Search
Close this search box.

ناشطو الداخل السوري من السياسة إلى الإغاثة!

ناشطو الداخل السوري من السياسة إلى الإغاثة!

شام المصري

غالباً ما يدور الحديث عن الوضع الداخلي والإنساني للسوريين، وبالأخص اللاجئين والمهجرين في الداخل، في الوقت الذي يُغفل فيه الحديث عن الناشطين الذين رفضوا إغراءات السفر والهجرة للخارج وبقوا رغم أوضاعهم الحرجة الأمنيه أو الإنسانيه. ففي بداية الثورة فُتحت أبواب الإغراءات أمام الشباب الناشط في العمل السياسي والمدني من قبل المنظمات العالميّة. وبدأت بسحب هؤلاء الشباب بطريقة ممنهجة إلى خارج البلد بذرائع عدة، منها ورشات العمل المدني والدعم النفسي والإعلامي والمنح الدراسية، التي كانت كالحلم بالنسبة لهم، وتسهيلات اللجوء السياسي لمن سبق واعتقل وغيرها الكثير، وكان لأجهزة النظام العامل الأكبر بتسهيل هذا التفريغ للبلد من أي نشاط سياسي ومدني لتحويل الثورة التي أشعلها ونظمها هؤلاء الشباب المثقف والسلمي إلى ثورة مسلحة .

كان ومازال صوت القلم والفكر أشدّ وطأة على أركان النظام من صوت السلاح، لذلك عمد إلى تفريغ البلد بالملاحقة والاعتقال المتكرّر والتضييق، ليصل إلى مبتغاه في تهجير هذه العقول التي زعزعت أركانه، أو الاحتفاظ بهم في المعتقلات، ومن حالفه الحظ وأخلي سبيله، فهو تحت المراقبه والطلب في أيّ لحظة. وقد تحول بعضهم إلى جبهات القتال في المناطق المحرّرة، ومن بقي ورفض كلّ تلك المغريات تقلص عمله، وتحوّل إلى النشاط الإغاثي، إمّا خلسة وإمّا تحت حماية إحدى المنظمات أو الهيئات الدوليّه العامله في الداخل تحت مظلة النظام. بالفعل أفرغت البلد من كل عمل سياسيّ من شأنه أن يغيّر ولو جزءاً من سياسة البلد في المستقبل.

لا أحزاب جديدة، لا منتديات، لا أفكار لا طموح لا تجمّعات لا… ولاااا…إلا بموافقة الأجهزة الأمنيّة، وتحت وصاية دستورها المعدل! مازال الهمس بالأفكار من أكبر الكبائر، لا مجال للحديث إلا من باب التنظير أو التسلية، وللأسف لا أحد قادر على تغيير هذا الواقع قدر أنملة. الكلّ يتناول الحديث السياسيّ في سهراتهم ومناسباتهم إن كان المناخ العام للمكان يسمح بذلك. يتناقشون يتشاجرون تعلو الأصوات، يستعيدون أحياناً أمجاد الماضي القريب منه والبعيد، فقط لإرضاء الذات وحملها على الاستمرار بالصمود. ينتهي الحديث كما كلّ مرّة، كلّ على موقفه وقناعاته وهكذا… إلى الأمسية التي تليها.

أبو ليلى ناشط من بدايات الثورة، ومن إحدى الأقليات التي يدّعي النظام حمايتها، تعرّض للاعتقال ثلاث مرات, بعد الاعتقال الثالث توجه للعمل في إحدى الهيئات التي تعنى بشؤون إغاثة اللاجئين في الداخل، بموافقة من النظام ليحمي نفسه وعائلته، وليعتاش من الأجر الذي يتقاضاه منها, استمر بالعمل لديها لمدة سنة ونصف تقريبا إلى أن بدأ النظام بسحب الشباب للخدمة الاحتياطية في صفوف الجيش النظاميّ, وكان من المطلوبين, حاول الاحتيال على الحواجز والقوانين والذهاب الى عمله مسافة أكثر من أربعة كيلومترات على الدرّاجه الهوائية، ومن بين الأزقه الصغيره والملتوية، لكن لمدّة قصيرة، ثم أصبح يذهب راجلاً سيراً  على قدميه كلّ هذه المسافة، وفي نهاية المطاف هو الآن مختفٍ في منزله منذ بداية هذا العام، وهذا حال معظم شباب البلد، لا يجرؤ على الخروج من منزله إلا بمرافقة أحد يسبقه بعدة أمتار ليستطلع له الطريق… وإلى الآن يرفض فكرة السفر.

أبو تيم.. .كما يدعوه الجميع سنة أخيرة في الجامعه، مفصول بسبب نشاطه في الثورة، ومن العمل السياسي إلى العمل الإغاثي الى لا شيء الآن, متخلّف عن الخدمة الإلزامية، ومطلوب لأحد الأفرع الأمنية، يتنقّل من مكان لآخر كالخفاش بين الأزقة الترابية، حاملاً حريته، أو بالأحرى حياته على أكفه, يرفض كلّ محاولات إخراجه من البلد، يفضل البقاء وتقديم أبسط أنواع المساعدة لمن يقصده, كره السياسة ورجالاتها من كلا المحورين، المعارض والمؤيد، وفضّل تقديم رغيف خبز لمن يحتاجه عليها, في جلساتنا معه يتحدّث دائماً عن كيفيّة دعم هذا المجتمع المدنيّ، الذي يعيش بالرمق الأخير، وإعادة بنائه وبناء مستقبل هؤلاء الأطفال الذين حُرموا من ابسط حقوقهم وهوالعيش بأمان  بات الحديث بالشأن السياسي لكلّ شباب الداخل هو على صفحات التواصل الاجتماعي، وبأسماء مستعارة، أمنيات فقط، تُكتب على ورق وتتطاير من هول العصف، فلا يبقي إلا الحبر متناثراً في الأدمغة، ينتظر من يسكبه ويخطّه ..هذه العقول التي يعجز النظام عن مصادرتها واعتقالها.

هيئة التنسيق الوطنية، كانت من الهيئات التي نوعاً ما سمح لها النظام بمساحة من العمل السياسي، طبعا فكريّاً، وليس عملياً، لأن لا شيء طبّق على أرض الواقع إلا ما سمح به النظام، سمح لهم بحضور مؤتمرات في الخارج، والبعض اعتقل عند عودته، وأكبر مثال هو الأستاذ عبد العزيز الخير، الذي اختطف لدى عودته من أحد المؤتمرات، ومازال يقبع في سجون النظام, المحامي الكبير خليل معتوق أيضا مازال مصيره مجهولاً, لايستطيع هذا النظام ولو كذبا تصوّر نشوء بذره لقاعده سياسية تشاركه أو تخالفه أو تعدّل من سياساته, ولا نسى أيضا رجالات السياسة، الذين التحقوا بركب المجلس الوطني السوري أو الائتلاف الوطني، أو حتى المستقلين الذين أصبحوا جميعاً خارج سوريا، مرغمين على ذلك، في محاولة منهم لتشكيل جسم سياسي جديد يستطيع تولي قيادة البلد بمرحلة انتقاليه للسلطة.

وللأسف نظرة شباب الداخل لبعض هؤلاء السياسيين هي نظرة تبعية مطلقة للجهات المانحة للمال السياسي، وليس للقرار النابع من المصلحة الوطنية. عدا عن انحراف البعض منهم عن توجهاته الوطنية ومبادئه واتّباعه أيّ طريق يوصله لكرسيّ في السلطة المرتقبة. هذه النظرة جعلت الكثير من الشباب يبتعد عن العمل السياسيّ حالياً، ويتوجّه للوضع الإنساني والاجتماعي الداخلي، ولكن الرائع في هذه المعارك التي تدور رحاها على الأرض السوريّة وخارجها الكمّ الهائل من الشباب والشابات والأجيال التي مازالت تحلم بمستقبل مشرق لهذا البلد، أجيال لم نلحظ أنها كبرت وترعرعت على سياسة الرفض للمستحيل، الكوميديا السياسية, تأليف وغناء الراب السياسيّ، جسّدوا أفكارهم وأحلامهم بأبسط الأشياء، احتالوا على الواقع الممنوع، ليعبّروا وينشروا ثقافتهم، ويخبروا المجتمع أن هذه الثورة لم تقتصر على السياسيين المخضرمين والمعروفين، بل كان نتاجها جيلاً يحمل من الأفكار والوعي والثقافة ما يبشّر بمستقبل واعد, وكلّي أملٌ أنّ هذا الجيل هو من سيصلح ما أفسده المسيسون في سوريتنا وشرقنا الجميل.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »