ورشات شمس 2- مع الزميل أسامة عاشور: هل يمكن لرجل أن يكون نسوياً؟

ورشات شمس 2- مع الزميل أسامة عاشور: هل يمكن لرجل أن يكون نسوياً؟

الورشة الثانية – السبت 10 آذار 2018 بين الساعة 8-10 بتوقيت دمشق

هل يمكن لرجل أن يكون نسوياً؟

منسقة الورشات: خولة دنيا

أسامة العاشور مواليد مدينة حلب 1960، مهندس ودبلوم صناعات غذائية / جامعة حلب. مقيم في ألمانيا 2014.

النشاط المهني: مدير الجودة في شركة غولف مولر 1999- 2013، عضو هيئة المواصفات والمقاييس السورية 2005، مدرب ايزو شركة SQC .

النشاط السياسي: معتقل حزب العمل ( 1982 – 1998)،اعتقالات متفرقة 2002 – 2007 – 2008-2013

النشاط المدني: عضو جمعية تنظيم الاسرة السورية 1981- عضو جمعية احياء العلوم عند العرب 1999- عضو الجمعية السورية لحقوق الانسان 2000-عضو مؤسس منتدى المجتمع المدني حلب 2001- عضو لجنة العمل الوطني حلب 2001- عضو اعلان دمشق 2005- عضو مبادرة أهالي حلب 2012- عضو شبكة المرأة السورية 2013- مشارك في صياغة النظام الداخلي للشبكة 2014-2015- عضو اللجنة القانونية للشبكة دورة أولى 2015-2017 – عضو اللجنة القانونية للشبكة دورة ثانية 2017-2019 – ممثل الشبكة في التجمع الديموقراطي العلماني- عضو لجنة الدراسات في الحركة السياسية النسوية السورية 2017 – عضو فريق دعم اللاجئين التابع لمدينة نيدا – المانيا – مهتم بالدراسات السياسية والنسوية

هل يمكن لرجل أن يكون نسوياً؟

الجزء الأول

سيرة غير ذاتية

هل النسوية تربية أم تثقيف ذاتي ؟

أسامة العاشور

حظيت في طفولتي كأي ابن بكر ذكر سيُورِث أباه ما يُكنّى به وسيَرث اسم العائلة وتراثها وأملاكها وسيورثه لمن بعده من الأحفاد باهتمام ورعاية خاصين منحاني توازناً نفسياً وقوة سأعود الى المتّح منها كلما واجهت صعاباً وخيبات، وبعد ثلاث ذكور شهدت عائلتنا قدوم البنت الأولى التي لوّنت حياتنا بالبهجة وتصادف ذلك مع ترقى والدي في منصبه الوظيفي فأضاف الى معنى الفرح بالأنثى الإحساس بالسعة واليسار وبالمكانة الأعلى ولم تنقص لدينا أبداً شيء من هذه المشاعر عند قدوم أخواتي الثلاث بعدها وحتى عندما انتزعني قدري من أولى مراحل مراهقتي وحمّلني مسؤولية العائلة بسبب رحيل والدي المبكر، والذي كان يوصيني دائماً (كن نبيلاً، فالنبيل لا يستسلم أمام الصعاب، ولايساوم على مبادئه). قدمت لنا والدتي مثالاً نسوياً مميزاً في مواجهة المحنة التي حلّت بنا، فاستأنفت دراستها وظفرت بعمل يوفّر بعضاً من كفاف يومنا وتحملت مسؤولية العائلة داخل المنزل وخارجه وبعين دامعة وقلبٍ حانٍ وكبرياءٍ قل نظيره واجهت كل المنعطفات الكارثية التي مرت وستمر على عائلتنا لاحقاً (ليس أقلها أن خمسة من ابنائها وبناتها كانوا في مرحلة ليست بالقصيرة في سجون النظام). بدأ تكويني الفكري مبكراً بإحساس عال بالظلم الممزوج بالتمرد وكانت الماركسية النقدية هي وجهتي الأولى حيث التمرد الفكري يتضمن أيضاً التمرد الاجتماعي والسياسي الذي تبلورمن خلال منتوج الحلقات الماركسية؛ فرابطة العمل؛ فحزب العمل الشيوعي. ورغم وعورة مسار معارضة السلطات القامعة مجتمعة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، ورغم تباينها في عديد من الأمور فإن موقفها من المرأة كان موحداً وكاشفاً ومدفوعاً إلى حدّه الأقصى في النظرة الدونية للمرأة وإنكاره لحقوقها وأهليتها.

في خضم المعارك الثقافية في منتصف السبعينات تفتح وعيِّ الأول بالنسوية بكتاب “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة”(1) الذي ربط بشكل مبدّع بين تغير أشكال العائلة وتغيير البنية الاقتصادية للمجتمع، ومن ثم نضالات وكتابات النسويات الاشتراكيات الديمقراطيات ضد الحرب والتمييز بين العمل المأجور (القابل للتبادل في السوق) والعمل المنزلي (غير المأجور) مما يجعل المرأة الأكثر اضطهاداً واستغلالاً لأن عزلتها ضمن العائلة يحرمها أيضاً من الانتظام في وحدات كبيرة للدفاع عن حقوقها، بعكس العمال الذين ينتظمون بفضل تجمعهم في نقابات وأحزاب ويطالبون بحقوقهم. ومن ثم كتابات كلارا زتكين”أول إمرأة برلمانية” التي لخصت معاناة المرأة (إن أدت المرأة واجباتها الأسرية الخاصة يتم استبعادها من الانتاج وإن شاركت بالإنتاج لا تستطيع تأدية واجباتها الأسرية). و كتابات الكسندرا كولونتاي أول وزيرة لأول حكومة اشتراكية في العالم عام 1917التي كانت محركة لقرارات (إعطاء المرأة حق التصويت والمساواة القانونية، التعليم للجميع، تجريم ضرب الزوجات “لأول مرة في التاريخ”، إنشاء عيادات وحضانات ومستشفيات ولادة وأقرت اجازة رضاعة وإجازة أمومة مدفوعة الأجر. ونظمت حملات ضد حصر دور المرأة في العمل المنزلي، وبُنت كميونات سكنية للمطلقات والمعنفات وفاقدات المعيل) وكانت تردد ما يحد طموحنا ليس الإرادة السياسية ولا الفكر الحر ولا ضعف التخطيط وانما الوضع الاقتصادي المهترئ الذي ورثته الثورة. كما طرحت ضرورة الاستفادة من الأدب لحل التناقض بين العمل والحب وبين العاطفة المتأججة والاستقلال. كما تعزز وعي النسوي لدي في هذه الفترة بكتابات نوال السعداوي وكل ما وصلت له يدي من الأدب العالمي ولكن عندما صفقت بطلة فيلم بيت الدمية(2) الباب ورائها لم تصفع الوعي والضمير الاوربيين فقط بل صفعت بشكل أعمق وبقوة ربما أكبر وعي الذكوري كله .

في أوائل ثمانينات القرن الماضي وحتى نهاية تسعيناته رزحت تحت سجن مديد لستة عشر عاما ونيف في عديد من الفروع والسجون كانت نهايتها في سجن تدمر في مسار أشبه مايكون بجحيم دانتي. زادت وعيِّ وادراكي للمسار المجتمعي المعاق بفعل قوى مستبدة ومتخلفة حاكمة قامت بإلغاء السياسة من المجتمع وكل ماهو مدني وحضاري وإنساني في الثقافة والوعي الجمعي السوري لصالح ولاءات عضوية وما قبل وطنية تفتيتية ومنغلقة ومتشددة. وفي عام 2000 أكمل الابن ما بدأه الأب لأن (السلطة الوراثية المستبدة) تعريفاً هي: (سلطة مطلقة عائلية تستملك الدولة بعناصرها الثلاث الاقتصاد – الادارة – العسكر الذي هو “حرس بريتوري” ولاؤه للحاكم وليس للدولة، والرأسمالية التي تتطور في ظل هذه السلطة هي رأسمالية محاسيب تتطور على حساب رأسمالية السوق وتدفع للحكام ريع نقدي). فكان لابد لأي عمل سياسي منتج أن يتأسس على العمل المدني وضرورة البدء بإعادة الاعتبار للمواطنة والبحث عن عقد اجتماعي جديد قائم على الحرية، فانخرطت في حراك تأسيس لجان أحياء المجتمع المدني، فإعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي، فانطلاق الثورة السورية في 2011 حيث (..أُدرجت قضية المرأة في التصوّر الإستراتيجيّ للتحوّل الديمقراطيّ، وبدأت قضية الحرية والاستقلال تشقّ طريقها بصعوبةٍ وبطءٍ، بحكم تراكمات العقود السابقة وآثارها)(3) وبعد انقطاع قسري طويل عن القراءة قرأت الكتب الأهم في تاريخ النسوية في مرحلتها الثانية والثالثة.

وأثناء الثورة هالني أن المرأة أول ما تدعى للمظاهرات والتضحيات والدعم والصبر على تحمل كل أعباء النضال؛ ليس سياسياً وحسب؛ بل مجتمعياً واقتصادياً وأخلاقياً أيضاً. وأول ما يتم التخلي عنها عند التخطيط أو التفكير أو رسم السياسات أو التمثيل أو اتخاذ القرار وأول من تعاقب مجتمعياً بالتخلي عنها وتعييرها بسيرتها وسمعتها عندما تقع فريسة القمع الأمني سجناً أو تعذيباً أو اغتصاباً.

واستمراراً للوعي المدني ضمن الثورة، ارتأيت أن أنتمي إلى اتجاه أخلاقي سياسي يرفض التهميش والإقصاء ويرى “أن المرأة ليست فقط أماً أو زوجةً أو أختاً لرجل (حي أو شهيد) بل هي إنسانة قبل كل شيء ولا ثورة بدون تحرير المرأة بل الثورة أنثى وتاء التأنيث لم تعد ساكنة” وفي سوريا الثورة “لا تخرج المرأة من ضلع الرجال، بل تسقط من رحم السماء،”(4)

ومن هنا كان انتسابي لشبكة المرأة السورية 2013 والحركة السياسية النسوية السورية 2017 في بداية انطلاقة كلا منهما…

———————————————————-
الهوامش:
(1) الكتاب ل: فريدريك انجلز

(2) حضرت فيلم بيت الدمية في سينما الكندي بحلب عام 1980، وهو فيلم مأخوذ عن مسرحية بيت الدمية التي كتبها المسرحي النروجي هنريك إبسن عام 1879، حيث تنتهي الرواية بترك البطلة نورا زوجها وأبنائها بحثاً عن ذاتها لأنها عاشت كل حياتها كدمية يُلعَب بها من قِبَل والدها أولاً ثم من قِبَل زوجها. حرصاً على مصلحة وسمعة الأسرة ورأت أن أولى واجباتها هي تجاه نفسها، وأنها لا يمكنها أن تكون أم وزوجة صالحة دون أن تتعلم كيف تتخلص من دور الدمية.

(3) جاد الكريم الجباعي.

(4) افتتاحية العدد 26 من مجلة سيدة سوريا.

هل يمكن لرجل أن يكون نسوياً؟

الجزء الثاني:

الرجل النسوي والرجل السوي

أسامة العاشور

بعد 226 عاماً على انطلاق الحركة النسوية العالمية، وفي ذكرى اليوم العالمي للمرأة 2018 صرح الأمين العام للأمم المتحدة “إننا نعيش في عالم يهيمن عليه وعلى ثقافته الرجال”.

لقد اعتاد الرجل، تاريخياً، على احتلال الفضاء العام. ويساعده في ذلك صوته الذي يعلو، بيولوجياً، على صوت المرأة كما اعتاد على اعتبار رأيه صواباً مطلقاً وإعطاء الأولوية لتجاربه، مع تجاهل التجارب الخاصّة بالمرأة، والتي غالباً ما يصعب عليه فهمها، ويشعر غريزياً بميله إلى التحكّم ورغم ذلك يعتقد الكثير من الرجال النسويين أن تأييدهم لمطالب النساء أو بعضها ستنقذ النساء من سطوة الذكورية. في حين لا يواجهون أبناء جنسهم عندما يتهمون النساء، في مجالسهم الخاصة وفي الفضاء العام بالمبالغة والعاطفية و”الهسترة”، ونقص العقل والدين.

 ولكن ما معنى ان يكون الرجل نسوياً؟ 

باعتقادي أن يكون المرء نسوياً هو أن يتخلى عن الامتيازات الذكورية ويقر بلا مشروعيتها ولا موضوعيتها وإن استمراريتها ظلم تاريخي وراهن تتعرض له النساء من الذكور أنفسهم تدفع المرأة الى الاضعاف والتهميش وهذا يتطلب الانحياز للفرد الإنسانيّ، متجسداً بأنثى و ذكر، متساويان في الكينونة والوجود والقيمة وليس قانونياً فقط.

الرجل النسوي و النظام الأبوي:

لم يكن حلول الإله الذكر العنيف المتجبر المنتقم في (العهد القديم) محل إلهة الخصب والعطاء والجمال والحكمة الأنثى، وحرمان النساء من الأدوار المقدسة وإنزالهن منزلةً أقلّ من الذكر الذي اختص بمرتبة الإله، والنبي، ورجل الدين والامام والولي والوصي والقاضي؛ إلا انعاسكاً علوياً لصورة النظام الأبوي الأرضي الذي ترافق مع تزوير منظّم للتاريخ، وتحويل كل الإنجازات الأنثوية إلى الرجال، والحطّ من قيمة النساء، و تقويض ثقة المرأة بنفسها وتدشين أنماط تاريخية من السلطات الأبوية يتنوع فيها الاستبداد ويتكرس فى مؤسسات اجتماعية وسياسية وفكرية ودينية. ضمن بنية هرمية تمارس التمييز وتوزع الأدوار على أساس الجنس والسن، لنشهد أنماطاً متنوعة من الذكوريات، “الذكورة المهيمنة” و”الذكورة الخاضعة ” ويبرز تسلط الرجل على المرأة وتسلط الكبير على الصغير .

الرجل النسوي والمجتمع: 

ليس سراً أن العديد من الرجال يكرهون النسوية والرجال النسويين بحكم التمسك بالامتيازات الذكورية والموقع السلطوي، ويعتقدون أنه كلما زاد اضطهاد الذكر للأنثى زادت مكانته في النظام الأبوي، لأن العلاقات الاجتماعية بين الزوج والزوجة، والأب والأبناء، علاقات تراتبية هرمية لا تختلف عن نمط العلاقات السائدة بين السائس والمسوس، ربّ العمل والعامل، المعلم والمتعلم، الشيخ والمريد.

وكذلك لاتثق شريحة من النساء بالرجل النسوي مهما أبدى من تعاطف أو دعم للقضية النسوية بحكم الثقل التاريخي للاضطهاد، وشيوع النماذج السائدة المكرسة للقمع والتهميش، والرجل بنظرهن يظل سلطوياً في جوهره وما يميز الرجال عن بعضهم هو درجة التسلط وليس مبدأ التسلط.

وهناك أيضاً جزء من النساء يرفضنَّ كلياً انحياز الرجال إلى القضية النسوية ومطالبتهم بحقوق المرأة لأنهم يرفضون النسوية أساساً وينحازون لاستمرار اضطهاد المرأة مستبطنين الوعي الذكوري السائد عبر إقناع المرأة أنها أقل قيمة، وأنها عاطفية ومتسرعة وهوائية ومن حق الرجل أن يتملّكها ويتسلط عليها، ويعتبرها أداة جنسية للمتعة وإنتاج الأطفال وليس لرغباتها أهمية، والعنف ضدها مستساغ.

و يرى البعض الآخر أن الرجل يمكنه أن يكون داعماً لحقوق المرأة في أفضل الأحوال ولكنه لايمكن أن يكون نسويًّا؛ لعدم قدرته على فهم ما تمر به المرأة وتعانيه.

هل من السهل أن يكون الرجل نسويّاً؟

السلطة الذكورية كالسلطة السياسية حساسة جداً لعدم الأمان وتتوجس دوماً قلقاً وخيفة من فكرة الانشقاق الذي ينذر بتصدع الهيمنة وهواجس الثورة، ولذلك ينظر الرجال الى نظرائهم المناصرين لقضايا المرأة بأنهم منشقون خانوا “طبقتهم” ومصالحها.

ينطلق الكثير من الرجال في تصرفاتهم عن “فوبيا النسوية” لاعتقادهم أن هدف النسوية هو إقصاء الرجال والانتقام من القمع الذكوري المديد بقمع يفوقه عمقاً وأثراً لأنه مستند إلى الكيد وليس إلى العضلات.

منطق الذكورة هو منطق الإلغاء ( إما …أو) (الذكر إما أن يكون مستعبِداً أو مستعبَداً ) وبالتالي يعتقد كثير من الذكور أن لم يكن هدف النسوية جعل التفوق الإنثوي هو القاعدة (أي الاستعباد) فإن منافسة المرأة الرجال على الفرص المحدودة أصلاً في مجالات التعليم والعمل والمشاركة في الشأن العام (أي استبعاد) الذي سيفضي تلقائياً إلى (الاستعباد) وبالتالي يرون في الحركة النسوية ومؤيديها من الرجال خطراً وجودياً داهماً يجب مقاومته بكل قوة.

يشكك كثير من الرجال في دوافع نظرائهم الرجال المناصرين لقضايا المرأة بل قد يجده البعض انحرافاً عن الفطرة السليمة “ذكورة خاضعة ” ولسان حالهم “حين لا يستطيع الرجل أن يحفر مكانًاً له ويغرز علماً لانتصاره يبدأ بمناصرة الحركات النسوية.

-صعوبة الالتزام الاخلاقي بقيم العدالة: فليس لدى كثير من الرجال أي استعداد لمراقبة المزايا التي أعطيت للرجل على مدى التاريخ منذ سيطرة المجتمع الأبوي ولا رفض فكرة ” الفحولة الذكورية العنصرية التي تعتبر انه على الرجال أن يكونوا دائماً الأفضل والأقوى.

لكي يكون الرجل نسوياً لا يكفيه رفض النظام الابوي بل يجب عليه أن يسمح للنسوية بالعمل على نفسه أيضاً ومراقبة التحيزات الذكورية الخاصة به خطاباً وممارسة ويتحسس ويعقل ما تعانيه النساء وبمجرد اقتناع الفرد بأن يعدّل سلوكه ويجنب الآخرين الألم سيرفع عن النساء الكثير من الضيم وسيساهم ببناء وضع ومستقبل أفضل، وطبعاً هذا دونه مقاومات نفسية ومجتمعية كبيرة ليس من السهولة تجاوزها.

ولكن “الطبيعة الذكورية للمجتمع وثقافته وأخلاقه هي التي أوصلتنا الى المأزق التاريخي الذي نحن فيه وتمنعنا من الاستقلال والتقدم والتطور فإذا كانت الحداثة المعولمة قد أضعفت النظم الأبوية وأفقدتها تجانسها عبرتشظي سلطة الأب فى بعض المواقع الاجتماعية.

ولكن النظام الأبوي يؤثر في الحداثة أيضاً ويضعفها عندما يزيد من فجوة عدم المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بين الرجال والنساء وازدياد العنف بكل أشكاله ضد المرأة بشكل يهدد تطبيق كل حقوق الانسان الأخرى
أن الذكورة تعبير عن إنسانية ناقصة وما لم توضع الأنوثة في منزلة الذكورة المستندة إلى وحدة الجنس البشري بغض النظر عن الدين والمعتقد والجنس والعرق والثقافة واللون سيبقى الاندماج المجتمعي ناقصاً والعدالة غائبة.

إن الحركة النسوية التي تناضل ضد كل النزعات السلطوية والعسكرية والطغيان الاقتصادي والطغيان الأبوي خارج المنزل وداخله هي منطق التاريخ الذي وعى نفسه وهي وجهة المستقبل القادم، والانحياز لها هو انحياز للعدالة الاسمى وهي وحدة الكائن البشري والإنسانية فالرجل السوي هو الرجل النسوي.

الجزء الثالث:

حوار  مع الزميل أسامة العاشور حول النسوية:

أ‌- كيف أصبحتُ نسوياً

ب‌- هل يمكن للرجل ان يكون نسوياً

ت‌- ما هي مواصفات الرجل النسويّ

ث‌- هل من السهل ان يكون الرجل نسوياً

وفيما يلي مجريات الحوار :

س- رحاب شاكر:

هل برأيك ثمة حراك نسوي فعلي نشأ بين السوريات ضمن الحراك الثوري العام؟


ج- أسامة العاشور:

شكراً رحاب على هذا السؤال الهام لأنه تأسيسي وعليه يبنى الكثير.

الحراك النسوي قائم ومستمر ولم يتوقف منذ بزوغه محايثا للنهضة الفكرية والثقافية العربية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر في منطقة سورية الطبيعية ويتطور ويتعزز وصولأ الى اليوم.

الحراك النسوي السوري يمكن اختصاره بطموح النساء وجسامة التضحيات ونكوص الواقع، الحركة النسوية مغيبة وليست غائبة بسبب أن معيار الاعتراف والقبول بالحركة النسوية معياراً ذكورياً وهو (تحديد قيمة وأهمية الحراك النسوي الاجتماعي بمقدار خدمته للسياسي أو الوطني حسب ما تحدده السلطة الذكورية واستبعاد هذا الحراك عندما يعكس المطالب النسوية الخاصة) وعليه بمقدار ماكانت الحركة نسوية ومدنية واجتماعية ولاتتطابق مع تعريف السلطة الذكورية للوطني السياسي الذكوري، فيتم تهميشها من التاريخ والتأثير والاعتبار وبالتالي نرى الحراك النسوي رغم حضوره واقعياً وتاريخياً فإنه يبدو مهمشاً وضعيفاً وغير معترف به سياسياً وقانونياً، ومعتماً عليه تاريخياً. وطبعاً إلى الآن لم يكتب التاريخ من وجهة نظر نسوية أو حتى منصفة.

المنظمات النسوية بعد الثورة:

الحركة النسوية قبل الثورة كانت معتقلة في تنظيمات حكومية كالأتحاد النسائي العام (مقبرة النساء على حسب تعبير الجباعي) أو شبه حكومية خاضعة للمراقبة الأمنية وفي الهامش المحدود جداً كانت تعمل (رابطة النساء السوريات).

أطلق الحراك النسوي إرهاصات البدء بالثورة مظاهرة النساء 15/3/2011، شاركت النساء في المرحلة السلمية في المظاهرات والتنسيقيات في أغلب المدن السورية وبروز أيقونات الثورة. ومنهن رزان زيتونة وسميرة الخليل وفدوى سليمان وغيرهن كثيرات.

ووفق مسح معمق نشر آذار (2017) تحت عنوان “منظمات المجتمع المدني السورية الواقع والتحديات”، فإنّه يوجد حالياً 261 منظمة نسائية تركز على الدعم النفسي والتمكين المجتمعي وتعليم النساء بعض المهن أو الحرف، كما تقدم الخدمات التوعوية والتثقيفية حول حقوق المرأة.

يوجد 70 منظمة تقدّم نفسها على أنها تعمل في مجال تمكين المرأة وتتخصص بدعمها ومناصرة حقوقها، أحصتها منظمة “مواطنون لأجل سوريا. “

المرحلة الثانية من الثورة دخول المرأة بقوة العمل المدني الإغاثي والتنموي والإعلامي والثقافي. الكم يفرز النوع فالدخول القوي للمرأة في العمل المدني أفرز حراكاً نسوياً مستقلاً (شبكة المرأة السورية – اللوبي النسوي –سوريات من أجل الديموقراطية. كأمثلة وليست نماذج  حصرية )

المرحلة الثالثة: تطور الوعي النسوي السوري مفرزاً في 2017  ولادة الحركة السياسية النسوية السورية .

والحراك النسوي يتطور في الداخل والخارج وأهم سماته في مرحلته الراهنة:

الاولى: ميل الحركة النسوية  الى التكتل والتجمع والتوحد وتشكلت لحد الآن تسع تحالفات وتجمعات نسوية أساسية وهي تعمل على المشاركة في المشاريع التنموية والمجالس المحلية، وفي عام 2017 وحده: تم تشكل المجلس النسائي في الجنوب السوري، وتشكيل مجلس المرأة السورية في (روج آفا)، وعقد مؤتمر للمرأة السورية في إدلب، ومؤتمر المرأة السورية الأول في الغوطة، وعقدت شبكة المرأة السورية مؤتمرها الالكتروني الثاني ومؤتمرين تشبيكيين لها في غازي عنتاب وبرلين ضم العديد من المنظمات النسوية السورية.

والميزة الثانية في 2017 هي وصول الوعي السياسي للحراك النسوي ذروة متقدمة وتوج بتشكيل الحركة السياسية النسوية السورية ودخول النسوية كقوة متمايزة عن التشكيلات السياسية الذكورية للمشاركة في الحراك السياسي العام بهدف تحقيق الانتقال السياسي الجذري القائم على أساس العدالة الانتقالية وبناء سورية المستقبل كدولة مدنية ديوقراطية موحدة قائمة على المواطنة الكاملة والمساواة الجندرية.

إني متفائل بالحراك النسوي السوري الذي وصل مرحلة جيدة من الوعي الذاتي ويتقاطع مع الحراك النسوي العالمي (الأكثر تفهما وقبولا) وسيترك بصماته على الحراك العام في سورية أكثر مستقبلا. وباعتقادي ان المنظمات النسوية السورية الجديدة ومنها شبكة المرأة السورية هي نتاج الثورة السورية وتعمل لتنظيم مشاركة النساء وتفعليها في مرحلة الثورة والمرحلة الانتقالية، ومرحلة سورية المستقبل، ومرجعياتها نسوية بالكامل، وهي المرجعيات الدولية المتوافق عليه عالمياً. وأما أهداف شبكات ومنظمات المرأة السورية وكيف تمت ترجمة هذه الأهداف واقعياً وماذاحققت وتقييم أدائها فله كلام آخر ومكان أخر.

س- تينا أبزك:

كيف يتخلى الرجل عن كل الامتيازات التي يتمتع بها في المجتمع الذكوري ليكون نسوياً؟

ج- أسامة العاشور:

ما يحضرني الآن ست تينا من كيفية تخلي الرجل عن الامتيازات الذكورية هو:

  • الانحياز الأخلاقي العميق ضد الظلم.
  • الاعتراف بأن الظروف التي تعيشها المرأة ليست متساوية مع ظروف الرجل، بسبب الرجل نفسه.
  • الاعتراف بالمساواة بين الجنسين في الكينونة والحقوق.
  • اعطاء الفرصة للنساء للكلام وشرح التحيزات ضدهن وفهم معاناتهن.
  • التثقيف الذاتي بمبادئ النسوية وأفكارها لأن التخلص من الهيمنة الذكورية وامتيازاتها ليس تلقائياً وعفوياً.
  • عدم ادعاء القدرة والفهم والعلم والتفوق والأحقية والأفضلية في الحكم والإدارة والتمثيل وإفساح المجال للنساء باتخاذ دورهن والتعبير الحر عن أنفسهن.
  • القبول بقيادة النساء ودعمهن وتعزيز ثقتهن بأنفسهن.
  • استخدام الموقع الذكوري لرفض الذكورية المهيمنة.
  • المشاركة بالأعباء المنزلية وتربية وتنشئة الأطفال على المستوى الأسري.

س- هازار عبيدو:

ما هو الدور الذي يمكن أن يمارسه الرجل لتحرير نفسه والمجتمع الذكوري من عقلية التسلط على المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها؟

ج- أسامة عاشور:

أولاً: دعونا نتفق أن الذكورة التي تعلي من شأن الذكر وتحط من شأن الأنثى، وتعتبرها كائناً أقل أو أدنى، هي تعبير عن إنسانية ناقصة, وما لم يتم اعتبار الأنوثة على أنها في منزلة الذكورة المستندة إلى وحدة الجنس البشري بغض النظر عن الدين والمعتقد والجنس والعرق والثقافة واللون سيبقى انتمائنا الانساني ناقصاً ومشوهاً.

ثانياً: باعتقادي أنه يتوجب على الرجل النسوي ليكون فاعلاً ومؤثراً، الانتماء فكرياً وعضوياً إلى الحركة النسوية التي تناضل ضد كل النزعات السلطوية والعسكرية والطغيان الاقتصادي والطغيان الأبوي خارج المنزل وداخله.

ثالثاً: تقديم نموذج إيجابي للرجل النسوي على المستوى الشخصي والعائلي والعملي.

رابعاً: مواجهة ومقاومة البنى الاجتماعية السائدة التي تحط من مكانة ودور المرأة. وباعتقادي أن الانحياز للنسوية هو انحياز للعدالة الاسمى وهي وحدة الكائن البشري والانسانية.

وعليه فإني أدعي ان الرجل السوي هو الرجل النسوي

س- صبا حكيم:

ماهي خطط المشاريع التي ستنفذها الشبكه في عام 2018 وهل هناك مواكبة بالمشاريع مع مايحدث في سوريا من تسارع أحداث وانعكاسه سلبا على المرأه السورية .مع تحياتي لك

ج- أسامة العاشور:

العزيزة صبا بالنسبة لسؤال ماهي خطط المشاريع التي ستنفذها الشبكة في عام 2018، وهل هناك مواكبة بالمشاريع مع مايحدث في سوريا من تسارع أحداث وانعكاسه سلباً على المرأه السورية. يمكن أن يوجه للجنة التنسيق والمتابعة
ولكني أعتقد أن شبكة المرأة السورية مثل باقي منظمات المرأة السورية هي جزء من منظمات المجتمع المدني السورية المحكومة بشرطي الحرب الذي يلغي أي تراكم وظروف بلد المركز الذي يفرض قوانينه على السوريين ويحد من دورهم ونشاطهم وحركتهم وتعمل الشبكة في مجتمع يعيش وضعاً كارثياً مشتتاً ومحطماً، ويعيش دماراً متواصلاً وظروفاً اقتصادية سيئة جداً، إلا أن روحه مشتعلة وما إن تخفت وتيرة القصف أو تفرض هدنة ما حتى ينتفض معبراً عن رفضه كل المستبدين من النظام وحلفائه الفاشيين والطائفيين أو من المنظمات الجهادية والتكفيرية الأصولية مطالبا بالحرية والعدالة في ظروف الحرب المفتوحة على الشعب السوري من قبل نظام قاتل وجيوش غازية وميليشيات ومنظمات مصنفة إرهابية ترتكب الجرائم بحق المدنيين ويغيب القانون و العدالة ويحتكم الى السلاح .

باعتقادي الأن المطلوب.

أولاً: العمل على وقف القتل والحصار وإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين والمغيبات والمغيبين لأنه بغياب حق الحياة تغييب جميع الحقوق.

ثانياً: العمل على توحيد الصوت النسوي المدني والسياسي .

ثالثاً: تمكين المرأة سياسياً وفق خطة الشبكة.

رابعاً: تمكين كوادر الشبكة على الإدارة والتنظيم.

الجزء الرابع:

سؤال الورشة: هل أنتن/م مع (الرجل السوي هو الرجل النسوي)؟

وفي نهاية اللقاء طرح الأستاذ أسامة العاشور السؤال التالي:

هل توافقون على ما خلصت اليه المقالة التي قدمتها سابقاً وهو (أن الرجل السوي هو الرجل النسوي)

سلمى هنيدي:  هي صحيحة 100%، شكراً أستاذ أسامة، ويعطيك العافية خولة.

وجدان ناصيف: طبعاً 100% ‏ ، شكراً أسامة .. يعطيك العافية

لينا الوفائي: شكراً أسامة ، والرجل السوي هو الرجل النسوي

مها جربوع: بالنسبة لي صفة “السوي” هي صفة مطلقة من الصعب تحققها..

أسامة العاشور: العزيزة مها هناك رأي شائع أن الرجل الذي يؤيد المبادئ النسوية هو رجل خان مبادئ الذكورة وهو شخص غير سوي وعليه كتبت المقال المنشور أعلاه  حول الرجل السوي والرجل النسوي.

حنان زهر: شكراً أستاذ أسامة على المعلومات المهمة، ولكل الذين شاركوا بالأسئلة المهمة.. أعتقد أن الرجل السوي هو الرجل المؤمن بالمساواة التامة بينه وبين المرأة إيماناً عميقاً وفعلياً ويتعامل معها على هذا الأساس.

دانية يعقوب: الله يعطيك ألف عافية.. تقديري

صبا الشويكي: الله يعطيكم ألف عافيةـ لسبب ما لم استطع متابعة الورشة بشكل مباشر ولكني قرأت كل المباحثات القيمه شكراً للأخ أسامة شكراً لكل المشاركات.

سناء حويجة: شكراً أسامة ..لقد تأخرت عن المتابعة، ولكنني لا أتفق معك بأن الرجل السوي هو الرجل النسوي ..لأننا جميعا لسنا أسوياء في هذه الظروف .

أسامة العاشور: العزيزة سناء أنا لا أصف شخصاً محددأ ولا أوزع شهادات بالسواء لأحد وإنما أحدد تعريفاً فلسفياً للرجل السوي هو الرجل الذي يضع الأنوثة في منزلة الذكورة المستندة الى وحدة الجنس البشري بغض النظر عن الدين والمعتقد والجنس والعرق والثقافة واللون. أما الرجل الذكر الذي يعتبر نفسه من جنس أعلى ويحط من شأن النساء ويعتبرهن جنسا أدنى فهذا تعبير عن إنسانية ناقصة وهو انحراف عن الطبيعة الإنسانية السوية والرجل النسوي عندما ينحاز للمساواة الكاملة في الكينونة والحقوق بين الجنسين، فهو ينحاز للعدالة الأسمى وهي وحدة الكائن البشري والانسانية فالرجل النسوي هو الاقرب لمطابقة المثال الانساني السوي الذي لايقبل التمييز ولا يبرره.

خولة دنيا: شكراً للجميع شكراً أستاذ أسامة. مع أني لا أتفق مع المقولة، لأن السواء أفهمها بمعنى الصحة النفسية والعقلية، ولكن هذه أيضاً تخضع لاعتبارات اجتماعية وثقافية ودينية، وكثيراً ما تترافق مع مفاهيم مسبقة حول السواء حسب البيئة والمجتمع..

أيضاً النسوية كمفهوم مختلف عليه كثيراً.. ولكني مع أن الذكر الذي يتمتع بمواصفات الرجولة الحقة يجب أن يكون معترفاً بالنسوية وبالمساواة والعدالة مع المرأة.

أسامة العاشور: العزيزة خولة هنا في المقالة أركز على  موقف الرجل من المرأة ونتسائل أي الموقفين التاليين هما  السوي والمتطابق مع المعايير الانسانية؟ هل الرجل المتسلط والقامع للمرأة والذي ينظر اليها ويعاملها ككائن أدنى أو كملكية خاصة هو التصرف المحمود كما هو متعارف عليه وفق المنطق الذكوري القائم أم الرجل الذي ينظر ويتعامل مع المرأة باعتبارها كائناً مساوياً له في الوجود والحقوق والواجبات ويعاملها كند كفء له يكن له التقدير ويعامله باحترام؟  واستطرادا لا أعتقد أن رجلاً لايحترم المرأة ككائن مساو له في الكينونة هو كائن سوي نفسياً وقد يكون متطابق مع المعايير الاجتماعية السائدة.

هازار عبيدو: شكرا لك استاذ أسامة

فريزة جهجاه: شكراً

سميرة زعير: الحقيقة أنا كنت متابعة معكم لأن العديد من الأسئلة المهمة كانت موجوده ….والله يعطيك العافية أستاذ أسامة ….أعتقد أن خولة هي تختم الورشة إن لم يكن لديها اسئلة.

خولة دنيا: سيتم تفريغ المادة ككل مع المواد التي قدمها لنا الأستاذ أسامة ليتم نشرها ضمن ملف واحد على موقع الشبكة وصفحات الشبكة كالعادة.. خلال هذا الأسبوع. ونلتقي بورشة جديدة مع زملاء/زميلات جدد لنتعرف أكثر على الحياة في جوانبها الأخرى لكل منا. محبات وكل الود والاعتزاز بكم/ن جميعاً.

أسامة العاشور: في النهاية أشكر كل الصديقات الرائعات اللواتي تابعن وشاركن في هذا الحوار الغني والممتع. أثمن المبادرة الذكية لورشات شمس لانها تشكل نافذة لإضاءة جوانب أخرى من تفكير واهتمامات الأعضاء وفرصة لتلاقح الأفكار والعصف الذهني وهي اضافة ايجابية وأتمنى لهذه الورشات التطور وأن تساهم في تطوير الشبكة كأداة للتفاعل الداخلي البناء وأتمنى أن يكون الحوار مفيداً والى لقاءات في حوارات قادمة تحياتي ومودتي.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »