Search
Close this search box.

المرأة السورية أداة حرب ووسيلة ضغط بيد النظام

المرأة السورية أداة حرب ووسيلة ضغط بيد النظام

نبال زيتونة

في سوريا، وفي ظلّ نظام الطاغية، تُعاقب العائلة كاملةً على تهمة موجّهة لأحد أفرادها، قد لا تكون التهمة حقيقة، لكن “ذكاء” العصابة الحاكمة، قادرٌ على تفصيل التهم وتجهيزها، كلٌّ على مقاسه.. وفي معظم الحالات تكون النساء هنّ الضحيّة.. ففي الوقت الذي لا يستطيع فيه جنود الأسد وعناصره الأمنية الوصول إلى الشخص المطلوب، يعمدون إلى اعتقال النساء للانتقام من معارضيهم!.. الأمّ، الأخت، الابنة، والزوجة، هنّ ضحيّة سهلة في متناول الأجهزة الأمنيّة.. فتراهم يفرّون من جبهات القتال ذعراً، ليظهروا وحشيتهم في مداهماتهم للبيوت الآمنة، انتقاماً من معارضيهم، حيث النساء والأطفال، وحيث لا مسلحين فيها.

أمّ هلا..

في الزنزانة، تحتاج أم هلا مساعدة ابنتها “هلا” وأخريات، لتقف على قدميها.. صعبٌ عليك أن تتخيّل معاناة سيّدة تجاوزت الخامسة والستين، ومصابة بالتهاب المفاصل في جوٍّ من الرطوبة القاتلة!.. والأصعب هو أن تنظر في وجه أمّ هلا حين يطلبون ابنتها ذات الخمسة والعشرين عاماً للتحقيق بمفردها دون الأمّ!.. لا أبالغ إن قلت إنّ أهوال العالم تجتمع في ملامحها العجوز!.. كما أنك لا تتخيّل صدرها الذي يعلو ويهبط حين تسمع صوت السجّان ينادي على ابنها “محمد” في زنزانة الرجال القريبة من زنزانتها!

أم هلا.. سيدةٌ فلسطينيّة – سوريّة، تجاوزت الخامسة والستين عاماً، داهموا بيتها في غوطة دمشق الغربيّة، واقتادوها مع ابنتها “هلا”، وابنها الشاب “محمد” ذي الثلاثين عاماً، إلى زنزانة في أقبية الأمن السياسيّ بالمزة.. أمّا التهمة فتتعلّق بابنها البكر، الذي يعيش في تركيا منذ سنوات ما قبل الثورة، ويعمل فيها.. تقول أمّ هلا بأن زوجها مات منذ سنوات طويلة، وكان ضابطاً في الجيش السوري، تقاعد ورحل إلى أمريكا ليؤمن إقامة لعائلته هناك، لكنّه مات قبل ذلك. أمّا ابنها البكر، فكان أيضاً ضابطاً في الجيش النظاميّ قبل الثورة، استقال وسوّى أموره قبل أن يسافر مع عائلته ليعيش في تركيا، وهو يعمل هناك منذ سنوات.. كلّ ذلك قبل الثورة.. وتضيف أم هلا “ما الذي ذكّرهم بنا الآن”، إذا كنّا متهمين بشيء، لماذا سكتوا كلّ هذه السنوات؟

أمّا من تبقّى من فلول تلك العائلة في سوريا اليوم، فكلّهم في المعتقل، والتهمة أن الابن الذي يعيش في تركيا يدعم الإرهابيين.

أمّ هلا وابنتها تدفعان الآن ثمن جرم الابن، هذا إن كان الأخير مجرماً حقّاً!

ف. ت – ريف دمشق – الدخانية:

لم يتوانَ النظام البائد عن استخدام النساء كأداة للقتل، تحت الضغط والترهيب، والتهديد، وحجز الأبناء، ومقايضة حياتهم بتنفيذ المهمّة التي يطلبونها من الضحيّة.. تتفتّق عقولهم المريضة المجرمة عن استخدام الضحيّة في قتل ذويها وأقاربها.. إنّه عفن السلطة وهوس الأمجاد الزائفة، يقودهم إلى اختراق كلّ محرّم، لتوظيفه خدمةً لقضاياهم البهيميّة المجرمة!

وهذه قصة امرأة احتجزوها مع ابنها، ليرسلوها في مهمة قتل أحد قادة الكتائب في الجيش الحر، في وادي بردى بريف دمشق.

سيّدة لم تتجاوز الأربعين عاما، وأمّ لثلاثة أبناء، اعتقلت على الحدود السوريّة – اللبنانية وزُجّ بها في الزنزانة المعتمة نفسها مقرّ إقامتي في فرع الأمن السياسي بالمزة..  تقول “ف. ت” إنّها كانت ذاهبة إلى لبنان لتلقّي المعونة الماديّة التي يرسلها طليق ابنتها السعودي، لطفلته الرضيعة.. بكت “أم عماد” بحرقة كما لم تبكِ امرأةٌ من قبل.. بدموع غزار بكت وأجهشت ولطمت وتحسّرت على أبنائها “ماذا يريدون مني.. لم أفعل شيئا، ما ذنب ابني لم يفعل شيئا، لم يخرج حتى في المظاهرات.. اعتقلوه وعذّبوه وأدموه وخرج بالعفو، وخرج معهم بمسيرة تأييد.. وبصم على كلّ الأوراق التي أرادوها.. ماذا يريدون منه بعد، ماذا يريدون مني.. من يسمع صوتي الآن.. يا ربّ ماذا فعلنا حتى لا تستجيب لدعواتنا.. يا ربّ كيف صرت أعمى وأصمّ.. غفرانك يا الله…”

كان هاجسها ابنها، تخاف عليه، قالوا لها بأنّهم سيهدونها كلّ يوم قطعةً من جسده إن هي رفضت المهمة.. ولكنها أيضاً تخاف على ابنتيها؛ المطلّقة وطفلتها، اللتين تعيشان في كنفها الآن، كما خوفها على الصغيرة التي مازالت تذهب إلى المدرسة في الدخانيّة بريف دمشق، أمّا زوجها الضرير الذي يحتاج إلى من يرعاه، فله ربٌّ يعينه كما تقول.. هكذا كان حال أم عماد، لكنْ لم يطل بها المقام هناك، فبعد مرور ما لا يزيد عن الأسبوعين أرسلوها لقتل “أبو. و” أحد قادة الكتائب في الجيش الحرّ في وادي بردى، بريف دمشق، الذي تربطه بها علاقة قربى، وذلك بعد أن احتجزوا ابنها الشاب كرهينة ريثما تتمّ المهمة..

أذكر أنّ المحقّق سألني عن ذلك الاسم في التحقيق، إن كنت أعرفه، فأجبته ببلاهة أعرف “و” أخي”.. شتمني يومها، وشتم عائلتي، وحذّرني من السخرية منه!

س – النبك – ريف دمشق

وفي القصّة التالية ستطالعك صفاقة النظام حين يفترض أن الكلّ إرهابيٌّ ومتآمرٌ، وذو صفحةٍ سوداء ما لم يثبت ولاءه للنظام!

سليمى سيّدة من النبك، وأمّ لثلاثة أطفال، صغيرهم لم يكمل عامه الأوّل بعد.. أكملت “س” عامها السابع والعشرين في الزنزانة.

وتتلخّص قصّتها في أنّها استُدعيت لفرع الأمن السياسي في دمشق لـ “تبييض صفحتها”، كما جاء في الاستدعاء، وذلك بعد دخول قوات الأسد إلى النبك في نهاية عام 2013، حيث افترض النظام أنّ كلّ أهل المدينة صفحتهم سوداء!.. ووجّه استدعاءاته لهم لـ “تبييض صفحاتهم” كما يقولون!

برفقة زوجها، جاءت “س” إلى فرع الأمن السياسيّ بالمزّة، على أمل أن توقّع مجموعةً من الأوراق لـ “تبيّيض صفحتها” وتخرج كما قالوا لها!.. فهي لا تنوي مغادرة سوريا، ولا تجد في اللجوء إلى دول الجوار حلاً.. يومها دخلت “س” إلى الفرع، ومُنع زوجها من الدخول، وطُلب منه انتظارها في الخارج.. ولعلّه مازال منتظراً إلى الآن!

أمّا التهمة التي ووجهت بها سليمى، فهي أنّ أخاها الشهيد كان يسعف المصابين خلال إطلاق النظام لصواريخه على المدينة قبل دخولها، حيث جاءهم الصاروخ الثاني وهم ينقذون البشر من تحت الأنقاض، وأتى على كامل طاقم الإنقاذ والمصابين أيضاً.

تقول سليمى إنّ أخاها وحيد، ولم يكن يُسمح له بالخروج حتى في المظاهرات، لكن، بسبب القصف الشديد على المدينة كان لا بدّ من منقذين.. هذا ما قالته “س” في التحقيق.

أمضت سليمى أشهراً طوالاً في تلك الزنزانة.. أذكر ملامح وجهها تلك الليلة، وكيف تملّكها الذعر حين نوديَ على اسمي في وقتٍ متأخّرٍ، وأرسلت دعواتها لي بالخلاص، وطلبت مني همساً، أن أخبر زوجها أن يعمل على إخراجها بأيّة وسيلة، لشدّما اشتاقت لأبنائها.

أذكر أنّني بقيت على تواصل مع زوج “س” وأمّه، وعرفت منهم بعد مدّة أنّها حوّلت إلى محكمة الإرهاب، وكان حكمها تسع سنوات بتهمة الإرهاب.

أعوام خمسة ومازالت المرأة السوريّة تذبح فيها من الوريد إلى الوريد.. بكلّ السبل والوسائل التي تخطر أو لا تخطر على بالك.. والعالم “الحرّ”، يلاحظ ويراقب ويعدّ التقارير، ويحصي الانتهاكات!.. ومسلسل الموت لم يتوقّف.. وها هو يجرف من تبقّى من السوريين والسوريّات، أمهات الحياة.

اللوحة للفنان “أنس سلامة”

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »