Search
Close this search box.

تأثير مسارات الحرب والحوار على العلاقة بين أطياف المجتمع السوري

تأثير مسارات الحرب والحوار على العلاقة بين أطياف المجتمع السوري

سحر حويجة

يتساءل المواطن السوري بعد سنين من الصراع الدامي الذي لا طائل وراءه عن الآفاق السياسية للصراع الدائر على الأرض السورية، وعن ضرورة وضع حد لهذه الحرب التي تحولت إلى مقتلة ومجزرة ضد السوريين حيث أخذت الأطراف في سوريا تحصي خسائرها البشرية والمادية، وتزداد مخاوف المواطن السوري على نفسه وعلى مستقبله ومستقبل عياله والخوف الأكبر على سوريا. وبناء على مقولة إن الحرب هي سياسة بوسائل أخرى أي العنف، لكن هذا العنف الخارج من عقاله أخرج السياسة بقوة من المجتمع كفاعلية سياسية ومشاركة في مؤسسات أو تنظيمات. وأيضاً أصبحت القوى المتصارعة خارج السياسة سواء معارضة أو نظام حتى الشعارات التي تستخدمها للتعبئة لم تعد تجدي نفعاً. هذا الواقع السوري المشوه المثقل بالعجز والضعف، وينخره الانقسام المناطقي والطائفي مهدد بالتقسيم  فأي حل يترقبه السوريون؟  حيث  القوى الممثلة في الحوار لا تمثل القوى الفاعلة على الأرض، والقوى على الأرض لا تمثل المجتمع السوري لكن على الرغم من كل ما حدث ويحدث ما زال المجتمع يحلم بالوطن السوري حيث تصان كرامته ويُحمى مستقبله على أساس العدالة والمواطنة.

جولات الحوار التي تمت برعاية دولية بين السلطة والمعارضة وانتهت إلى فشل، يتجدد الصراع بعدها، على أمل تعديل ميزان القوى لكن قوى من ضد من؟

على وقع القصف الذي يشتد بعد فشل الحوار بين السلطة والمعارضة، تبدأ جولات من الحوار والتفاهمات الثنائية بين أطراف من القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الصراع الدائر في سوريا، ونحن على ثقة من أنهم في الاتفاقات والتفاهمات الثنائية  يتكلمون في القضايا العالقة بينهم بعيداً عن سوريا والأزمة السورية التي أكثر ما تعنيهم من أجل قياس مستوى التفاهمات والتباينات وحسن النوايا وحول المسائل العالقة بينهم دون حل،  تبدأ اللقاءات والتفاهمات الثنائية وتجد هذه التفاهمات مباشرة ارتدادها على الأرض السورية ويتم المساومة على سوريا أرضاً وشعباً، هذا ما حصل على خلفية  تسوية الملف النووي حيث غضت أمريكا الطرف عن الدور الإيراني في سوريا بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما تحالفت مع إيران  في العراق ضد داعش، أما على وقع الاتفاق الروسي التركي فقد سمحت روسيا بموجبه لتركيا بالتقدم  في جبال الساحل المتاخمة لتركيا وكسبت بعدها تركيا الموقف الروسي والأمريكي معاً  على حساب قوات سوريا الديمقراطية وقوات حماية الشعب وتقدمت تركيا تحت عنوان محاربة داعش على الشريط الحدودي الذي يفصل سوريا عن تركيا.

وعلى خلفية تفاهم أمريكي روسي مزعوم بدأت معركة حلب الأخيرة لنعلم من المعارك الدائرة وشدة هذه المعارك أن الروس والأمريكان غير متفقين،  استخدمت روسيا قوة خارجة من عقالها والقلق والأرق الأمريكي ما زال يصدع رؤوسنا.  في خلاصة مواقف الدول الدولية والإقليمية أنها مهما اختلفت وتباينت المواقف فيما بينها، فسيجدوا سبلاً لحل خلافاتهم مستغلين واقع الضعف والانقسام على صعيد جميع القوى في سوريا سلطة معارضة ومجتمع.

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أحداً من هذه الدول خاصة العظمى لم تخسر في الحرب الدائرة في سوريا بل هي تحصي ما حققته من مكاسب ونشير هنا إلى تجارة السلاح وما كسبته منها كل من أمريكا وروسيا ناهيك عن تعزيز نفوذها في المنطقة. أما خسائرها البشرية  التي تعد على الأصابع، باستثناء الخسائر البشرية التي تكبدتها  إيران وحزب الله لأنهما ربطا مصيرهما بمصير النظام. وبناء عليه الدول الكبرى الفاعلة في الأزمة السورية تملك هامشاً واسعاً لتغيير سياستها ومواقفها لأنها لن تجد معارضة لها من داخل بلدانها . وفي النهاية عندما تتفق هذه الدول ذات المصالح البعيدة أغلبها عن سوريا، فسوف تأتي بالحل بل سوف تفرضه، بعد أن أصبحت سماء سوريا وأرضها تحت نيرانهم ومن يعارضهم سوف يجتمع العالم ضده.

 تأثير المفاوضات بين السلطة والمعارضة على المجتمع :

انتفض الشعب السوري على أمل تغيير السياسة المحكوم بها قسرا من قبل سلطة الاستبداد التي ما فتئت يوما في تاريخها على استخدام أشكالاً مختلفة من العنف للسيطرة على المجتمع، العنف المعنوي والحرمان من الحقوق والتخويف والتهديد والاعتقال ما يجري كان نار تحت الرماد، ما يجري كانت الحرب الكامنة.

بداية آمن الشعب بقدرته على التغيير السلمي لأن مطالبه تلامس المصالح العامة، وحقوق المجتمع وحق كل فرد م أفراده.

غير أن النظام راهن على قدرته العسكرية والرغبة في إخماد الحراك المعارض، على أمل نصر مؤكد، وبدأ الصراع وتشكلت القوى ونمت بردود أفعال على الواقع .

رافق الصراع منذ بدايته خطاب الكراهية والتشهير بين السلطة والمعارضة، خاصة بعد أن انتشر العنف وقامت الحرب، حيث وصلت الانقسامات إلى أوجها بين مكونات الشعب السوري، على أساس سياسي وطائفي ومناطقي واجتماعي، وإن كان الانقسام سلطة معارضة هو الأساس، بتداخلاته السياسية والطائفية والاجتماعية، لدرجة أنه في العائلة الواحدة تجد خلافات سياسية عميقة، وكثيراً ما ينتهي الحواربين أفرادها إلى حد القطيعة، مع اتهامات متبادلة بالخيانة. وكان واضحا ما تتعرض له المعارضة من حصار وعزلة وأحيانا استخدام العنف ضدها في المناطق التي سميت موالية. ومن مظاهر الانقسام الحاد الذي يرافقه خوف كبير، جاء هروب الموالين من مناطق المعارضة خوفاً على حياتهم.

عدم قبول الآخر وغياب لغة الحوار أعطى الصراع طابعاً إلغائياً تجاه الطرف الآخر، حيث كل طرف يعتبر أن الحق كاملاً بجانبه والآخر على ضلال، كل ذلك انعكس على علاقات الناس مع بعضهم في الداخل  حيث يسيطر الخوف من الاعتقال والموت والعزلة. وأمام تعنت النظام ورفضه الحوار والاعتراف بالمعارضة، أخذ بتعبئة الموالين على أمل أن يحقق انتصاراً عسكرياً ساحقاً على المعارضة، وعمل على إطلاق اتهامات بالإرهاب تلاحق المعارضين.

في هذه الأجواء كان من الصعوبة تصور تقبل المعارضة والموالين لبعضهم البعض، في أحسن الأحوال يفرضون على أنفسهم الابتعاد عن الخوض في القضايا السياسية.

لكن بسبب امتداد الحرب لسنوات أخذت تتضح وتنجلي قضايا كثيرة أمام عموم المجتمع السوري منها : تراجع وانحسار دور أطراف الصراع العسكري بالسيطرة، على حاضنتهم الشعبية، ساهم ذلك إلى حد كبير في تخفيف حدة التوتر في المجتمع. على مستوى النظام : بعد أن فشل النظام بالسيطرة وسحق المعارضة المسلحة، ونتيجة الهزائم العسكرية التي لحقت به، خاصة الخسارات العسكرية البشرية إضافة إلى انعدام الأمن والأمان في مناطق سيطرته  التي ترافقت مع سياسة الإفقار والتجويع التي نالت من أغلبية الشعب السوري، والدور الذي تلعبه مافيات الخطف والسرقة والابتزار في مناطق سيطرة النظام مع غياب القانون والمحاسبة كل ذلك أثر على القاعدة الشعبية للنظام حيث انكشفت ألاعيب النظام وخداعه وعجزه أمام حاضنته الشعبية .

 أما على صعيد المعارضة: فقد ساهمت الانقسامات العسكرية  والصراعات التي دارت بين أطرافها، خاصة بعد صعود داعش والنصرة وابتعاد هذه القوى عن قيم وأهداف الثورة، كانت أسباباً دفعت المجتمع لاتخاذ مواقف من القوى العسكرية حسب قربها وبعدها عن قيم الثورة . إضافة لذلك لعبت القرارات الدولية من أجل وقف الاقتتال وحل الصراع في سوريا وقبول النظام نظريا بها بضغط حلفائه، وقبول القوى العسكرية بها بضغط من حلفائها، إضافة إلى الضغط الكبير من المجتمع من أجل وقف الاقتتال الذي لا طائل وراءه، ويدفع ضريبته الشعب من دمه وأرواحه.

إن اعتراف النظام بالمعارضة السياسية على الأقل نظرياً وقبوله التفاوض مع بعض الأطراف العسكرية التابعة للمعارضة انعكس على المجتمع وما إن بدأ جنيف 3، حتى بدأ ذوبان الجليد بين معارضة وسلطة في الشارع كان من السهل تلمس ذلك في المواقف والتعامل بين الناس.

كلمة أخيرة: إن الحوار لا ينجح إلا في مواجهة قوى الاستبداد والإلغاء، ولا بد له من حامل سياسي واجتماعي واقتصادي، يتشكل من قوى لديها القدرة على مواجهة واقع الانقسام الاجتماعي والتظرف والتشدد الفئوي والمذهبي الطائفي والمصالح الخاصة والاستبداد، والعنف والعمل على إعادة السياسة للمجتمع  وإلا بقينا خارج العصر.

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »