المعتقلات السوريات يدفعن ثمناً كبيراً   للتطرف و الاستبداد

المعتقلات السوريات يدفعن ثمناً كبيراً   للتطرف و الاستبداد

 سحر حويجة

أهم ما يميز مأساة الشعب السوري، التي لم يشهد لها مثيلاً في العصر الحديث منذ الحرب العالمية الثانية، عن باقي المآسي، عبر التاريخ الحديث والقديم، أن الانتهاكات التي تحصل بحق الشعب السوري، والتي تشكل جرائم حرب، أو جرائم ضد الانسانية، وكل أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسان، تجري أمام أعين العالم موثقة بالصوت والصورة، والأرقام لا حجة لمن يريد دليل، على الرغم من محاولة خلط الأوراق حول المسؤول عن الجرائم التي تحصل ويدفع ثمنها الشعب السوري، من  مجازر هنا وهناك،  إلى تدمير المساكن فوق رؤوس أصحابها، صيد البشر قنصاً،  الهجرة والغرق عبر البحار، اللجوء، إغلاق الحدود بوجه اللاجئين بعد أن فاضت بهم البلدان، كلها موثقة.

حتى قضايا الاعتقال والتعذيب والموت تحت التعذيب، وشهادات نساء تم الاعتداء عليهن، واغتصابهن، في محاولة لإذلالهن،  كشف ما يكفي منها، وهي بحوزة المعنيين من المنظمات الدولية. لكن العالم يعيش أزمة عميقة بين من يقوده وفق أهوائه ومصالحه وبين  المبادئ التي تشكل الحصن  الإنساني للعصر الحديث، المتمثل بالمواثيق الدولية، أهمها وثيقة حقوق الإنسان، التي تقوم على الاعتراف بالحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع أعضاء الأسرة البشرية، وهي أساس  الحرية والعدل والسلم في العالم. تحولت إلى قشرة لا قيمة لها بعد صم المجتمع الدولي أذنيه وإغماض أعينه أمام ما يجري في سوريا. ينذر ذلك بمزيد من القتل والتشدد وردود الأفعال.

احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وفق المادة الخامسة من حقوق الإنسان والمادة السابعة، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ونصهما على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة والعقوبة القاسية او أللإنسانية أو المهينة. ورغبة من الأسرة الدولية في زيادة فعالية النضال ضد التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية  في العالم قاطبة،  أبرمت اتفاقيات دولية منها اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سوريا في عام 2004 نذكر من بنودها  مايلي:

  1. لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص ، أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه، أو اشتبه أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو عندما يلحق هذا الألم أو العذاب، لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز، أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه، أو يسكت عنه موظف رسمي، او أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب، الناشئ فقط عن عقوبات قانونية، او الملازم لهذه العقوبات، أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.
  2. تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية و إدارية و قضائية فعالة أو أي إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي.
  3. لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت سواء كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدًا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ الأخرى كمبرر للتعذيب.
  4. لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب.

كما أن الاتفاقية تعطي الحق لمن تعرض للتعذيب مقاضاة الجهة التي عذبته كما يتيح له التعويض، ولو تصورنا تطبيق هذا الحق على الانتهاكات التي اقترفها النظام السوري، لشملت العقوبات أعداداً ضخمة من رؤساء وعناصر الأمن وعناصر الميلشيات التابعة للنظام، لكن وبحكم الأمر الواقع عندما يقرأ المواطن السوري هذه الاتفاقية لابد من أنه سيضحك ساخراً  لماذا إذن كل هذا الصمت حيث التقارير الصادرة من المنظمات الدولية المعنية، لا تعطي صورة حقيقية لما يجري من تعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، والأهم كيف تتم معالجة هذا الوضع ووضع حد للجرائم التي ترتكب كل يوم دون رادع؟ لماذا لجنة مناهضة التعذيب، لا تزور السجون السورية؟ لماذا لا تواجه النظام بحقائق التعذيب التي تجري وهي موثقة بشهادات أصحابها ناهيك عن تسريب صور آلاف من استشهد تحت التعذيب؟

سوريا اليوم موزعة بين قوى تحاول التمسك بمكاسبها وتعزيز قوتها، متصارعة فيما بينها دفاعاً عن مصالح خاصة ضيقة، ما يجمع بينها الرؤية الشمولية لاحتكار السلطة، وتغييب المجتمع، ورفض الآخر ، ترفض الحرية كونها مصدر حقوق الآخر، لا تدافع عن الحريات العامة السياسية وحق الرأي والتعبير، والديمقراطية، لا أهمية عندها  لحرية الفرد السياسية والمدنية. دورها يهدد مستقبل سوريا في ظل غياب دور المجتمع بعد أن توزع بين لاجيء و نازح، أو في غياهب السجون ، وما تبقى منه لا حول له ولا قوة همه الحفاظ على بقائه ولقمة عيشه له ولأولاده، ينتظر نهاية المأساة. تحفظ له شيئاً من كرامته وآماله بمستقبل أفضل.

شرط الإفراج عن المعتقلين، بين قوسين كما ورد على لسان المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض المعارضة، حيث ركز في مؤتمراته الصحفية على قضية الإفراج عن النساء المعتقلات، كخطوة لبناء الثقة، لأن ملف الاعتقال الشامل يبدو شائكاً ومرتبطاً بخطوات الحل الأساسية التي تبدأ بعد فرض وقف لإطلاق النار، فالمعتقلون يشكلون ورقة هامة في جعبة النظام السوري للضغط والمساومة، حيث الأعداد الضخمة الموثق منها أكثر من 100000 ألف معتقل، ومئات آلاف المختفين قسرياً، والتهم مفصلة وفق ما شاءت الأجهزة الأمنية التي تفرض على الموقوفين التوقيع على ما شاءت من أوراق تدينهم، طوق النجاة لهم من قتل محكم تحت التعذيب،  اعترافات تدينهم، على قيامهم بأعمال يعاقب عليها القانون أشد العقوبات، القانون، المفصل لإدانة أكبر الأعداد من الشعب السوري،  نعم المعتقلات تغص بالنزلاء، المعتقلين أشبه بأسرى حرب رغم أنهم لم يشاركوا بها.

وللمرأة نصيب في المعتقلات حيث بلغ عدد المعتقلات أكثر من  7000 معتقلة، ومازال أكثر 2500 منهن رهن الاعتقال،  وفق تقدير شبكة حقوق الإنسان في سوريا. كما أن 99% من حالات الاعتقال التي تقوم بها القوى التابعة للسلطة  تكون بدون مذكرة قانونية ، حيث لا يتم اخبار المعتقلة وأهلها بالتهمة الموجهة لها، ولا أين سيتم احتجازها، وعليه تمنع من تكليف محام ومن الزيارات. يتحول الاعتقال التعسفي إلى اختفاء قسري في حالات كثيرة، هناك أكثر من 450 امرأة من المعتقلات في عداد المخفيات. تتعرض المعتقلات لصنوف مختلفة من التعذيب الممنهج،  الضرب والدولاب والشبح، والاهانات، والابتزاز والتحرش الجنسي والاغتصاب، ليست غاية التعذيب نزع الاعترافات، بل من أجل بث الرعب والخوف في نفوس المعتقلات، والمجتمع. تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان تشير الى ارتكاب قوات النظام ما لا يقل عن 850 حالة عنف جنسي حصلت داخل مراكز الاحتجاز من بينهن حوالي 400 حالة حصلت مع فتيات دون سن 18 عاماً. أغلب النساء اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي متهمات بصلات قرابة أو زواج مع عناصر المعارضة المسلحة.  كما أقدم النظام السوري بوسائل التهديد والعنف على إجبار معتقلات من الظهور على شاشة التلفزيون السوري، والإدلاء باعترافات تخالف المنطق والعقل، فيها ما يمس سمعتهن وسمعة عائلاتهن أمر لا يصدق، كما جرى مع روان قداح من محافظة درعا،  حيث اعترفت على أن والدها كان يجبرها على ممارسة الجنس مع العناصر المسلحة من المعارضة، وللعلم والد روان كان اضطر الى تسليم نفسه بعد اعتقال ابنته بعشرة أيام من أجل أن تخرج ابنته بصفتها رهينة عنه.

لابد من الإشارة إلى ضغوط اجتماعية، ومعاناة نفسية هائلة، وعزلة تتعرض لها النساء بعد خروجهن من المعتقل، وحاجتهن الماسة إلى مراكز تأهيل لتعزيز ثقتهن بأنفسهن، وادماجهن بالمجتمع، وتمكينهن اقتصادياً ومد جسور مع الأهالي المتنكرين لابنتهم، وحماية النساء المعتقلات من حالات عنف يمكن أن يتعرضن لها من الأهل. لما كان يشاع عن اعتداءات جنسية بحقهن، حصل نتيجتها الكثير من حالات الطلاق أقدم عليها الزوج، بحق زوجته المعتقلة، وفي حالات أخرى تعرضن للقتل بداعي الشرف، وهناك حالة على لسان صاحبتها أن الأهل أشاعوا عن ابنتهم  أنها استشهدت في المعتقل، وعندما خرجت من المعتقل، فشلت كل محاولاتها للاتصال بهم، عليها أن ترضى بقرار أهلها، وتقبل براءتهم منها، والتنكر لها، وهي اليوم تعيش وحيدة  في تركيا.

كما شاعت أخبار انتحار نساء بعد الإفراج عنهن نتيجة الاغتصاب،  هذا ما حصل مع طالبة جامعية في كلية الهندسة، من مدينة حلب، خرجت من السجن وهي حامل قبل خمسة شهور، ولم تستطع التخلص من الجنين فأقدمت على الانتحار، لو أنها وجدت من يرعاها ويحميها، لما انتحرت.

انتهاكات واعتقال النساء في المناطق الكردية:

انسحبت قوات النظام منذ عام 2012 من المناطق ذات الأغلبية الكردية، في شمال وشمال شرقي سوريا ، وفسحت المجال  لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على عفرين وعين العرب والجزيرة، حيث النظام يعزز مواقعه في مناطق أخرى ، ويزيد من مخاوف الأتراك، ويساهم في الانقسامات بين صفوف الأكراد، وتعتبر قوات الأسايش، و هي قوات حفظ الأمن الداخلي في المناطق الكردية، أما قوات الحماية الشعبية فهي قوات عسكرية مقاتلة. مع بداية عام 2014 أصدرت قوات الحماية الكردية قانون التجنيد الإجباري، وشنت حملات اعتقال واسعة في صفوف الشباب في مناطق الحسكة وعفرين والقامشلي لإجبارهم على الالتحاق بصفوف قوات الحماية الشعبية،  وطالت الاعتقالات النساء بينهن قاصرات وأصبحت النساء ملاحقات وتعرضن للاقتياد والخطف الاجباري الى معسكرات التدريب في حال رفضن التجنيد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال 43 امرأة و24 فتاة دون سن 18 في عام 2014 من اجل التجنيد الاجباري .

اعتقال للنساء على أيدي القوى المتشددة:

القوى المتشددة أضافت قيوداً على الحرية حيث ألغت الحريات الشخصية وتدخلت في الملبس والمأكل ، والتنقل ، ومن حيث الأحكام وتطبيق العقوبة يقضي قضاءً متخلفاً وتستخدم وسائل وحشية لتنفيذ العقوبة مثل الجلد والسحق وقطع الرؤوس وحرق الأحياء . والكفر هي التهمة الأساسية تطلق على كل من يخالف أحكامهم.

تنظيم داعش واعتقال النساء:

برزت داعش كقوة على الأرض منذ عام 2013 ، ثم أخذت بالانتشار والسيطرة منذ 2014 احتكرت السلطة بعد أن حاربت قوى المعارضة ، حتى بسطت سيطرتها على الرقة وبلدات من دير الزور والحسكة وريف حلب وريف حماه الشرقي وتدمر،  ساقت آلاف النساء من السبايا ، وقامت بتعذيبهن والاتجار بأجسادهن وعشن أوضاعاً مأساوية، دمى يتم تعذيبهن، و سجنهن واغتصابهن، أقدمت كثيرات منهن على الانتحار. إلى جانب ذلك المرأة في المناطق التي يسيطر عليها داعش ملزمة بالقوانين التي يفرضها، حيث فرض التنظيم قوانين خاصة تنتهك حقوق المرأة في اللباس والاعتقاد والخصوصية والتنقل والعمل والتعليم، كما  منعت المرأة من الخروج من المنزل دون محرم ، وعند خروجها يفرض عليها التزام اللباس الشرعي والنقاب، لا يسمح للنساء بالجلوس على الكراسي،  أغلقت صالونات التجميل، ومنعت من العلاج عند أطباء ذكور. وقد أنشأ داعش سجونا خاصة بالنساء تشرف عليها نساء تابعات للتنظيم ، تعرف باسم كتيبة الخنساء تقوم بملاحقة النساء والتفتيش الدقيق لهن، والاعتقال والتعذيب لأي مخالفة،  ومدة الاعتقال تطول او تقصر بحسب التهمة الموجهة وقد تنتهي بالجلد او الرجم او الاعدام وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال 520 امرأة ،ومن الجرائم التي كشفت مؤخراً ، تناقلتها وسائل الاعلام مقتل الصحفية والناشطة رقية حسن محمد من مدينة الرقة  بعد اعتقالها، تم الحكم عليها بالإعدام .

بالنسبة إلى تنظيم جبهة النصرة: فرض الحجاب على النساء في المناطق التي يسيطر غليها في ريف ادلب ، اللباس الشرعي عبارة عن عباءة فضفاضة تغطي كامل جسد المرأة ،  لم يسجل مركز حقوق الإنسان في عام 2015 سوى حالة اعدام واحدة  قامت بها جبهة النصرة بحق امرأة بتهمة الإفساد في الأرض وامتهان الدعارة.

 في مناطق سيطرة جيش الإسلام: ترك حجز أطفال ونساء أسرى ، في أقفاص ، على مرأى العالم  بغاية الضغط على النظام وروسيا  لوقف القصف ا على الغوطة الشرقية ، أثره  على اعتباره سلوكا ينتهك حقوق الإنسان ، والقانون الدولي الإنساني ، ليس هذا سوى اعتقال وتعذيب . وتبقى قضية الناشطة رزان زيتونة وسميرة خليل تترك علامات استفهام وأسئلة كثيرة ، اللتان اختطفتا في دوما، و غيبتا قسرياً ، حيث شكل خطفهما نكسة للنضال التحرري الثوري، ولم يكشف عن أمرهما أي شيء،  على الرغم من المطالبات الكثيرة من منظمات محلية ودولية، ومسؤولية جيش الإسلام بوصفه القوة المسيطرة على الأرض بالكشف عن مصيرهما و تحريرهن.

اللوحة للفنانة “نوار حيدر”

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »