Search
Close this search box.

هل يتصاعد دور “إعلام الضمير” في الأزمة السورية؟

هل يتصاعد دور “إعلام الضمير” في الأزمة السورية؟

شام المصري

تزايد خلال الفترة الأخيرة اهتمام وسائل الإعلام الدولية- والغربية بصفة خاصة- بالجوانب الإنسانية للحرب في سوريا التي قاربت على دخول عامها السادس، بعيداً عن اتساع نطاق الخلافات السياسية بين القوى المعنية بتلك الأزمة، حيث كان الضحايا المدنيون هم “أبطال” هذا النمط الجديد من التناول الإعلامي لما يجري في سوريا منذ سنوات، لا سيما مع تصاعد حدة الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون بسبب الحرب واستمرار استخدام آلية الحصار للضغط على المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام السوري، والتي ترفض أيضاً وجود بعض التنظيمات الإرهابية فيها على غرار تنظيم “داعش”، الأمر الذي يجعل هذه المناطق في مرمي نيران الطرفين، بشكل يفاقم دائماً من الأوضاع الإنسانية المتدهورة، دون أن تظهر مؤشرات تزيد من احتمالات الوصول إلى تسوية سياسية لتلك الأزمة خلال الفترة القادمة.

ويأتي هذا الاهتمام الإعلامي بالتداعيات الإنسانية للأزمة السورية في صور متعددة، وإن كان يعتمد بالأساس على “صحافة القصص”، ومقاطع الفيديو المصورة، وهو النمط الأكثر تأثيراً بين أنماط الإعلام الأخرى في مثل هذا النوع من القضايا، على عكس الشائع حالياً الذي يعتمد على اختصار النص بالصورة.

اهتمام متزايد:

في إطار تصاعد الاهتمام الإعلامي الغربي بتفاقم الأوضاع الإنسانية في سوريا وتزايد المخاطر التي تتعرض لها عمليات الإغاثة بسبب القصف المتبادل من قوات النظام وقوى المعارضة المسلحة، على غرار ما حدث لقافلة المساعدات الإنسانية المشتركة بين الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر، في 19 سبتمبر 2016، حمل غلاف مجلة “التايم” الأمريكية صورة للمنظمة الأهلية الإغاثية في سوريا “أصحاب الخوذ البيضاء” في عددها الصادر في شهر أكتوبر 2016، مع إشارة إلى الآية القرآنية رقم (32) من سورة المائدة “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً” “whoever saves one life, saves all of humanity” .

وقد تناولت المجلة في موضوعها عن الغلاف الحديث حول فقدان العالم لما يمكن تسميته بــ”البوصلة” لما يحدث في سوريا بسبب تعدد الأطراف المتصارعة، فضلا عن الارتباك والفوضى التي سببتها الحرب، والتي أدت إلي غياب الاهتمام بضحاياها، حيث اعتبرت المجلة وجود منظمات إغاثية من قبيل منظمة “أصحاب الخوذ البيضاء” بصيص أمل لـ”المُعذَّبين” في سوريا علي حد تعبيرها.

كما أبدت مجلة “شتيرن” الألمانية اهتماماً ملحوظاً بأوضاع المدنيين في سوريا ولكن علي نحو مغاير، وذلك من خلال حجب موادها الإعلامية كافة على موقعها الإليكتروني بتاريخ 7 أكتوبر 2016، حيث برزت جملة “نصمت اليوم” على صدر الموقع باللون الأبيض، واكتفى الموقع الذي اتشح باللون الأسود بصور الدمار والحرب الدائرة في سوريا، والمصابين والقتلى جراء القصف العشوائي للمباني، وذلك احتجاجاً من هيئة تحرير المجلة على ما يحدث من مأساة يومية في سوريا، وبصفة خاصة في حلب.

وفي هذا السياق، كتبت هيئة تحرير المجلة: “اليوم لا نولي اهتماماً لانتشار الموقع أو عدد الزائرين أو التسويق الأمثل، اليوم نريد أن نضع علامة فارقة: نصمت، من أجل أن نصرخ في وجه الصمت الذي لا يُحتمل”، ودعت الصحفيين حول العالم إلى التحرك من أجل إيقاف المآسي التي تحدث على أرض سوريا، ومتابعتها والتركيز عليها بالتقارير والتحليلات وليس الاكتفاء بتناقل الصور من وكالات الأنباء، لا سيما وأن ملامح هذه المآسي تغيب إعلامياً بين دعم الأطراف المتصارعة هناك.

“أم من مضايا”:

وبصورة داعمة أخرى لضحايا سوريا أطلقت قناة “ايه بي سي” الأمريكية مشروعاً جديداً يهدف إلى تحويل قصص ضحايا الحرب لقصص مصورة، وسرد معاناة السكان بالصور، بعد تعذر الحصول على صور حقيقية، واستعانت لتنفيذ ذلك المشروع بامرأة من مدينة مضايا السورية المحاصرة منذ عامين من قبل النظام السوري وحلفائه، حيث أدى هذا الحصار، حسب تقديرات الأمم المتحدة، إلى وفاة 60 شخص بسبب الجوع، وقد استعانت استوديوهات “مارفل” المتعاونة مع قناة “ايه بي سي” في مشروع “أم من مضايا” بهذه المرأة السورية – التي حرص المشروع على إخفاء شخصيتها- بعد صعوبة إرسال مراسلين لمدينة مضايا.

وعلى الرغم من اهتمام المشروع بتصوير مشاهد الحرب في سوريا من خلال رسومات ملونة وأبيض وأسود في ظل غياب صور حقيقية من داخل المدينة، فقد استبعد المشروع صور الدماء والمشاهد القاسية للحرب، وتكون المشروع من نحو 30 رسماً أكثريتها باللونين الأبيض والأسود، واستعان برسام كرواتي عاش حرب الاستقلال في بلاده عام 1991، حتى يبرز صوراً عن معاناة المدنيين في الحرب والحصار، وتناول المشروع مجمل ملامح الحياة اليومية لعائلة تعيش في مدينة تحت الحصار، حيث لم تغفل الصور لحظات التواصل العائلي رغم الصعوبات التي يعانيها المدنيون في هذه المدينة.

ومن جانبها قامت صحيفة “الجارديان” بحملة واسعة لترشيح منظمة “أصحاب الخوذ البيضاء” السورية للحصول على جائزة نوبل للسلام، ففي افتتاحيتها في 5 أكتوبر 2016، أشارت الصحيفة إلى أن متطوعي المنظمة البالغ عددهم 3 آلاف متطوع يستحقون الجائزة نظراً لجهودهم الكبيرة في إنقاذ ضحايا القصف وإزالة الركام للبحث عن ناجين، ونجاحهم في إنقاذ أكثر من 60 ألف ضحية من تحت الأنقاض حسب بعض التقديرات.

إدراك متأخر:

هذا الاهتمام الذي أبداه الإعلام الغربي بالتداعيات الإنسانية للأزمة السورية يطرح دلالتين رئيسيتين هما:

1- يفتح الاهتمام الإعلامي الغربي بالجوانب الإنسانية تحديداً في الأزمة السورية النقاش حول دور جديد يمكن وصفه بأنه محاولة لتصحيح النهج الذي تبناه الإعلام سابقاً في الأزمة السورية، والذي اهتم من خلاله بدعم أحد أطراف الصراع في مواجهة الآخر، وهو ما لم يساهم فقط في تجاهل الضحايا الحقيقيين للأزمة، وإنما أدى أيضاً إلى وقوع العديد من وسائل الإعلام العالمية، أثناء تغطيتها للحرب، في مأزق التحيز.

فعلى سبيل المثال، بثت قناة “بي بي سي” العربية صورة لمراسلها بصحبة ضباط في الجيش السوري خلال معركة الحصار على الأحياء الشرقية لمدينة حلب. ومع المقاربة غير المهنية من قبل المراسل في تغطية الأحداث في سوريا تعرضت القناة لانتقادات واسعة واتهامات بدعم النظام السوري في “تجويع” شعبه ومحاصرة المدنيين.

ويمكن تفسير تلك الممارسات من قبل بعض القنوات التي تظهر وكأنها داعمة للنظام السوري، بأنها ترغب في التواجد داخل سوريا حتي وإن كان ذلك خاضعاً لشروط النظام السوري أو المعارضة المسلحة في حالات أخري، حيث يوفر كلاهما الحماية للصحفيين والمراسلين الذين يقومون بتغطية الحرب الدائرة هناك طالما أن ذلك يتوافق مع مصالحهم ورؤيتهم لمسارات الصراع.

كما تتعرض بعض القنوات لأخطاء مهنية أخرى ناتجة عن اللبس والاضطراب الناتج عن قلة المعلومات المتاحة من الداخل السوي، كأن تقوم بعض القنوات بنقل مشاهد من مناطق تخضع لسيطرة النظام على أنها مناطق تسيطر عليها المعارضة والعكس.

الإعلام الإغاثي:

2- يأتي الاحتفاء بدور منظمة “أصحاب الخوذ البيضاء” في وسائل الإعلام الغربية انعكاساً لتوجه إعلامي جديد يمكن أن يطلق عليه اسم “الإعلام الإغاثي”، وهو دور فرضته أزمات المنطقة على وسائل الإعلام، بحيث تكون طرفاً في العمليات الإغاثية ولا يقتصر دورها فقط على الترويج للمؤسسات الإغاثية الدولية وإلقاء الدور على ما تقوم به من عمليات كما كان في السابق.

وقد لجأت هذه النوعية من المنظمات إلى وسائل الإعلام لنشر حملات التوعية وجمع التبرعات بل والمشاركة أيضاً في عمليات الإغاثة التي تقوم بها. فعلى سبيل المثال، استعانت الدول الأوروبية المُستقبلة للاجئين وبصفة خاصة ألمانيا بوسائل الإعلام المرئية لتوعية اللاجئين بقوانين البلاد وقواعد التعامل مع مواطنيها، وحث المجتمع على تقبل اللاجئين السوريين إنسانياً، وذلك من خلال عدة برامج أضيفت لها فقرات عن اللاجئين، أو برامج جديدة مخصصة لهم.

ففي هذا السياق، أطلقت قناة “DW” عربية قناة ثانية لخدمة اللاجئين في ألمانيا وغرب أوروبا تبث على القمر الأوروبي “أسترا”، إلى جانب البرامج التي تبث على القناة الأصلية على غرار برنامج الأطفال الناجح “مع الفأر”، والبرنامج الحواري “شباب توك”.

وفي النهاية يمكن القول، إن انخراط وسائل الإعلام في العمليات الإغاثية، سواء بالتنويه عنها من خلال إلقاء الضوء على ضحايا مناطق الصراع، أو عبر الدعوة إلى الاهتمام بهم، أو عن طريق الاحتفاء بالمنظمات التي تشارك في هذه العمليات، يمثل اتجاهاً جديداً ربما يتسع نطاق تأثيره تدريجياً خلال المرحلة القادمة، لا سيما في ظل استمرار تصاعد حدة الصراعات في بعض المناطق، ومن ثم تزايد تفاقم الأوضاع الإنسانية الناتجة عنها.

المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »