القانون وجرائم اعتقال وتعذيب ومحاكمة الأطفال وقتلهم

القانون وجرائم اعتقال وتعذيب ومحاكمة الأطفال وقتلهم

سحر حويجة

العنف المدمر والشامل الذي تعيشه سوريا منذ ما يقارب الخمسة أعوام، وما نتج عنه من قتل ونزوح ولجوء وتشريد، من خطف واختفاء قسريّ واعتقالات تعسفيّة. أضرار بالغة وجروح عميقة، شروخ أصابت جميع الفئات الاجتماعية في الصميم، إلا أن نصيب الأطفال السوريين من مآسي العنف والقمع، كانت الأكبر التي سيطال أثرها ليس الحاضر فحسب بل المستقبل أيضاً. نتيجة الآثار النفسيّة الخطيرة على الأطفال الذين نجوا من المجازر أو أصيبوا خلالها، أو قتل أهاليهم وأقاربهم أمام أعينهم، أو نتيجة للظروف غير الإنسانية والجوع في المناطق المحاصرة أو في مناطق اللجوء. كما يعاني الأطفال السوريون من ظروف صحيّة سيّئة للغاية منها شلل الأطفال، إضافة إلى الحرمان من متابعة دراستهم، وحرمانهم من طفولتهم. ..الخ

 بلغة الأرقام وفق تقديرات الأمم المتحدة، يشكّل الأطفال نصف عدد اللاجئين، أي أكثر من مليوني لاجيء هم من الأطفال، كما يشكلون نصف عدد النازحين، هناك أكثر من أربعة ملايين نازح من الأطفال. أرقام مذهلة ومتعددة المصادر، منها ما نشره الائتلاف الوطني لقوى المعارضة التي أشارت إلى إن أكثر من أحد عشر ألف طفل سوري قتلوا منذ 2011، كما أن آلافاً من الأطفال ما زالوا يقبعون في السجون، وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد قدرت عدد الأطفال الذين تعرّضوا للاعتقال حوالي عشرين ألفاً.. ومازال تسعة آلاف منهم قيد الاحتجاز، تمّ اعتقالهم بأساليب تعسفيّة، حيث يتعرض الأطفال المعتقلون لكلّ وسائل التعذيب والإخفاء القسريّ، وكثيراً ما يتمّ اعتقال قاصرين مع أمهاتهم، أو يتمّ اعتقالهم قصداً بمفردهم للضغط على الأهالي لتسليم أنفسهم. كما يتعرّض الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات المتشددة للتجنيد الإجباري والاعتقال، خاصة في مناطق سيطرة داعش التي أقدمت مؤخّراً على قطع رؤوس أربعة من الأطفال تحت ذريعة اتهامهم بالتجسس.

بعد مرور سنوات على الاعتقالات التعسفيّة والأحكام الجائرة بحقّ الأطفال في أقبية النظام السوري، حيث يتمّ تعذيبهم واحتجازهم ومحاكمتهم أسوة بالراشدين من المعتقلين بما يخالف القانون السوري، واتفاقية حقوق الطفل. بعد ما تمّ كشفه وتوثيقه من فضائح حول ما يجري في سجون النظام، وثّقت الصور المسرّبة مئات من جرائم قتل القاصرين تحت التعذيب، ونتيجة الضغوط الحقوقيّة والدوليّة ومطالبات الأهالي، في عملية البحث عن أطفالهم المعتقلين، أصدرت وزارة العدل السورية في آذار الماضي تعميماً برقم 21 لعام 2016، يقضي بتحويل كلّ المعتقلين والموقوفين من القاصرين إلى محاكم الأحداث، حتى لو كانوا متهمين بالإرهاب، تنفس أهالي القاصرين والمحامون المدافعون عنهم في محاكم الإرهاب الصعداء، غير أن محاكم الإرهاب لم تأخذ بعد بهذا التعميم، تحت حجّة أن التعميم لم يصلهم بشكل رسمي، بمعنى أنه لا يكفي أن يصدر بشكل رسمي، بل يجب كما يبدو عليه الحال أن يكون الأمر صادراً من الجهات الأمنية أو باسم رئيس الجمهورية، وكأن القضاة في محكمة الإرهاب الاستثنائية ليسوا تابعين لوزارة العدل، إن ما يجري يؤكد سيطرة الأمن على أجهزة المحكمة في أحكامها كما في تطبيق القانون.

إضاءة على قانون الأحداث :

 هو القانون رقم 18 لعام 1974، ينصّ على الأصول الخاصة بالتوقيف وأماكن التوقيف وكيفية محاكمة الأحداث، بما يضمن مصالح الطفل … ومن أهم المواد التي وردت في هذا القانون التي تتعلق بهذا الشأن:

ما جاء في المادة الثالثة من قانون الأحداث الجانحين: ـ”إذا ارتكب الحدث الذي أتمّ السابعة ولم يتمّ الثامنة عشرة من عمره أي جريمة من الجرائم، فلا تفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في هذا القانون، حيث يجوز الجمع بين عدة تدابير إصلاحية”.

أما في الأحكام الخاصة بالجنايات التي يقترفها الحدث حيث تكون العقوبة مخففة، “ففي جناية يحكم عليها بالإعدام يتمّ الحبس مع التشغيل من 6 ـ 12 سنة. في حال أتمّ الحدث سن 15، ويكون حبس الأحداث في معاهد إصلاح الأحداث على أن يخصّص لهم جناح خاص.

محاكمة الحدث: يجب أن تجري محاكمته وفق هذا القانون أمام محاكم تدعى محاكم الأحداث: “وهي محاكم خاصة تتكوّن من قاض رئيس وعضويّة أثنين من حملة الشهادة العالية ينتقيهم وزير العدل، إضافة إلى عضوين احتياطيين من العاملين في الدولة الذين ترشحهم وزارة التعليم العالي والتربية والشؤون الاجتماعية والعمل ومنظمة الاتحاد النسائي “.

إضافة إلى ذلك يوجد أصول خاصة يجب اتّباعها في محاكمة الأحداث:” حيث يمكن للمحكمة أن تعفي الحدث من حضور المحاكمة بنفسه إذا رأت مصلحته تقضي بذلك ويكتفى بحضور وليّه أو وصيّه، وتعتبر المحاكمة في هذه الحالة وجاهية بحقّ الحدث، كما يجب أن تجري المحاكمة بصورة سرّية ويصدر الحكم علني”.
ما يحصل على أرض الواقع يتناقض بشكل صارخ مع النصوص القانونية الملزمة للسلطة في التنفيذ.

 بعض المبادئ ذات الصلة التي وردت في اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1989، وبدأ نفاذها في 2 أيلول من عام 1990. وقّعت الحكومة السورية على هذه الاتفاقية ولم تحترم أو تطبق يوماً المبادئ القانونية التي تقوم عليها، حيث تتألف الاتفاقية من إحدى وأربعين مادة تضمن حماية ورعاية الأطفال.

لقد لخّصت المادة الثالثة من الاتفاقية، المبادئ العامة من اتفاقية حقوق الطفل التي جاء في الفقرة الأولى منها: “على أنه في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يجب أن يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى، في التربية والحضانة والتعليم وحرية الرأي، والصحة، والغذاء”.
و نصت الفقرة 1 من المادة السادسة: “أن تعترف الدول الأطراف بأن لكلّ طفل حقاً أصيلاً في الحياة”.

وجاء في المادة 37 من اتفاقية الطفل على أن تكفل الدول الأطراف:

“1 ـ ألا يعرّض أيّ طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

ب ـ ألا يحرم أيّ طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية، ويجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه وفقاً للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة.

ج ـ يعامل كلّ محروم من حريته بإنسانية احتراما للكرامة المتأصلة في الإنسان وبطريقة تراعي احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنه.

د ـ يكون لكلّ طفل محروم من حريته الحقّ في الحصول بسرعة على مساعدة قانونية، وغيرها من المساعدة المناسبة فضلاً عن الحقّ في الطعن في شرعيّة حرمانه من الحرية أمام محكمة أو سلطة مختصة مستقلة ومحايدة أخرى، وفي أن يجري البتّ بسرعة في أي إجراء من هذا القبيل”.

في الخاتمة لقد خرجت السلطة من عقالها عبر استخدام العنف العشوائي بهدف ترويع المجتمع، وشكّل اعتقال الأطفال وتعذيبهم جزءاً من الترهيب وزرع الخوف، وأحد أشكال الانتقام من الأهالي، لأن استخدام وسائل التعذيب ضد الأطفال ليس له ما يبرره. فالأطفال لا غايات لهم في السلطة ولا يعي الأطفال ما يدور حولهم جيداً، لذلك السلطة لا تحتاج إلى قدر كبير من الجهد لإقناع الأطفال بتغيير سلوكهم . إضافة إلى أن القاصرين لا يملكون معلومات تفيد الأجهزة الأمنية حتى يتمّ تعذيبهم بشكل وحشي، لأنّ المعلومات التي يملكها الأطفال لن يؤخذ بها إلا على سبيل الاستئناس عندما يكون السؤال حول معلومة وصلتهم بطريقة ما من الكبار، قياساً على الشهادة التي لا تكون مقبولة قانوناً من الصغار تحت سن الخامسة عشرة إلا على سبيل الاستئناس، إضافة إلى إمكانية إقناع الأطفال بالاعتراف دون تعذيب، إن ما حصل ويحصل من أعمال العنف عندما تكون الضحيّة طفلاً تعتبر من أكثر الجرائم بشاعة ولها من التأثير الكبير، في العقل والنفس الإنسانية، لن ينسى السوريون شرارة الثورة التي حدثت بعد تعذيب طلاب مدارس قاصرين من درعا، ولن ينسى الشعب السوري مقتل الطفل حمزة الخطيب. فالأطفال وفق القوانين الدوليّة الإنسانية هم الفئة الأكثر ضعفاً من المدنيين الواجب حمايتهم أثناء النزاعات المسلحة.

إن الجرائم المرتكبة بحقّ الأطفال السوريين، وقتلهم تحت التعذيب تعتبر إحدى الجرائم ضدّ الإنسانية، التي أدان النظام بها نفسه، وقدم أدلّتها أمام المجتمع الدوليّ الذي مازال يصمّ أذانه، ويدير ظهره عمّا يجري في سوريا.

 خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »