Search
Close this search box.

المرأة اللبنانيّة … غياب الدولة أم غياب الإنسانيّة؟

المرأة اللبنانيّة … غياب الدولة أم غياب الإنسانيّة؟

نبال زيتونة

لطالما طالبت اللبنانيّات بقانون مدنيّ موحّد للأحوال الشخصيّة، في ظلّ خمسة عشر قانوناً طائفيّاً خاصّاً بكلّ طائفة، يتلطّى أصحابها تحت قبّة حماية التنوّع الديني والطائفي، هذا التنوّع في القوانين يفضي بلا شكّ إلى عدم المساواة، والممارسات التمييزيّة، وخاصّة بحقّ المرأة، ويفتح نفقاً من المشكلات لاتنتهي!..

وكان لبنان قد صدّق على عدد من المواثيق الحقوقيّة الدوليّة التي تعزّز حقّ المرأة في المساواة، بما فيها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) واتفاقية حقوق الطفل، كما تعهد بتنفيذ عدد آخر من المعايير المعترف بها دوليّاُ في مجال المساواة بين الجنسين، ومنها منهاج عمل بيجين، وأهداف الألفيّة التنموية؛ علماً أنّ معظم هذه الحقوق مكرّسة أصلاً في الدستور اللبناني..

لكن إذا عدنا إلى القوانين الطائفيّة، فنجد أن القوانين السنيّة والشيعيّة في لبنان تكفل للرجل حقّاً مطلقاً في الطلاق، بينما لا تحصل المرأة على هذا الحق إلا مشروطاً، حسب هيومن رايتس ووتش. وتعاني النساء من جميع الطوائف ممارسات العنف الأسري، بسبب امتناع المحاكم الطائفية عن التصدي له.

وفي كثير من الأحيان تجمع تلك المحاكم بين السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة والإلهيّة بآن واحد. وتبقى قصّة فاطمة علي حمزة، المرأة اللبنانية التي رفضت التخلي عن حضانة طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف، وصمةً في جبين المحكمة الجعفريّة. فاطمة التي تزوّج زوجها من امرأة ثانية، وحاول حرمانها من الطفل على الرغم من عدم وجود طلاق بينها، وحصل على حكم بحضانة الطفل بعد أن ادّعى لدى المحكمة الجعفريّة. فرفضت فاطمة الحكم ما أدّى إلى سجنها..

فاطمة رفضت الخضوع للمجتمع والطائفة، وحاولت الدفاع عن حقّها في تربية طفلها، فكان مصيرها السجن في أحد مخافر الضاحية الجنوبية لبيروت.

ذلك الواقع أفرز أجيالاً من النساء المعنّفات المشرّدات من كلّ الشرائح العمريّة.. وبجولة سريعة على “الفوييهات” سترى قاع المدينة التي تختنق، وتغصّ بالنساء المشرّدات المستغَلات اللواتي خلّفن وراءهن أجيالاً من الأطفال المشرّدين الضائعين المستغلّين.. سترى الحقيقة كما لم ترها من قبل، تصفع وجه بيروت كلّ صباحٍ ومساء!..

ريما.. 35 عاماً تعيش هنا منذ سنتين، وقد انفصلت عن زوجها قبل سنوات، وابنتها اليوم بعمر 14 عاماً، تعيش مع والدها، وتأتي لزيارتها في نهاية الأسبوع.. من بيت زوجها هربت بسبب العنف الذي تعرّضت له حين تزوجّته صغيرة، وقد تعرّفت اليوم إلى صاحب الفوييه السبعينيّ وتزوّجته سرّاً وبعقد شيخ، في حين كان يغطّي إقامتها ومصاريفها، حيث لم تعد بحاجة للعمل كما تقول..

تقول:

تعرّضتُ للظلم والعنف كثيراً من زوجي ووالديه اللذين كانا يشاركاننا البيت. كنت صغيرة حين انفصل والداي، وتبعثرت العائلة، وكان زواجي طفلة خلاص لهما من همّي..

ضاقت بي السبل وعملت في أماكن كثيرة، وبمبالغ مخجلة لا تقيم الأود، وأخيراً جاء الرجل الذي سيحمل عني ذلك العبء..

لم أعد أحتمل؛ فأنا ابنة ناطور البناية، وزوجة الناطور، ولو استمر الحال لكنت أمّ الناطور أيضاً!..

لكن ريما مازالت عرضة للتشرّد والاستغلال والهمجيّة في كثير من الأحيان. فها شبابها يذوي، وصحّتها تتدهور مع الإجهاضات المتكرّرة بالطرق الشعبيّة البائسة، بعيداً عن الأطباء وذوي الاختصاص!..

ميرفت.. سيّدة بعمر (36) عاماً..

تقول: لا أعرف أبي، وعشت عند جدّتي لأمي، حيث تخلّت أمي عنّي ‏تحت ضغط زوجها الثاني.. بدأت مأساتي بعد وفاة جدّتي، حيث كنتُ الخادمة الصغيرة الرخيصة لخالي وزوجته وأبنائه.. أُجبرت على ترك المدرسة والزواج، كما أمّي من قبل، حيث لم يختلف إلا شكل المعاناة ولونها.. تعرّضت لأنواع من الضرب الوحشيّ والعنف، كان زوجي يضربني لأتفه الأسباب، ويجزّ لي شعري بسكين المطبخ. عشت مع أطفالي الثلاثة حياة قاسية بالقليل المخصّص لنا من المأكل والملبس. وبدأت مأساتي تتفاقم حين بدأ زوجي يرسل الأطفال للعمل دون المدرسة.

لم يكن لديّ خيار؛ لا أهل ألجأ إليهم، ولا تعليم ولا عمل!.. رماني في الشارع بعد أن تزوّج بأخرى!.. تركت ورائي ثلاثة أطفال ذكور. كبيرهم في السادسة عشرة من عمره..

أذكر يوم رماني زوجي في الشارع أنني لم أجد أحداً ألجأ إليه، ولا مكاناً يؤويني. حتى صديقاتي رفضن استقبالي، واحدة فقط استقبلتني عندها لبضعة أيام.. حتى تدبّرت أمري وعملت في متجر لبيع الألبسة، والمرتب يغطّي فقط إيجار سرير في فوييه. تزوّجت مرّة أخرى برجل لا يملك بيتاً، فبقيت هنا، وبقي هو في بيت أهله..

وعندما سألنا ميرفت إن كانت تحبّ زوجها الجديد قالت؛ إنه يهتمّ لأمري ويغطّي الضروريّ من مصاريفي..

ندى.. فتاة من الجنوب اللبنانيّ. لا تتجاوز العشرين عاماً..

جاءت إلى “الفوييه” تاركة خلفها طفلة حديثة الولادة، وكانت تبحث عن عمل.

تقول:

ساعدني صاحب الفوييه بالعمل في تنظيف إحدى الشقق في “الرملة البيضا”!..

وعندما سألنا عن تلك الشقّة، عرفنا أنها بيت للدعارة يديره صاحب الفوييه وأبناؤه..

أمّا عن طفلتها فقالت:

تركتها عند جدّتها لأبيها، فأنا لا أستطيع تربيتها، حيث لا مأوى، ولا عمل، ولا أهل يستقبلونني!.. ومن جهة أخرى فهم عائلة تطوي المحكمة الجعفريّة في جيبها الصغير؟!.. “ستشمشطني” المحكمة وأضيّع عمري على أبوابها..

صحة ندى تتدهور شيئاً فشيئاً، ويزداد الدوار وحالة الغثيان لديها، لكنها تضطرّ للذهاب إلى تلك الشقة، فما من أحد يدفع لها إيجار الفوييه..

نايا.. تجاوزت العشرين قليلاً، تعيش أيضاً في الفوييه، تعمل في متجر صغير بأجر لا يغطّي مئتي دولار إيجار سريرها. لكن حبيبها كما تقول يتكفّل بمصاريفها..

تقول:

تركت زوجي السابق لأنني لم أستطع العيش في بيت أهله، وتركت طفلي الذي لم يتجاوز السنتين.. كنت صغيرة ولم يكن أهلي يهتمون لأمري، فقد انفصلا وتشتّت شمل الأسرة، وكنت أضرب وأشتم سبعة أيام في الأسبوع!..

لم تكن صحّة نايا على ما يرام، هي أيضاً أنهكتها الإجهاضات المتكررة دون اللجوء إلى طبيب. وقد ساءت علاقتها بنزيلات الفوييه عندما اكتشفوا أنها كانت تصورهم فيديوهات وترسلها إلى حبيبها الذي لم تفصح عن ماهيّة عمله..

قصّة واحدة تعيشها النساء هنا، ولا تختلف إلا في بعض التفاصيل؛ زواج مبكّر يمنعهنّ من الدراسة، عنف يلاحق المرأة من بيت أهلها إلى بيت زوجها، تشرّد واستغلال مقابل لقمة العيش، وأجيال من الأطفال سترسم مستقبلاً قاتماً لهذا البلد!..

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »