Search
Close this search box.

أطفال حلب يتحملون الخسارة الأكبر في الحرب

أطفال حلب يتحملون الخسارة الأكبر في الحرب

«نحن متأكدون من أن الجيش سيأسرنا الآن، سنرى بعضنا في يوم ما، أيها العالم العزيز، وداعًا»

كانت هذه الكلمات القليلة المقتضبة، هي التغريدة الأخيرة للطفلة الحلبية «بانا العابد»، صاحبة السبع سنوات، علىحسابها في «تويتر»، والذي كان يتابعه قبل إغلاقه، في 4 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أكثر من 1000 ألف متابع، ولكن الحساب عاد للعمل بعد يومين، وزاد عدد متابعيه بشكلٍ ملحوظ، ووصلوا اليوم إلى 316 ألف متابع.

ونشرت «بانا» على حسابها تغريدات أخرى تصف فيها حياتها اليومية في حلب مثل «الليلة ليس لدينا منزل، فقد تعرض للقصف، وسقطت تحت الأنقاض، ورأيت القتلى، وكدت أموت»، وفي تغريدة أخرى قالت «نتعرض لقصف كثيف الآن، ونحن بين الموت والحياة، أرجوكم استمروا في الدعاء لنا».

يواجه أطفال حلب بشكل عام العديد من المخاوف، والمخاطر، فبين الاستيقاظ فزعًا على أصوات القنابل، والجوع الذي يطاردهم ليل نهار، والهروب من منازلهم المهددة بالقصف، وفقدان ذويهم في الغارات، تظل التساؤلات تحاصر عقولهم المرهقة، عن الأسباب التي جعلتهم يعيشون هذه المعاناة، دون أي ذنب اقترفوه.

الأرقام مفزعة

في وسط أجواء الحرب في حلب يعيش قرابة المائة ألف طفل، معرَّضين للخطر، وبحسب تقديرات هيئة «إنقاذ الطفولة» البريطانية، فإن ما يقرب من نصف المصابين الذين يعالجون في مستشفيات شرق حلب هم من الأطفال، مؤكدة أن الأطفال المصابين يموتون على أرضيات المستشفيات؛ بسبب نقص المعدات والأدوية.

ويمثل صغار السن النسبة الأكبر من سكان سوريا، إذ يبلغ متوسط الأعمار 24 عامًا، وبعد اندلاع الحرب فر ما يقرب من 5 ملايين طفل للجوء في الخارج، ولكن تبقى ثمانية ملايين طفل في وطنهم الذي مزقته ويلات الحرب، وفي شرق حلب وحدها تقدر نسبة الأطفال بـ 40%، من السكان، وذلك وفقًا لإحصاءات منظمة «اليونسيف».

تشرح «كارولين اننينغ» المتحدثة الرسمية باسم هيئة «إنقاذ الطفولة» الوضع هناك بقولها «في معظم الحروب يكون من المتوقع أن نرى الذكور البالغين من السكان، هم الذين يتعرضون للقتل أثناء تواجدهم للمواجهة في الصفوف الأمامية، ولكن ما رأيناه في حلب الأيام الماضية من قصف عشوائي من الجو، جعل الأطفال يتأثرون بشكل بالغ؛ إذ أدت هذه التكتيكات الحربية، بالإضافة لاستمرار الحصار، إلى خلق واحد من أسوأ الأوضاع التي يمكن يعيش فيها أطفال سوريا، منذ بداية الحرب».

ومن الأمثلة التي توضح حجم الكارثة، ما حدث في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، عندما تعرضت منطقة شرق حلب للقصف من قبل القوات السورية والروسية، وكانت النتيجة مقتل أكثر من 100 طفل، خلال أسبوع واحد فقط.

3 نماذج تشرح لك كيف يطارد الموت أطفالًا أبرياء

«يجب أن نسأل أنفسنا ماذا تبقى من طفولة الأطفال في سوريا.. وكيف شكل الحياة من منظور طفل عالق في هذه المأساة، والوضع الكارثي».

هكذا تساءل «جيرت كابيليري»، المدير الإقليمي لمنظمة «اليونيسف»، في جلسة خاصة بمجلس الأمن لمناقشة الوضع في حلب، روى فيها «كابيلري» عدة أمثلة لأطفال تضرروا من وجودهم في حلب، كان أبرزهم «أمير» البالغ من العمر 5 سنوات، والذي تعرض مع أخته للقصف أثناء لعبهما خارج منزلهما، وأصيبا بجراحٍ خطيرة، وأجرى أمير بعدها عملية مؤلمة؛ لاستبدال جلده المحروق داخل مستشفى ميداني متواضع.

وتروي لنا «ليلى»، وهي أم لثلاثة أطفال، توفي والدهم جراء قصف ببراميل متفجرة، على شرق حلب، حكايتها المأساوية، والتي بدأت بتركها المنزل الذي دمره القصف، وانتقالها إلى منزل قريب من الحي نفسه، لكن اقتراب المليشيات الأجنبية من المنزل، أرغمها على الهرب بأطفالها إلى مناطق أعمق بشرق حلب، وفي الطريق مروا بجثث لنازحين قتلتهم قوات النظام، وكان هذا المنظر صادمًا بالنسبة لأطفالها، وبعد وصولها إلى منطقة آمنة، لم يجدوا مكانًا يأووا إليه، سوى أحد الأقبية، والتي يعيش به عشرات النساء، والأطفال الذين قدموا من الأحياء التي سيطر عليها النظام.

ويخلو القبو الذي يعيشون فيه من أدنى مقومات الحياة؛ فالغذاء فيه قليل للغاية، وينام أطفال ليلى كثيرًا جياع، دون أن يجدوا ما يسد رمقهم، ولكن بالرغم من ذلك فهي تعتبر القبو مكانًا مناسبًا جدًا؛ إذ يحميها هي وأطفالها من خطر القصف المتكرر.

وبالرغم من صعوبة الوضع الذي يعيش فيه أبناء ليلى، ولكنهم بكل تأكيد أفضل حالًا من أطفال آخرين، لا يجدون أحدًا من ذويهم يخفف عنهم وحدتهم، فهناك 47 طفلًا في دار «المميزون» للأيتام، يعيشون في ظروف خطرة بسبب القصف المستمر على شرق حلب، ويؤكد «طلال الدامور»، المشرف على الدار، أن الأطفال يعيشون باستمرار حالة من الخوف، والترقب المستمر، حيث لا تنقطع أصوات القذائف، والصواريخ طوال اليوم، ووصلت خطورة الوضع إلى قصف الدار أكثر من مرة، كان آخرها منذ أيام؛ مما أدى لإصابة طفلين. ومن وجهة نظر «الدامور»، فإن الحل يتمثل في إجلاء الأطفال خارج مدينة حلب، وتوفير مكان إقامة آمن لهم.

ما الذي يجعل وضع الأطفال أكثر صعوبة من غيرهم؟

عندما تمطر سماء حلب قنابل تسقطها الطائرات التابعة للنظام السوري، ينتظر الجميع مصيرهم المجهول، ويصبح الهروب صعبًا، ولكنه يزداد صعوبة بالنسبة إلى الأطفال الذين لا يسعفهم جسدهم الضعيف على التصرف بسرعة تتناسب مع كارثية الموقف، فالكثير منهم يلهون خارج منازلهم، وتكون تحركاتهم في بعض الأحيان أقل قابلية للتنبؤ، وقد لا يتصرفون بشكل مناسب لمواجهة الخطر القادم نحوهم.

وأصبح اليوم معظم الأماكن التي يتواجد بها الأطفال، مثل المدارس، والمستشفيات، أكثر عرضة للاستهداف من قبل النظام السوري، فهذه الأماكن بالرغم من وقوعها تحت الأرض، لكن التفجيرات أصبحت قوية جدًا لدرجة أن الملاجئ تحت الأرض لم تعد آمنة، وفي حال وقوع ضحايا من الأطفال، فإن الضرر الذي يصيبهم يكون أكبر من الذي يصيب البالغين؛ إذ أن فقدان الدم يكون أكثر تدميرًا لهم، ويمكن أن يصابوا بكسور العظام بسهولة.

ويعاني الأطفال في شرق حلب من نقص الأدوية، وصعوبة وصول أكياس الدم لعلاجهم بعد إصابتهم في القصف، ولذلك أصبح يتكرر اليوم مشهد وجود أطفال يموتون في المستشفيات؛ لنقص الإمدادات الطبية، بالإضافة لنقص أعداد مجموعات المساعدة الطبية؛ إذ لا يوجد سوى 35 طبيبًا في حلب، أي بمعدل طبيب واحد لكل 7143 شخص، على افتراض أن عدد السكان يبلغ 250 ألف نسمة.

الآثار النفسية لا يمحوها الزمن

لا تزال صورة الطفل «عمران دقنيش» حاضرة في أذهان الكثيرين بكل تفاصيلها الموجعة، والمتمثلة في ملامح وجهه المذهول، والملطَّخ بالدم، والتراب، بعد خروجه حيًا من تحت أنقاض منزله في حلب، والذي تعرض للقصف في أغسطس (آب) 2016.

ولا يعد الطفل «عمران» حالة وحيدة، فبعد كل غارة تجد فرق الإنقاذ أطفالًا تحت أكوام الأنقاض، ولا تُظهر الصور التي تُلتقط لهم الندوب النفسية التي تعيش معهم ما تبقى من عمرهم، ففي كثير من الحالات يفقد هؤلاء الأطفال فردًا أو أكثر من أفراد أسرتهم، وربما يكون الطفل هو الناجي الوحيد؛ مما يجعل حالته النفسية يرثى لها.

ولا يوجد ناج من أطفال حلب، فجميعهم يعانون من الصدمة، بعد مشاهدتهم لأقسى مشاهد العنف، وذلك وفقًا لمدير مكتب منظمة «اليونيسف» في حلب «رادوسلاف رزيهاك»، والذي يقول «لم أر في حياتي هذا الوضع المأساوي الذي يعانيه الأطفال في حلب».

وتزيد وطأة المعاناة على الأطفال الذين ولدوا بعد بدأ الحرب الدامية، وشهدوا جميع مراحلها، ولذلك أظهرت الفحوصات النفسية، والاجتماعية التي خضع لها الأطفال القادمين من الأحياء الشرقية في حلب، أنهم يفتقدون غريزة الدفاع الأساسية، وذلك يجعلهم أقرب للخطر؛ فهم لم يؤهلوا للاحتماء، أو الاختفاء أثناء القصف، فبالنسبة لهم تعد الغارات جزء من حياتهم اليومية.

المصدر: ساسة بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »