Search
Close this search box.

الأم السورية في عيد الأم

الأم السورية في عيد الأم

منى أسعد

عبق الذكريات هو ما تعتاش عليه الأم السورية الآن، ففي مثل هذا اليوم من كل عام كان الأبناء والأحفاد يجتمعون في بيت العائلة بفرح عامر، ليقدموا لأمهم هداياهم المغلفة بمشاعر الحب والامتنان والإكبار.

ثلاث سنوات مضت من التدمير والتهجير والقتل الجماعي اليومي والنزوح واعتقال الأبناء والبنات، ثلاث سنوات من الحصار والتجويع المتعمد والذي أودى بحياة العشرات وربما المئات، كل ذلك حوّل الأم السورية إلى نازحة في المخيمات، أو مهجرة بلا معيل في بلاد الله الواسعة، أو أم لمعتقل أو أم لشهيد وربما أكثر، أو زوجة مخطوف لا تعلم إن كان ميت أم حي. 

ثلاث سنوات من عمر العطاء والتضحيات والأم السورية الصابرة الصامتة، تتضرع إلى الله برعب وخوف، بصمت وصبر، ليحمي المتبقي لها من أولادها وان يعيد إليها المعتقلين منهم والمخطوفين. فمنذ ثلاث سنوات والنظام السوري يقوم بتنفيذ حملات واسعة النطاق من الاعتقالات التعسفية، التي طالت ولا تزال، مئات الآلاف من المدنيين من نساء ورجال وأطفال، واحتجازهم بأماكن معزولة عن العالم الخارجي لأشهر وأحيانا لسنوات في مراكز احتجاز لا ترقى لأدنى معايير حقوق الإنسان والمعايير الإنسانية. ومن ثم تعريضهم بشكل ممنهج لكافة أنواع التعذيب، هذا بالإضافة إلى اعتماده سياسة التجويع والإهمال المتعمد للمحتجزين والتي أودت بحياة الآلاف من المعتقلين، كما تشير التقارير الموثقة  الصادرة من منظمات حقوقية سورية ودولية.

حسب أرقام هيئة الأمم المتحدة، هناك ما يزيد عن 7000 سيدة بينهن 1000 طالبة جامعية تم اعتقالهن منذ بداية الثورة السورية في فبراير 2011. في حين تقول هيومان رايتس ووتش في إحصائياتها “أن هناك أكثر من 6400 امرأة سجينة رأي لمشاركتها بالمظاهرات أو بالحملات الإغاثية”.

وقد سجلت قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية، بلوغ عدد الشهيدات حتى تاريخ 19/2/2014 حوالي 10389 شهيدة من بينهم 2416 شهيدة في حلب و2059 من ريف دمشق.في حين تعرضت أكثر من 6,000 امرأة سورية للعنف القائم على الجنس.

وتؤكد “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الصادر بتاريخ 15 حزيران 2012: حول “الاعتداءات الجنسية في المعتقلات السورية” أن “قوات الأمن تعتدي على النساء والفتيات عند مداهمة البيوت وإنّ القوات الحكومية السورية استخدمت العنف الجنسي لتعذيب الرجال والنساء والصبية المحتجزين في سياق النزاع الجاري. كما قال الشهود والضحايا لـ هيومن رايتس ووتش أنّ الجنود والمليشيات المسلحة الموالية للحكومة قد أساؤوا جنسياً للنساء والفتيات حتى سن 12 سنة أثناء الغارات على المنازل والمداهمات العسكرية للمناطق السكنية”.

هذا من جانب القوات الحكومية، أمّا من جانب فصائل الجهاديين التكفيريين- داعش وإخوتها- فقد أوجعت تلك الجماعات الأم السورية كثيراً ولا تزال، من خلال تعريض أبنائها للخطف والاعتقال التعسّفي والتعذيب، بالإضافة إلى إلغاء الحرية الشخصية ليس فقط في الرأي والتعبير، بل كذلك في الملبس والحركة وحق العمل والتنقل، وبالطبع إلغاء أي شكل من أشكال المساواة والجندر. وقد تناقلت أنباء غير مؤكدة وجود قرابة ألف معتقلة ومعتقل في أحد الأمكنة التي تمّ تحويلها إلى سجن/ مقر احتجاز دائم/ في الرقة الخارجة عن سيطرة النظام. وجميع أولئك المعتقلين والمعتقلات لديهن أم وزوجة وابنة تتحرق شوقا وخوفا عليهم

في هذا الواقع السوري لا يسعنا إلا أن نتساءل عن أي عيد نتكلم؟ وأي أم تلك التي ستحتفل بهذا العيد أو تتقبل الهدايا التي يمكن أن تقدم لها؟ وهي التي نحتت بصبرها وتضحياتها مثالاً يحتذى على مستوى العالم في صنع الحياة والتغلب على ظروف القهر والحرمان والقتل التي صنعها النظام السوري خلال سنوات الثورة الثلاث.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »