Search
Close this search box.

هل تنحاز النساء للنسوية في المناصب القيادية؟

هل تنحاز النساء للنسوية في المناصب القيادية؟

خولة غازي

حين سئلت مادلين أولبرايت عن وفاة أكثر من نصف مليون طفل جراء الحصار الاقتصادي على العراق قالت إنّه :“ثمن مناسب للحصار”.

أما إبريل غلاسبي سفيرة الولايات المتحدة في العراق، فقد اشتهرت بالإيحاء للرئيس صدام حسين بأنه لا مانع من دخوله الكويت.

تمثل هاتان السيدتان نموذجين قديمين نسبياً، لكنهما تفتحان مخيلتنا على القادم المأمول، هل علينا أن نتفائل، أم نلتزم التفكير بواقعية بعيداً عن الشعارات بأن وجود المرأة في تلك المناصب هو انتصار للنسوية العالمية؟ قبل أن تأخذنا النشوة، علينا أن ندرك بداية أن تولي المرأة في الدول الغربية لا يعني أن ذلك سوف ينعكس إيجاباً بالشكل الذي نتخيله كشعوب مغيبة قسرياً، حيث إن آليات صنع القرار ليست مركزية وليست مرتبطة بشخص المسؤول وجنسه رجلاً كان أم امرأة، بل تعتمد بشكل كبير على تراتبية مرتبطة في النهاية بمصلحة الدولة التي يمثلها.

مع ذلك، نجد العديد من الجوانب الإنسانية التي يبرزها وجود المرأة في مواقع متقدمة خلافاً للرجل، وخير مثال على ذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

ميركل معبودة الجماهير:

غالباً ما يتم قياس تميز المرأة من الناحيتين الإنسانية والعاطفية، خاصة عندما تكون في سدة الحكم. تبرز المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، السياسية الأكثر شعبية في الفترة السابقة، كونها فتحت بلادها لأكبر موجة لاجئين سوريين، حتى أطلق عليها السوريين ألقاباً كثيرة منها “ماما ميركل”، “الأم الرحيمة”، “أم المنبوذين”، نظراً لاعتمادها سياسة “الحضن الدافئ” إزاء اللاجئين الذي عانوا ظروفاً صعبة حتى وصلوا إلى الأراضي الأوروبية.

وقد عمد طفل سوري في مخيمات غازي عنتاب إلى تقبيل يدها احتراماً لها، معبراً عن امتنانه وشكره لها، لتعهدها بالتمسك بسياسة “الباب المفتوح” أمام اللاجئين، على الرغم من تعرضها لضغوط داخلية واسعة ضد سياستها هذه.

وقد كتبت العديد من المقالات والتقارير عن مدى شعبية ميركل بين اللاجئين السوريين، ركزت على أن محبتها انتقلت من الواقع إلى العالم الافتراضي، وخصصت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تداولها اللاجئون بعناوين مختلفة “منحبك”، “ماما ميركل” وغيرها من العناوين التي تنم عن شغفهم بالمستشارة الألمانية.

تقول صحيفة غربية أن اللاجئين لم يكتفوا بإغداق مشاعر الحب والامتنان على “معبودتهم ميركل” بل شبهوها بالحاكم الحبشي (النجاشي) الذي أعطى الأمان للمسلمين الفارين من اضطهاد قريش لهم في مكة، وسمح لهم بالعيش في مملكته في أكسوم. وتداولوا وسم #ميركل الحبشية، بالإضافة إلى صور تمت معالجتها على برنامج “فوتوشوب”، في محاولة لمقارنة رحمة المستشارة الألمانية بقساوة بعض الحكام العرب.

مع ذلك، لم تسلم المستشارة الألمانية من النقد عندما ردت ببرود على دموع لاجئة فلسطينية حين تحدثت الفتاة عن خوفها من أن ترحل مع عائلتها قسراً إلى لبنان، حيث كانوا يعيشون في مخيم للاجئين. إذ ردت عليها المستشارة الألمانية بأنه لا يمكن لألمانيا استقبال الملايين من اللاجئين في المخيمات، وأن على البعض ممن لم يحصلوا على حق الإقامة أن يغادروا ألمانيا.

أما بالنسبة لمواقف ميركل السياسية تجاه قضايا الدول الأخرى، وتحديداً حيال سوريا، ففي قراءة لهذه المواقف نجدها تتأرجح بين مطالبتها برحيل الرئيس السوري بشار الأسد وضرورة إشراكه في الحوار، ما يعني أن سياستها تتبع الإجماع الدولي.

وقد تعهدت في وقت سابق خلال انعقاد مؤتمر للمانحين بشأن سوريا في العاصمة البريطانية لندن بتقديم (2.57 مليار دولار) كمساعدات لسوريا بحلول عام 2018 بينها 1.1 مليار يورو هذا العام.

تيريزا ماي، المرأة النووية:

استهلت رئيسة وزراء بريطانيا مهمتها الجديدة بتصريح نووي مستفز، وهو أنها مستعدة لإعطاء أمر بتوجيه ضربة نووية قد تقتل مئات آلاف الأبرياء، مشيرة أن أعداء بريطانيا لا بد أن يعلموا أنها مستعدة لاستخدام السلاح النووي إذا ما تعرضت لأي تهديد.

أما بخصوص اللاجئين السوريين، فقد ألغت  رئيسة الحكومة البريطانية منصب “وزير اللاجئين السوريين”، الذي استحدثه رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون العام الماضي، وأعلن عنه خلال زيارته مخيماً للاجئين السوريين في لبنان.

ووصف سياسيون وإعلاميون وحقوقيون بريطانيون، قرار إلغاء منصب “وزير اللاجئين السوريين” بالمخزي تماماً.

واعتبر زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي تيم فارون، أن “هذا القرار يُظهر أن حكومة تيريزا ماي تقول ولا تفعل، عندما يتعلق الأمر بانتهاج سياسات أكثر تعاطفاً مع أزمة اللاجئين”.

من جهة أخرى قالت رئيسة الوزراء البريطانية  تيريزا ماي إنه ومثلما اتخذت بريطانيا موقفاً تاريخياً قبل قرنين لمنع العبودية، فإنها ستقود العالم مرة أخرى لمنع العبودية الحديثة والحفاظ على الحريات والقيم التي حددت هوية المملكة لأجيال.

جاء ذلك في مقال لها نشرته بصحيفة تلغراف، حول أشكال العبودية الحديثة في تهريب البشر وقسرهم على ممارسة أعمال مثل الدعارة والأعمال الشاقة واستغلال الضعفاء مثل النساء والأطفال واللاجئين المهاجرين، واصفة إياها بأنها عالمية الطابع وتتطلب رداً من كل دول العالم ونهجاً شاملاً.

بكاء فيديريكا موغيريني:

كان بكاء نائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موغيريني مؤثراً خلال مؤتمرها الصحفي مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، عقب توارد أنباء التفجير الانتحاري الذي وقع  قبل شهور عدة في مطار بروكسل ببلجيكا.

حيث أصيبت موغيريني بالارتباك، وقطعت المؤتمر الصحفي وهي تبكي، وقامت باحتضان جودة الذي عمل سريعاً على إخراجها من القاعة التي غصت بالصحفيين.

هذه الحادثة تؤكد الحالة العاطفية التي تجسدها المرأة في العمل السياسي، ومدى قدرتها على التعامل مع قضايا عديدة بجدار فولاذي يمنع عنها التعبير عن مشاعرها.

في اليوم التالي لبكاء السيدة موغريني التقت في جنيف رئيس وفد الحكومة السورية بشار الجعفري في مقر إقامته. وكان اللقاء الأول منذ سنوات وأعلنت فيه دعم محادثات جنيف للتوصّل إلى حل للأزمة السورية،  وخلال مؤتمر صحافي مع المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا نبّهت إلى أنّ انتشار داعش في سوريا هو خطر يهدّد اوروبا.

الأمم المتحدة أمام قيادة جديدة:

لأول مرة في التاريخ قد تتسلم امرأة قيادة الأمم المتحدة، وقد ترشحت أربع سيدات، قدمن برامجهن السياسية، لكن القرار النهائي سيكون بيد الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدول. والسيدات هن:

– إيرينا بوكوفا (بلغاريا)

دبلوماسية بلغارية تبلغ من العمر 63 عاماً، كانت سابقاً وزيرة للخارجية وسفيرة لبلادها في كل من باريس والرباط. تشغل بوكوفا حالياً منصب الأمينة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وهي أول امرأة على الإطلاق تتولى هذا المنصب. سيكون في صالحها أن الأمم المتحدة تتبع عرفياً التقسيم الجغرافي لاختيار أمنائها العامين، وحسب هذا العرف، فإن الأمين العام القادم سيكون من أوروبا الشرقية التي تنتمي إليها بوكوفا.

– ناتالي غيرمان (مولدوفا)

تولت سابقاً منصب نائبة رئيس الوزراء وعينت وزيرة للخارجية وسفيرة لبلادها في عدة دول أوروبية، وكبيرة للمفاوضين في اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبلادها. تركز غيرمان البالغة من العمر، 47 عاماً، رؤيتها على تعزيز حقوق الإنسان وقضايا المساواة بين الجنسين. وفي منتصف شباط/ فبراير الماضي، تقدمت هذه الدبلوماسية رسمياً بملف ترشحها لخلافة الأمين العام الحالي على رأس منظمة الأمم المتحدة.

– هيلين كلارك (نيوزيلاندا)

تتولى حالياً رئاسة برنامج الأمم المتحدة للتنمية، وكانت رئيسة لوزراء نيوزيلاندا مدة حوالي 10 سنوات. وقبل أن تصبح رئيسة للوزراء، شغلت كلارك، 66 عاماً، عدة حقائب وزارية في حكومة بلادها منها الصحة والعمل، وانتخبت في البرلمان، وكانت زعيمة للمعارضة حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي. وإلى جانب تكوينها السياسي، فقد عملت كلارك أستاذة محاضرة في جامعة أوكلاند التي تخرجت منها مطلع سبعينيات القرن الماضي.

– فيسنا بوسيتش (كرواتيا)

مرشحة سابقة لرئاسة كرواتيا، شغلت منصب نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية، وانتخبت ثلاث مرات متتالية في البرلمان الكرواتي، وهي سياسية وعالمة اجتماع معروفة بدفاعها عن المثليين وقضايا المساواة بين الجنسين. حصلت بوسيتش على البكالوريوس في الفلسفة وعلم الاجتماع سنة 1976 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالعاصمة الكرواتية زغرب. وكانت أستاذة في الجامعة ومدافعة قوية عن حقوق المرأة، وقد عرّضها تأسيسها رفقة ست نساء أخريات لجمعية “المرأة والمجتمع” لانتقادات حادة من سلطات بلادها.

فهل تفعل تلك السيدات ما عجز عنه الأمناء السابقون ويتخلين عن قلق بان كي مون ليسرن بخطى عملية تجاه قضايا الشعوب المقهورة؟ السؤال برهن المستقبل.

هيلاري كلينتون أول رئيسة:

تقف هيلاري كلينتون بقوة أمام منافسها دونالد ترامب في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. ولا يمنع هيلاري هذه المرة أي شيء كي تصبح أول امرأة حاكمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. البعض يرى أن كلينتون تأخرت في دخول البيت الأبيض ثماني سنوات كاملة بسبب الظهور المفاجئ والمستحيل إيقافه للمرشح الأسود الشاب باراك أوباما في انتخابات 2008. وعلى الرغم من توالي مسلسل الفضائح والهزات المتكرر لهيلاري كلينتون، إلا أن السيدة القوية تبدو لديها حصانة تاريخية للتعامل مع المحن والشدائد دون أن يهتز إيمانها بأحقيتها في المنصب الأعلى والأهم على وجه الأرض، والذي لم تشغله أي امرأة حتى اليوم.

لنا الدموع:

 مما تقدم نجد أن االدول المتقدمة لا تتعامل بمنطق أنثى ورجل، بل بمنطق الإنسان المؤهل والكفء لتولي المناصب، بغض النظر عن جنسه، أما بخصوص انعكاس ذلك على السياسات العالمية، فستكون قرارتهن دوماً ضمن مصلحة بلادهن أولاً وأخيراً.

وما ستجنيه الدول الأخرى وخاصة تلك التي تعاني من أزمات اقتصادية وشعبية، هو الدموع والتعاطف الإنساني، بينما ستنشط على أكتاف هذه الدول شركات السلاح والأدوية والأطراف الصناعية، إضافة إلى صناعة المزيد من الديكتاتوريات الظاهرة والمقنعة، مع توابل حقوق الإنسان وحق المرأة في التمثيل وما إلى ذلك من مسكنات يحرص العالم الثالث على تناولها منذ عقود.

المصدر مجلة “سيدة سوريا”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »