقة من قبل التنظيم،لكي ينظر بأمر وضع برامج تعليمية جديدة تتوافق مع تعليمات الشريعة الأسلامية، وطلب فصل الفتيات عن الفتيان، وعندما قال أحد المدرسين باستحالة الموضوع لعدم وجود مبان كافية وخصيصا في التعليم الأبتدائي، رد مسؤول التعليم قائلاً : “بلا ما يتعلموا الإناث! كذلك وفقا لنفس المقال، جاء وصف سارة، التي أضطرت للتنقب وأستعارة هوية قريبتها، والطلب الى ابن عمها بمرافقتها، كي تتمكن من السفر الى اللآذقية لتقديم فحص البكالوريا حيث لا يوجد مركز رسمي للأمتحانات في الرقة، وليس لديها محرم قريب فإخوتها في دول اللجوء .

 أصوات مبشرة

هذا غيض من فيض تعيشه المرأة من أنتهاكات لحقوقها وكرامتها ، وفي المقابل فإن أصوات الناشطات النسويات المنددات بكل هذا الأجرام بحق المراة، بقي ضعيفاً، ولعل أهم تلك الأصوات كان صوت الناشطة سعاد ن وفل، سعاد كانت من أوائل المتظاهرات ضد وارثي الأستبداد في مدينة الرقة أي دولة النظام الداعشية، كما تسميها، حيث رفعت اللآفتات وشاركت في كل التظاهرات التي شهدتها المدينة ضدهم. بعد رحيل قوات النظام عن المدينة، بدأت تتظاهر منفردة وتختار كل يوم عبارة تخطها على لافتتها الوحيدة وتحملها الى السوق إلى ان تصل الى مقر داعش، حيث تعتصم أمامهم وسط تهديدات يومية. إذ كتبت: الثورة فجرها الشرفاء، يسرقها اللصوص، أين أنتم من مجزرة الغوطة، ناموا في القصور أحرسوا المخطوفين والغنائم. أهم مافي لافتات سعاد أنها تخلخل الأساس الديني الذي تستند عليه داعش لتثبت مشروعها. سعاد اليوم أصبحت رمز قوة المرأة السورية التي تقاوم على عدة جبهات: النظام ، داعش والسلطة الأبوية.

كذلك هناك العديد من المنظمات الكردية التي أعلنت القتال ضد داعش، أكثر من ألف أمرأة كردية تقاتل في كوباني الى جانب القوات المشتركة، حسب تصريح هبون ديريك القيادية في وحدات حماية

المرأة الكردية لإذاعة العراق الحر، وتؤكد آسيا عبد الله الرئيسة المشتركة لحزب الأتحاد الديمقراطي الكردي السوري ، أن مقاتلات وحدات حماية الشعب يحاربن الأرهاب نيابة عن نساء العالم .

كذلك ، تجربة رزان زيتونة وسميرة خليل في دوما، حيث يسيطر زهران علوش، وإصرارهما على المشاركة في الحياة العامة والواجبات اليومية لمجتمع محاصر محروم من أبسط حقوق العيش. رفضهما للحجاب وقيامهن بتنظيم العمل العام، بعد توقف مؤسسات الدولة عن ممارسة مهامها، من تنظيف الشوارع، الى توزيع المساعدات الغذائية، ومحاولة تعليم النساء مهن يدوية صغيرة. كتب ياسين الحاج صالح في الحياة:(امرأتان حرّتان، تبادران إلى العمل العام في بيئة محافظة باحترام لهذه البيئة، لكن من دون التخلي عن مظهرهما كامرأتين متحررتين، مظهرهما مكون لهويتهما ودورهما كممثلتين لمشروع عام مغاير. هذا يبدو تحدياً لسلطة بطريركية تخسر أساس نفوذها إن لم تمتثل لها النساء،في المظهر، وفي المثال الشخصي، وفي نشاطهما الفعلي، سميرة ورزان أمثولتان لحرية لا يطيقها المركّب العسكري الديني النافذ اليوم، ولا المعارضة التقليدية التي لم تدافع عنهم).

كل ذلك أدى الى أختطافهما من قبل زهران علوش، وما زالتا مختطفتان.

على الصعيد العربي كان صوت السيدة هناء أدوار،سكرتيرة هيئة الأمل في العراق، من أهم الأصوات التي نددت بالتطرف وضرورة تجنيب النساء مظاهر العنف، مشددة في الوقت نفسه عن عدم تنازل المنظمات عن الحقوق المدنية التي أعطاها الدستور للمرأة كمواطنة عراقية.

ميرفت التلاوي رئيسة منظمة المرأة العربية، تعتبر داعش اسوأ أنواع الحروب في المنطقة، فعندما تريد أن تهدم شعوبا فما عليك سوى أن تسيطر على عقل المرأة وتعود بها الى عصور الظلام، فما تقوم به داعش من ممارسات وجرائم يعتبر إهانة بحق الدول العربية، فالنخاسة مثلا ًجريمة في حق الأنسانية، تقول التلاوي:”ولذلك سأحاول التقدم بشكوى الى محكمة الجنايات الدولية لملاحقة داعش”، حسب حديث أجرته مع محطة الآن وجريدة اليوم السابع.

وختاماً، حماية المرأة وضمان حقوقها يبدأ بأيام السلم عن طريق تغيير القوانين المحلية، رفع تحفظات الحكومة عن الأتفاقيات الدولية، دمج مفهوم المساواة بين الجنسين في طريق عمل المؤسسات الحكومية والمناهج المدرسية. اعداد البرامج الكفيلة بتغيير الصورة النمطية للمرأة، ويستمر في زمن الصراعات والحروب لأن قضية الحرية لا يمكن تجزئتها، وهي قضية عدالة، لا ديمقراطية ولا حرية، دون مشاركة المرأة وحصولها على المساواة الكاملة.

طريقنا طويل، وطويل جداً، والمرأة السورية بحاجة لدعم المجتمع الدولي، من حق النساء السوريات أن ينظمن أنفسهن للمطالبة بحقوقهن، لديهن الحق وعليهن تقع المسؤولية، مشاركة المرأة في حل ما يعيشه الوطن السوري هي ضمان حقيقي لترسيخ أسس الديمقراطية والعدالة في سوريا الجديدة .

أول الدرب خطوة وزهرة واحدة لا تصنع ربيعاً ، لكنها تبشر بقدوم الربيع!

 خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »