وظلم ذوي القربى أشد مضاضة …

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة …

لبنان – جابي منير

(موووصج) … كلمة مكتوبة على ظهر كنزة يرتديها بدر وعمره أربعة عشر عاماً; قال إنها جاءته كهدية من الكويت قبل أن يغادر بلدته “هجين” في البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور السورية مع عائلته هرباً من بطش تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، الذين “خنگوهم خنگ”، حسب وصفه. و عندما سألته عن معنى كلمة “موووصج”، قال إنها تعني (غير صحيح)، نعم فكل ما يجري أبعد ما يكون عن الصحيح. وصل بدر مع أسرته  إلى بيروت بطريقة شرعية قبل عامين، وبعد انتهاء صلاحية إقامتهم يعيشون بطريقة غير قانونية، كالكثيرين من السوريين.

بدر و أمثاله اختبروا حرفياً معنى بيت الشعر: “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند” مرتين، مرة في بلده ومرة في بلد اللجوء. فقد اضطر لترك المدرسة من أجل العمل ومساعدة والده في إعالة الأسرة المكونة من الوالدين وخمسة أولاد هو أكبرهم، فقادته الحاجة إلى العمل في محل لبيع الخضار يملكه شخص سوري الجنسية، حيث يعمل فيه لمدة (13) ساعة في اليوم مقابل خمسين ألف ليرة لبنانية في الاسبوع; أي أقل من خمس دولارات في اليوم الواحد.

أجر بدر هذا يغطي ثلثي أجرة  السكن، وتقع على عاتق والده بقية المصاريف، حيث يعمل حمالاً في أحد مصانع الحديد مقابل عشرين دولاراً في اليوم الواحد.

يقول بدر أن صاحب العمل ليس سيئاً في معاملته، و تقول مشاهداتي اليومية، كون محل الخضار يقع على بعد أمتار من بيتي، أن رب العمل سيء جداً في تعامله مع بدر و زميله الذي في مثل سنه تقريباً، أراه كيف يحمل أقفاص الخضار التي يعادل وزن الواحد منها أكثر من نصف وزن بدر أو زميله تحت ضغوط رب العمل وصراخه وشتائمه ومطالبته له بالاسراع في انجاز ما يطلب منه.

قال بدر أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قدمت لهم مساعدات غذائية لمدة شهرين ثم توقفت عن ذلك، واكتفت بالتكفل بتعليم ثلاثة من إخوته في مدرسة رسمية.

وبحسبة بسيطة، فإن مدخول بدر مع والده يعادل (25) دولاراً في اليوم الواحد، يدفع منها عشر دولارات كبدل سكن، ويحاولون العيش بالخمسة عشر دولاراً المتبقية.

ليس بعيداً عن محل الخضار المذكور تعمل فاطمة في محل لبيع الأدوات المنزلية وغيرها، أو ما يطلق عليه محل (ون دولار)، ويملكه سوري أيضاً. تعمل فاطمة لمدة (12) ساعة متواصلة لا تتضمن حتى استراحة غداء، مقابل مئتي دولار أمريكي في الشهر.  فاطمة أم لطفل يتيم تتقاسم غرفة بائسة مع امرأة أخرى تكلفها نصف أجرها الشهري أي مئة دولار أمريكي، وتحاول تأمين جزء من متطلبات الحياة بنصف أجرها المتبقي. وبما أن هذا المبلغ، أي المئة دولار، لا تكاد تكفي إلا لشراء الخبز فهي تلجأ للجمعيات الخيرية لمساعدتها بتأمين الحد الأدنى من احتياجاتها هي وطفلها. وفي كثير من الأحيان لا تتمكن من ذلك بسبب “عدم وجود دعم لتلك الجمعيات على حد زعمهم”.

وهناك أعداد كبيرة من النساء والأطفال من الجنسين، الذين يتم استغلالهم من قبل أبناء جلدتهم، مما يزيد من معاناتهم في لبنان. أولها تصعيب السلطات اللبنانية  شرعنة وجودهم حد الاستحالة، ثم  ملاحقتهم لهذا السبب من قبل  أجهزة السلطة نفسها. و ليس آخرها عدم حصولهم على أي نوع من أنواع الحماية القانونية أو الرعاية الصحية.

موووصج … أن يترك بدر المدرسة.

موووصج … أن يعمل لمدة (13) ساعة في اليوم مقابل أقل من خمس دولارات.

موووصج … أن يستغل السوري حاجة أبناء بلده من نساء و أطفال في الغربة، وأحياناً أكثر مما يفعل اللبنانيون.

موووصج … الاعتقاد بأن حالة بدر أو حالة فاطمة هي حالة خاصة، بل هما حالتان  من عشرات الآلاف من الأطفال السوريين الذين يتعرضون لاستغلال حاجتهم للعمل.

مووووصج … أن نلقي باللوم على فاطمة ومثيلاتها إذا انزلقت لأي طريق لتأمين لقمة عيش يتيمها.

موووصج … أن نلوم بدر في المستقبل إذا انزلق إلى طرق أخرى لتأمين لقمة  العيش، وربما يكون الانخراط في التنظيمات الإرهابية أسهلها.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »