Search
Close this search box.

المرأة في زمن الحرب … “التائهون” لأمين معلوف نموذجاً

المرأة في زمن الحرب … “التائهون” لأمين معلوف نموذجاً

 سلمى الدمشقي

“لا تكتفي الحروب بالكشف عن أسوء غرائزنا، بل تصنعها وتقولبها”

تعرض رواية “التائهون” لأمين معلوف مسار أحد بلدان الشرق (لبنان ربما)، رغم أن الكاتب لم يسمِها، وقد دارت بها حرب، ويُستشفّ من الرواية بأنها كانت حرباً أهليةً ذات طابع طائفيّ، أي إنّ الأعداء هم أبناء البلد الواحد، مع إشارة غامضة ووحيدة لوجود غرباء، ولم يوضح الكاتب، الرواي هنا أسباب الحرب الحقيقية، ولم يتعاطف مع أحد أطرافها، وإنما كانت صياغته للآخرين كلّ الآخرين، كأنّهم ليسوا أبناء بلده، وهو لم يعنِه في السرد سوى مجموعة أصدقاء، غالبيتهم ذكور، وهناك امرأتان بارزتان في الرواية  “تانيا” الصديقة في الشلّة، زوجة أحد الأصدقاء و”سميراميس”، وهناك أيضا زوجة بطل الرواية آدم “دولوريس الفرنسية”.

مجموعة الأصدقاء هذه كانوا من كلّ الطوائف الموجودة بالشرق وبهذا البلد، الذي يسميه مكاناً للحرب والأصدقاء، وقد كانوا متجاوزين للطوائف بالمعنى الفكري والسلوكي، ومن الواضح أنهم مثقفون تقدميون. وعندما دارت هذه الحرب الأهلية وضعت الجميع أمام سؤال: ( ما دورنا في هذه الحرب وكيف سنعيش في هذا البلد إذ أصبح القتل والموت على الهوية ؟؟). وما قام به هؤلاء الأصدقاء أغلبهم، هو ترك البلد والهجرة إلى الخارج، ولم يبق سوى “مراد”، المرحوم الذي كان السبب في كتابة مذكرات بطل الرواية وزوجته “تانيا” والصديقة الجميلة “سميراميس”.

ما ترتب على بقاء “مراد” في البلد كما عرض الرواي، انخراطه بالحرب وتلويث يديه بالدماء، بالإضافة الى انحرافه الفكري وتعامله مع القتلة، وانخراطه بالشأن العام واستلامه منصباً مهماً.

لقد حاولت الرواية عرض موقفين ليسا متعاكسين، ولا متناقضين بالمعنى الفكري والسلوكي، حيث يعبّر كلّ منهما عن مبدأ حامله، وهذان الموقفان إما البقاء في البلد والمشاركة بمستنقع الحرب الأهلية (الطائفية)، وإما الهجرة إلى الخارج.

وقد حاول الكاتب شكليّاً أن يُبقي هذا السؤال مطروحاً دون جواب شافٍ، فهو يعرض موقف “مراد” الذي بقي على لسان “تانيا” زوجته: “الأذكى هم الذين رحلوا، تذهب إلى بلاد جميلة تعيش وتعمل، ترفّه عن نفسك، تكتشف العالم ثم تعود بعد الحرب ووطنك ينتظرك، لم تكن بحاجة لإطلاق رصاصة واحدة أو لإراقة قطرة دم واحدة، بل بوسعك حتى أن تسمح لنفسك بعدم مصافحة الأيدي التي تلوثت بالدماء ..أليس كذلك آدم أجبني.. لو كنت مخطئة قل لي..”

كان هذا الكلام تبريراً سيقدمه لصديقه قبل موته، ولكن بعد موته تعتبر تانيا الآن مؤتمنة عليه.

اذاً من هنا نلمس ملامح أول شخصية نسائية في الرواية، فقد كان الاستثمار الدلالي لشخصية تانيا كزوجة ليس أكثر من ناقلة لأفكار الزوج “مراد”، والدفاع عنه دون إمكانيه معرفة رأيها الشخصي، رغم أنه يمكن أن يكون الرأيان متطابقين، ولكن دورها كزوجة شرقيّة بادٍ بوضوح في اعتناق أفكار زوجها، والالتزام بعادات وتقاليد الحزن على المتوفّى، وقد حرصت على أن تكون مراسم الحداد كبيرة بحجم مكانة زوجها، كما ترغب أن ينظر إليه من محيطه الاجتماعي وأصدقائه (التقدميين). ورغم أن “تانيا” كانت قبل زواجها بمراد من ضمن شلّة الأصدقاء بتقاربها الفكريّ مع الآخرين، ولكن بعد زواجها من مراد، الذي كان ككل الأزواج التقليدين، قد صادر كلّ تميّزها ومواقفها الخاصة، ولم يتبق منها إلا الزوجة الوفيّة المدافعة عن أفكار زوجها وسلوكه، حتى سلوكه غير القانوني أو غير الإنساني، فهي مبرِّرة ممتازة لمواقف زوجها وسلوكه ولم لا؟!.. فهي أيضا مثقّفة وتعرف كيف تستخدم ثقافتها في تبرير مواقف زوجها.

والشخصية النسائية الثانية التي تأخذ حيّزاً مهمّاً في الرواية، هي “سميراميس” هذه الصديقة الجميلة والقديمة في الشلة، وقد أوضح الكاتب أنها كانت جميلة لا غير، لم يجد لها تعبيراً أكثر من ذلك في ذاكرة آدم، فقد أحبها ولم يجرؤ على مصارحتها، وجاءت الحرب وبقيت في البلد، ولكن كونها امرأة فهي لا تشارك في الحرب، ولا أحد يتّهمها بأن يديها قد تلوثتا بالدماء، فالحروب ذكورية فقط والنساء لا يشاركن فيها، وليس لهنّ رأي سلبيّ أو إيجابيّ في هذا الشأن العام.

فاذا “سميراميس” بالنسبة لآدم بطل الرواية، الذي اضطر للعودة للبلد من أجل رؤية صديقه مراد، الذي توفي قبل وصوله، كانت محطّةً للراحة واستعادة الذكريات، ولكن كان هناك تصعيد درامي بعلاقة آدم بسميراميس بعلاقة حميمية عابرة بعد استئذانها زوجة آدم، وقد قام آدم بإخراجها بطريقة مؤدّبة ومتّزنة وخاليه من الخيانة وعذاب الضمير، لقد جرت نتيجة حوار وموقف جميل يعجب القارىء الرجل، ربما فكّر الكاتب بذلك، ولكن يتبادر إلى الذهن لو اتصل أحد أصدقاء دولوريس (زوجة آدم) بطلب استعارتها ليعيدها فيما بعد هل سيكون هناك حوار جميل وموقف ذو بعد إنساني يمكن تفهّمه (لم نلمس بالرواية هذا الوعي لدى الكاتب)؟!…

أما “دولوريس” هذه الزوجة الفرنسية التي كانت داعمة دائماً لزوجها آدم، لم تُطلّ عبر الرواية إلا إطلالات قليلة، فهي متفهّمة لكون زوجها الشرقي يعاني عدم انسجام مع موطنه الأصلي، وذلك بتناسيه غير المفهوم بالنسبة لها لعلاقاته وصلاته، وعند زيارته لبلده تفهّمت أيضا حاجته ليأخذ وقته بإعادة صلاته مع المكان والبشر. “دولوريس” حضارة الغرب الكاملة التي لا تشوبها شوائب الشرق وهي الملجأ الوحيد  للاجئي الشرق.

إذاً المرأة برواية “التائهون” شخصيات ثانوية غير مؤثرة، ليس لها موقف كما موقف الرجال، لا بالهجرة ولا بالبقاء، لا تقاتل ولا تدفع للسلم، إنها الزوجة والعشيقة والحبيبة، وهذا الدور ضمن وسط المهتمّين بالشأن العام والفاعلين به هامشي وغير ذي فاعلية، وطبعا هناك أمهات وجدّات كنّ خلفياتٍ ضبابيةً في مؤخّرة الحدث، وجودهم داعم بهشاشة لأبطال الرواية الذكور.

الرواية لم تنصف بطلاتها ولا نسائها، مع العلم أنها حاولت أن تغوص بجوانب فعالية الأشخاص الوارد ذكرهم، رغم أن الإشكاليات التي طرحتها الرواية هي كبيرة كبر مشاكل الشرق الأوسط (حروب أهلية ومعارك.. وحريات وديمقراطية …..الخ) .

وهذه الإشكاليات الوجودية والاجتماعية تسبّب هزّات وخضّات للمجتمع، وتدفع الجميع للمشاركة العمليّة أو النظريّة، هذا هو الواقع كما جرى بأوربا، وهذا ما كان يتقنه آدم الذي يؤرخ مسيرة “كاليغالا” جدّ الأوربيين وموحدهم، ولا بد يعلم أن لا تاريخ ذكوريّاً فقط ولا أحداث تقوم على نشاطهم فقط.

ولكن نساء “التائهون” لم يشاركن في الحرب، ولم يكن لهن رأي فيها، وهذا ما يجعلنا نفكر بقضيّة عميقة بناء على هذه الرواية. هل النساء لسن طرفاً عنفيّاً، ولا مصالح لهنّ في استخدام العنف، حتى لو كنّ ينتمين إلى طبقات أو شرائح اجتماعية لها مصلحة دائمة في استخدام العنف؟.. وإذا كان الأمر كذلك فيجب التفكير بفوارق سيكولوجية نسوية.

اللوحة للفنان “خزيمة علواني

 خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »