Search
Close this search box.

قصة سوريات يحوّلن قبواً إلى مصنعٍ للمجوهرات باسطنبول … هكذا تحدين الصعاب وأنشأن “سوريا الصغيرة”

قصة سوريات يحوّلن قبواً إلى مصنعٍ للمجوهرات باسطنبول … هكذا تحدين الصعاب وأنشأن “سوريا الصغيرة”

في قبوٍ قديم بمنطقة فاتح التركية في وسط إسطنبول، تجتمع نساء سوريات حول إحدى الطاولات ليصنعن بعض المجوهرات.
يختفي ضجيج المدينة الصاخبة ذات الأربعة عشر مليون نسمة في يوم جُمعة ماطر، ليفسح المكان لذكريات دمشق وحلب، هنا حيث تغلب اللغة العربية على كل اللغات الأخرى.

وعلى الرغم من عدم معرفة هؤلاء النسوة ببعضهن، إلا أن الروابط التي شكلتها أهوال الحرب توجد بينهن نوعاً من الألفة.

أما الأقراط التي ينتجنها حالياً، على شكل قطراتٍ لا قنابل، فتهدف لجمع الأموال وتوفير مصدر للدخل لهؤلاء السوريين الذين يسكنون أكثر المدن التركية ازدحاماً.

وتدير إحدى المنظمات الشعبية للمشروعات الصغيرة في إسطنبول هذه المبادرة، كما توفر هذه المنظمة أيضاً التدريب اللغوي والمشروعات المجتمعية والمنح لهؤلاء الذين شتتتهم الحرب.

فسحة للذكريات

بالنسبة لهؤلاء النسوة، لا يتعلق وجودهن هنا فقط بتوفير مصدر للدخل للعيش في هذه المدينة المكلفة، بل يجدن فيه مكاناً لتذكر الماضي الذي طُمِس.

“حين آتي إلى هنا أشعر وكأنني عدت إلى سوريا” هكذا عبرت سوسن، أم لأربعة أطفال، عن شعورها أثناء وجودها في منطقة فاتح التي وصلت إليها في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

تحني هؤلاء النسوة رؤوسهن لثني المعدن بصبر لتتشكل قطع من المجوهرات، التي يأملن أن تجذب السياح، الراغبين في العودة بشيء من تركيا لوطنهم، إلى اقتنائها، وفي الوقت ذاته يركض أطفالهن في أرجاء المكان، وعلى الرغم من أن السعادة تبدو على محياهم، فإنهم ليسوا غافلين عما يجري.

وتشير إحدى النسوة إلى الحرب في وطنهن قائلة “بالطبع يعرفون ما يجري” كما تضيف “كل طفل هنا أكبر من عمره”.

“سوريا الصغيرة”

مع اشتعال الحرب الأهلية في سوريا، أصبحت فاتح، الواقعة على بعد 750 ميلاً من الحدود التركية السورية، هي “سوريا الصغيرة” في إسطنبول.

تضم فاتح ما يزيد على 1000 أسرة سورية استقرت في المنطقة، ويمكن لكل منها شراء الأطعمة التي اعتادوها في الوطن من محلات البقالة المختلفة، كما بوسعهم زيارة المطاعم المختلفة التي تقدم الأكل السوري التقليدي، حتى أن وكلاء العقارات بدأوا في الإعلان باللغة العربية.

وعلى الرغم من الدعوة التي تلقاها صحفيو جريدة ميدل إيست آي Middle east Eye إلى الشاي حين وصلوا، فلا شيء يبدأ في تركيا قبل الشاي، إلا أن معظم النسوة رفضن التسجيل معهم أو السماح لهم بالتقاط الصور، ولم يوافقن إلا بعد العديد من المفاوضات والتطمينات.

“لكن دون صور للوجوه من فضلكم”، بينما أضافت أخرى في نبرة ما بين الجد والهزل “للأسد عيونه وآذانه في كل مكان”.

صانع الفضة السوري

الرجل الذي يعلمهن كيفية صناعة الأقراط لاجئٌ هو الآخر. كان لمحمود تابشو متجره المزدهر في حلب لتصميم الفضة إلى أن أُجبر على إغلاقه في مايو/أيار 2012، لتنتهي أعمال الأسرة التي استمرت لما يربو على 100 عام.

وقال محمود “كانت السياحة هي أولى القطاعات التي تضررت مع بداية الحرب السورية، توقف الناس عن القدوم لمتجري مما اضطرني للبحث عن عمل في تركيا”.

كما عمل محمود في عدة وظائف في الفترة التي قضاها هنا، ومع تحسن أحواله المالية، انضمت إليه أسرته، زوجته وأولاده أولاً ثم والداه وأشقاؤه.

وأضاف “هذه إسطنبول، الحياة هنا باهظة الثمن، وهي صعبة للغاية إذا لم يكن لديك وظيفة”.

وفرت الأقراط لمحمود دخلاً، غير ثابت لكنه يحتاج إليه، بعدما قضى مطلع العام عاطلاً عن العمل.

كما أضاف “أتواجد هنا في أيام الاثنين والجمعة عادة، لكن العمل قليل هذا الأسبوع ولا توجد طلبات”.

أما الأشخاص المتواجدون في هذه الحجرة، فقد فَقَدَ كل منهم أحداً في تلك الحرب، وعلى الرغم من تورط جميع الأطراف المتنازعة في ارتكاب فظائع ضد المدنيين، فإن كل الذين تحدثوا للصحيفة استخدموا كلمة واحدة لوصف الرئيس السوري بشار الأسد “مسخ”.

وقال محمود “حين بدأت المظاهرات في 2011، كنا نطالب بأشياء بسيطة، لا بتغيير الحكومة، لكن الأسد بدأ بقتل الناس يومياً، وهنا علمنا أن عليه أن يرحل”.

الشرق أم الغرب؟

حكاية سوسن هي الحكاية التقليدية حول كيف انقلبت الحياة رأساً على عقب حين خرج سكان درعا(جنوب سوريا) في الشوارع احتجاجاً على القبض على 15 من طلاب المدارس بعدما كتبوا شعارات مناهضة للحكومة على الجدران وأشيع مقتلهم.

أما حياة سوسن وأسرتها فكانت حياة هادئة لأسرة من الطبقة المتوسطة في حي القدم، أحد الجيوب المعروفة بمناهضتها للأسد خارج دمشق.

هربت أسرة سوسن إلى العاصمة بعدما قصفت الحكومة منزلهم، وعاشوا مع أقارب لهم لبعض الوقت، لكن الخطر استمر موجوداً في كل ركن.

وأضافت سوسن “أصبحت حياتنا في دمشق شاقة للغاية. كان هناك نقاط للتفتيش في كل مكان، واستمرت الحكومة في ملاحقتنا بسبب علمها أن سكان القدم يعارضون الأسد”.

ألقت القوات الحكومية القبض على زوج سوسن، الذي كان يمتهن المحاماة، في ثلاث مناسبات مختلفة. وتقول سوسن أن زوجها لم يعد بعد القبض عليه فى المرة الثالثة وذلك لأنه عُذب وقُتل، وأضافت “لقد كانت وفاة زوجي هي السبب وراء اتخاذي القرار بترك سوريا أنا وأطفالي والذهاب إلى إسطنبول”.

وعلى الرغم من كثرة الحكايات والأقاويل التي تُثار حول مسألة قفز السوريين إلى القوارب المُحملة بالمهاجرين بهدف الوصول لشواطىء أوروبا، فليس كل من تحدثوا للصحيفة كانوا في واقع الأمر يحلمون بالتوجه صوب الغرب. فبعض هؤلاء اللاجئين حالتهم مشابهة لحالة سوسن، فهم يشعرون بالسعادة لبقائهم في تركيا، كونها من وجهة نظرهم المكان الأمثل الذي قد يتمكنون من.

العيش فيه بشكل جيد وتربية أبنائهم فيه على القيم الإسلامية المُحافظة دون الحاجة لتكبد المزيد من الضغط فيما يتعلق بتبني قيم الغرب، ويريدون أن يحققوا العديد من النجاحات هناك.
وتقول سوسن “كما تعلمين، فإن الغرب هو الغرب، سيكون من الصعب علينا الانصياع لتلك المُتغيرات التي قد تحدث هناك”.

ضحايا للاستغلال

المعيشة فى مدينة إسطنبول صعبة للغاية. ووفقاً للأرقام الصادرة عن مؤسسة هيومن رايتس ووتش، فإن عدد الأطفال السوريين بعمر المدرسة داخل تركيا يبلغ 700 ألف طفل، وأن أقل من ثلث هذا الرقم تمكنوا من الذهاب للمدرسة داخل تركيا وذلك خلال السنوات الأربع الماضية.

تنتمي عائلة سوسن لتلك العائلات التى لم تتمكن من إرسال أولادها للمدرسة، فالعائلة في أمس الحاجة لوجود دخل إضافي الأمر الذى دفع ابنها، البالغ من العمر 16 عاماً، إلى العمل بوظيفة نادل في أحد المطاعم بقلب مدينة إسطنبول ليتقاضى 3.65 دولارات كأجر يومي.

وفي سياق متصل، فإن هناك نساء أخريات تحدثن عن أرباب العمل عديمي الضمير الذين يستغلون الظروف التي يمر بها بعض السوريبن كعدم القدرة على التحدث باللغة التركية وعدم السماح لهم بالعمل في تركيا من الناحية القانونية.

تتحدث سوسن بخصوص ذلك الأمر قائلةً “أصحاب العمل الأتراك يعلمون أن بمقدرتهم استغلالنا كما يحلو لهم، وأنهم سينجون بفعلتهم وأن أحداً لن يحاسبهم”، وأضافت قائلة “يتقاضى العامل التركي راتباً يُقدر بـ1200 ليرة، في حين يحصل العامل السوري على 800 ليرة فقط، الأمر غاية في الصعوبة ولكننا لا نملك أية خيارات”.

الأخوات الثلاث

على الجانب الآخر، تُحاول كل من إيناس ولبنى ولودميلا، الأخوات الثلاث اللواتي فررن من حلب في أعقاب سقوط الحي الذي يقطن به في يد تنظيم الدولة، مغادرة تركيا فى أسرع وقت ممكن.

تتحدث لبنى، الأخت الكبرى، عن الحياة الجيدة التي كانت تحظى بها هي وعائلتها فى حلب، ثاني أكبر المدن السورية، قائلةً “لقد كنا نمتلك كل ما نريده، كنت أعمل مدرسةً فى جامعة حلب”، واستطردت قائلة “لقد حصل ثلاثتنا، أنا وأخواتي، على درجات علمية جيدة في هندسة الحاسوب، كما حصل جميع أفراد عائلتي على قدر كبير من التعليم الجيد”.

وفي سياق متصل، تقول لبنى أن مسألة التعليم تأتي في المقام الأول لدى عائلتها، وأن أسرتها أصرت على البقاء فى حلب، وهي تحت القصف، حتى تتمكن إيناس، أختها الصغرى، من إكمال دراستها.

تتحدث لبنى عن الأشياء التي تطمح لها، إذ أفصحت بأنها تريد الذهاب إلى ألمانيا، المكان الذي درس فيه أبواها وتمكنا من الحصول على درجة الدكتوراه، لتفعل الشيء نفسه هي وأختاها.
وتعتقد لبنى أن مسألة التعلم والعمل في ألمانيا تُعد من الأمور البسيطة والسهلة.

لا عودة لسوريا “الأسد “

استضافت تركيا، منذ بدأ الصراع فى سوريا، جزءاً من اللاجئين السوريين يقدر عددهم بـ2.75 مليون لاجىء. وعلى ما يبدو فإن وضع النساء أصبح في طي النسيان نتيجة الحقد والتوترات السياسية التي سببتها قضية اللاجئين في ألمانيا وباقي دول أوروبا. لا تتوقع النساء السوريات حصولهن على الحياة الرغدة من قبل الدول المضيفة.

ما يثير قلقهن هو عدم قدرتهن على الاستفادة من خبراتهن ومهاراتهن بما يمكنهن من إرسال أطفالهن للمدارس والأمل في العودة للوطن مرة أخرى.

كما أضاف محمود في حزم “هؤلاء السوريون في ألمانيا والسويد والولايات المتحدة لن يعودوا مرة أخرى، لكن السوريين في تركيا سيعودون إليها مرة أخرى حين تنتهي الحرب، وهم من سيصنعون سوريا جديدة”.

بالنسبة لسوسن ومن يشبهونها، فستبقى عودتهم لسوريا مستحيلة طالما بقي الأسد في السلطة.

إذ أضافت “لقد قتلوا والد أطفالي، أنا أريد السلام، لكن بالنسبة لي، الحياة في سوريا ليست ممكنة مرة أخرى إلا إذا رحل النظام”.

وإلى أن يأتي ذلك اليوم، فسيبقى القبو وسيلةً للاحتفاظ ببلدٍ لم يعد موجوداً.

المصدر موقع “هافينغتون بوست”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »