Search
Close this search box.

المرأة السورية في الداخل تكافح من أجل البقاء

المرأة السورية في الداخل تكافح من أجل البقاء

حلب – على مدار أكثر من 5 سنوات من الحرب المستعرة في سوريا، تكبّدت المرأة السوريّة حملاً وافراً من الأعباء، الّتي تمثّلت بالإنتهاكات، في ما لو تعرّضت للاعتقال, والتشرّد في مخيّمات النازحين، إضافة إلى عبء فقدان الزوج أو الإبن. لقد وثّقت الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان في تقريرها بـ20 آذار من عام 2013 أنّ ما لا يقلّ عن 54 ألف سيدّة فقدن أزواجهنّ، من بينهنّ أكثر من 40 ألف أمّ، أما الباقي هن أرامل لكن لم ينجبن أطفال). كما وثّق التقرير استشهاد أكثر من 35 ألف رجل متزوّج، وبالتّالي تحوّلت زوجته إلى أرملة، في حين وثّق أيضاً أنّ هناك 19 ألف رجل متزوّج في عداد المختفين قسريّاً، وبالتّالي 19 ألف امرأة لا تعلم إن كان زوجها سيعود أم لا.

تعيش المرأة السوريّة، الّتي فقدت زوجها في الداخل السوريّ بسبب القصف أو الإعتقال أو بسبب تسلّح الحراك الشعبيّ، واقعاً مأسويّاً، فحال المجتمع السوريّ أنّ المرأة تعتمد في شكل كليّ على الرجل الّذي يعمل من أجل تأسيس العائلة، بينما تقوم المرأة بدور ربّة المنزل ورعاية الأطفال، فكان فقدان الزوج أمر يصعب التأقلم معه بالنّسبة إلى النساء السوريّات، خصوصاً اللّواتي أنجبن أكثر من طفل.

وفي ظلّ هذا الواقع، كان لا بدّ للمرأة في سوريا الّتي فقدت زوجها أن تتحوّل إلى منتجة، بدل أن تكون ربّة منزل فقط لتتمكّن من البقاء وإعالة أطفالها بسبب الواقع الاقتصادي المتردّي الّذي تمرّ فيه البلاد من جرّاء الحرب. وفي غضون ذلك، قام ناشطون داخل مدينة حلب في القسم الخاضع لسيطرة المعارضة السوريّة بإنشاء مركز “بلقيس” في نوفمبر\تشرين الثاني عام 2015، الّذي يعمل على إقامة دورات تدريبيّة للنساء لتعزيز قدراتهنّ وإكسابهنّ مهنة تساعدهنّ في الاعتماد على أنفسهنّ في الحياة وجعلهنّ عضواً فاعلاً في المجتمع.

وفي هذا الصدد، قالت مديرة معهد “بلقيس” الحاصلة على إجازة في الحقوق من جامعة حلب قمر السخني لـ”المونيتور”: “يقوم مركز بلقيس على تطوير المرأة والعناية بالطفل. وإنّ هدف المركز الرئيسيّ إخراج المرأة من حال الحرب وتأمين جوّ مناسب والدعم النفسيّ للأطفال. أمّا الأهداف الأخرى الّتي نعمل عليها فتتمثّل بمحورين: الأوّل هو مهنيّ والمقصود منه إكساب المرأة مهنتين أساسيّتين حياكة الصوف والخياطة، بحيث تستطيع من خلال هاتين المهنتين المشهورتين في عموم أنحاء سوريا الاعتماد على نفسها وتأمين مورد ماديّ لها يعينها في حياتها. أمّا المحور الثاني الّذي نتطلّع إليه في مركز بلقيس فهو محو الأميّة، ونحن نعمل من خلاله على تقديم حلقات تعليميّة إلى النساء اللّواتي لا يعرفن القراءة والكتابة، بحيث بلغ عدد المستفيدات من هذا القسم 30 امرأة أهدافهنّ في المجمل المساعدة في تعليم أطفالهنّ بدراستهم”.

أضافت: “لقد بلغ أعداد المنتسبات إلينا 225 امرأة، غالبيّتهنّ من اللّواتي فقدن أزواجهنّ لأسباب مختلفة، ومنهنّ مطلّقات. جميع المنتسبات إلى مركز بلقيس يتدرّبن مجّاناً، ولا يطلب منهنّ أيّ مبالغ ماديّة لقاء الخبرات الّتي يكتسبنها. ويتلقّى مركز بلقيس دعمه من لجنة تمكين (منظّمة بريطانيّة تدعم مشاريع المجالس المحليّة في سوريا). أمّا الإشراف من الناحية الإداريّة فهو بشكل كامل للمجلس المحليّ لمدينة حلب التابع للحكومة السوريّة الموقّتة“.

وحول العاملين في مركز بلقيس تقول قمر:” في المجال التعليمي يوجد في مركز بلقيس معلمات أنهين تحصيلهن العلمي سابقاً وهن حائزات على مؤهلات علمية تمكنهن من إفادة المنتسبين للمركز, أما في المجال المهني فلا يشترط المؤهل العملي بالقدر الذي تشترط فيه وجود الخبرة العملية, جميع المدربين و المعلمين هم من النساء باستثناء حارس المركز”.

كثير من النساء اللّواتي قرّرن الإنتساب إلى مركز “بلقيس” اخترن تعلّم الخياطة وحياكة الصوف، وإنّ أهدافهنّ في الدرجة الأولى كسب المال من خلال المهنة الّتي يردن تعلّمها. وفي هذا الإطار، قالت إحدى المنتسبات إلى مركز “بلقيس” أم فائزة لـ”المونيتور”: “جيت على مركز بلقيس من شان أتعلّم خياطة الملابس وحياكة الصوف، زوجي استشهد في القصف، وعندي 3 بنات أعمارهنّ (6، 8، و15 عاماً)، عبحاول من خلال المركز تعلّم مهنة أقدر أعيش من خلالها مع بناتي في المستقبل القريب، وأيضاً أقدر من خلالها أصنع ملابس لبناتي كون الكلفة بتكون أقلّ بكتير من أسعار الملابس المتواجدة في الأسواق، استفدت بشكل كبير من خلال الدورات التعلميّة وعبحاول حاليّاً أطوّر مهاراتي بشكل أكبر لحتّى أقدر أأمن فرصة عمل إلي بالمستقبل وأكون مستقلّة في حياتي”.

كما أنّ بعض النساء والفتيات المنتسبات إلى مركز “بلقيس” اخترن لأنفسهنّ جانباً آخر من نشاطات المركز، وهو تعلّم القراءة والكتابة، إمّا لمساعدة أطفالهنّ في حياتهم الدراسيّة أو لتكون مصدر دخل ماديّاً لهنّ في المستقبل أيضاً. وفي هذا المجال، قالت إحدى منتسبات مركز “بلقيس” أم أحمد لـ”المونيتور”: “تسجّلت في مركز بلقيس كوني إنسانة “أميّة” لا أعرف القراءة والكتابة. لقد استشهد زوجي منذ بداية الحراك المسلّح في حلب ولديّ أطفال صغار (طفلتان 8 و7 سنوات، وطفل 5 أعوام). لازم أتعلم القراءة و الكتابة من شان حاول ساعد أطفالي على التعليم، وبنفس الوقت بجيب أطفالي معي على المركز من شان يتعلّمو القراءة والكتابة ويستفيديو من جميع النشاطات الموجودة في المركز. وحاليّاً، نحنا عايشين بفترة صعبة كتير، ممكن لاقي فرصة عمل لاحقاً لتعليم الأطفال الصغار في أحد الجوامع في المدينة، الواقع الحالي بيفرض علي كربّة منزل إنو أعمل من شان أتمكّن من الاستمرار بالحياة مع أطفالي بعد وفاة والدهم”.

وهناك أيضاً نساء قرّرن الإنتساب إلى معهد “بلقيس” من أجل مساعدة أزواجهنّ في مصروف العائلة الشهريّ، الّذي طالما أنهك كاهل السوريّين خلال سنوات الحرب بسبب تردّي الأوضاع الإقتصاديّة وانعدام فرص العمل.

وقالت أم عبد الكريم لـ”المونيتور”: “قرّرت المجيء إلى مركز بلقيس لتعلّم الخياطة بعد ضعف حال زوجي الإقتصاديّة والراتب القليل الّذي يحصل عليه لقاء عمله كحمّال. راتب زوجي ما بكفي لنهاية الشهر، والمفروض عليّ حاليّاً كزوجة أساعد زوجي في إدارة أمور العائلة كوننا عمنمرّ بفترة صعبة جدّاً، عندي طفل صغير عمره 3 أشهر لمّا بجي عالمركز أم زوجي بتعتني فيه، الناس كلّها بتعرف الوضع الصعب اللّي عايشين فيه. وبالتالي، لازم نشتغل من شان نعيش”.

تدرك النساء في سوريا، وخصوصاً منهنّ اللّواتي فقدن أزواجهنّ، أنّ الحاجة إلى العمل باتت ضرورة ملحّة في ظلّ ظروف الحرب القاسية، لا سيّما اللّواتي رفضن أن يتزوّجن مرّة أخرى وفضّلن أن يكرسن وقتهنّ وأنفسهنّ لتربية أطفالهنّ. كما يدركن ضرورة الإعتماد على أنفسهنّ في الفترة الراهنة، خصوصاً أنّ مجمل الأوضاع الإقتصاديّة في البلاد لا تساعد في أن يقوم أحد أقربائهنّ أو ذويهنّ بمساعدتهنّ، فقد ذكرت منظمة الأمم المتحدة “الاسكوا” في تقرير لها أنّ 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر, في حين قالت مصادر في المكتب المركزي للإحصاء التابع لحكومة النظام أن نسبة بطالة الشباب قد قاربت الـ70%. الحال في الداخل السوريّ أصعب من أن توصف بكلمات.

المصدر: موقع المونيتور

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »