سحر حويجة تكتب عن “المرأة السورية في ظل النزاع”

سحر حويجة تكتب عن “المرأة السورية في ظل النزاع”

سحر حويجة

تعتبر الحروب أحد أشكال العنف السياسي، يتولد عنها مباشرة، أشكال متعددة ومختلفة من أشكال العنف الأخرى لكن لا يوزع الموت بالتساوي في الحروب، بل ضحايا الحروب  من الرجال أكثر من النساء، باعتبارهم الطرف الرئيسي في القتال، وعليه في محصلة أي حرب، بالأخص الطويلة منها  نجد تأثيرها الكبير على التوزيع الديمغرافي للسكان من حيث الجنس، وما لذلك من التأثير الملحوظ على التوازن الاجتماعي في المجتمع، أما أبرز نتائج الحرب على النساء:  حيث تخلف الحرب نسبة كبيرة من النساء الأرامل، والنساء العازيات اللواتي لن يجدن زوجاً في المستقبل  ونتيجة لذلك تتحمل المرأة منفردة عبء تربية الأولاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وما يتركه من  انعكاسات نفسية كبيرة على المرأة والأولاد .

في الحرب نجد  إن العنف الجسدي وإزهاق الأرواح   ينال من جميع أفراد المجتمع، لكن العنف المعنوي والإيذاء النفسي  ينال من المرأة بشكل أكبر، إضافة إلى ذلك أثناء الحرب  تتزايد  وبنسبة كبيرة  اشد أنواع العنف ضد المرأة  منها : الاعتقال و الخطف، والاغتصاب، والاتجار بالنساء  والتشرد. إضافة لذلك تنتشر ظاهرة اللجوء والنزوح بسبب الحرب حيث تشكل النساء النسبة الأكبر فيها .

من أهم نتائج ما تم ذكره   إن مناهضة الحرب والعنف الناتج عنها تعتبر مصلحة حقيقية للمرأة، بهدف حماية الذات والعائلة وبالتالي المجتمع،غير أن إقصاء المرأة عن القرار سواء في البيت أو في مؤسسات الدولة يشل دورها .

لكن  الحرب ومهما طالت سوف تحط أوزارها، و المرأة سوف تحطم القيود الاجتماعية والتقاليد التي تمنعها من ممارسة الحياة العامة والخروج من البيت وستدخل سوق العمل في سبيل تأمين لقمة العيش لها ولعائلتها، بعد أن فقدت العائلة من يعيلها، نشير هنا إلى أن الحروب   كانت من الأسباب التي دفعت المرأة إلى المطالبة بحقوقها وحريتها، حصل ذلك بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية في أوروبا.

 عندما تنتهي الحرب في بلادنا،  ستكون سوريا على أبواب مرحلة جديدة وحاسمة في انتظار إيجاد حل لجملة من القضايا  التي تحقق آمال  الشعب السوري والوطن السوري ومنها قضايا المرأة.

حيث إن القضايا التي تعتبر أساساً للتغيير وجوهراً لنضال الشعب وتضحياته  لن تتحقق إلا بمشاركة جميع أبناء المجتمع   نساء ورجالاً، ومساواة جميع المواطنين أمام القانون، فهل يعقل أن  تستقيم ديمقراطية  عندما يقسّم المجتمع إلى نصفين؟ يتم التمييز بينهم في القانون. كيف لنا أن نتكلم عن المواطنة ونميز بين مواطني الدولة في الحقوق والواجبات؟  نشير هنا أن  هذه المبادئ لا تفرض، بل هي تعبيراً عن مستوى تطور المجتمع  ونضجه في لحظة معينة من تطوره.

وبناء عليه، يقع على عاتق  قوى التغيير التي تسعى لبناء مجتمع حديث  وتعتمد أيديولوجيا عصرية، وتعبر عن البنية الأكثر تطوراً في المجتمع وعن الجماهير الأكثر نضجاً،  أن تتميز عن القوى التقليدية التي تعبر عن البنية المتخلفة في المجتمع، وعليهم مهمة إيجاد حلول تتوافق مع العصر  وعدم التنازل عن قضايا جوهرية  تلغي الحدود بين القوى المختلفة في المجتمع، لأن هذه المسألة تتعارض أصلا مع الديمقراطية  التي تعني فيما تعنيه الاختلاف والتمايز والمنافسة، حتى لو كان هدفهم الذي يتذرعون به هو كسب الجماهير  فهذه مساومة ليست رابحة   في حال وصل أحدهم إلى كرسي السلطة، سيكون دوره في خدمة القوى التقليدية، ويظل موقفه في خانة المساومة  حفاظاً على هذه السلطة،  لأن الحقيقة  ما هي إلا تعبيراً عن ميزان القوى في لحظة تاريخية معينة، وعندما يكون الهدف كرسياً في  السلطة سوف يخسرون السلطة والمبادئ معاً.

إن قضية حرية المرأة، ومساواتها مع الرجل، و العمل على تغيير القوانين التمييزية، هي قضية من صلب قضية الديمقراطية والحرية والمواطنة في مجتمعاتنا، وليست شأناً خاصاً تعبر عن مصالح خاصة  تتعلق بنضال النساء، بل هذه القضية ترتبط بعملية بناء الدولة الحديثة، ولا ننسى أن رواد النهضة العربية في بداية القرن العشرين كانت قضية المرأة في أولوية اهتمامهم.

  مازالت المرأة تخضع لسلطات مختلفة متعددة من قوى التقاليد والدين إضافة لقيود السلطة اتجاه الحريات، غير أن التغيير المجتمعي  السياسي والقانوني  سوف يخلق الفضاء لخلخلة كل قوى السيطرة الأخرى.


 من مقدمة كتاب “المرأة السورية في ظل النزاع” للكاتبة “سحر حويجة”

مشاركة

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »