Search
Close this search box.

ناهد بدوية … خياري الأول والأخير سورية حرة ديمقراطية

ناهد بدوية … خياري الأول والأخير سورية حرة ديمقراطية

حاورتها: هند المجلي

شاركت المرأة في الثورة السورية وكان لها دور بارز في كافة المجالات، فطالها عنف النظام ودمويته كما طال الرجال من اعتقال وتعذيب وقتل وتشريد وتهجير … وأخذت المشاركة النسائية طابعاً عاماُ واعتقل عدد كبير منهن حتى في المجتمعات المحافظة جداُ.

إلا أن مشاركة المرأة  سبقت فترة الثورة بزمن لا بأس به، ففي عام 1977 اعتقل النظام  أعضاء رابطة العمل الشيوعي المعارضة، والتي رفضت التدخل السوري في لبنان في ذلك الوقت، و كان من ضمنهم 12 امرأة، وتم اطلاق سراحهن في الثمانينات. كما اعتقلت أكثر من 100 امرأة  من انتماءات مختلفة في الحملة الأمنية عام 1987 وخضعت الكثيرات منهن لعمليات التعذيب المختلفة كالدولاب والكرسي الألماني وغيرها من طرق التعذيب المعروفة في ذلك الحين.

ثم جاءت الثورة السورية التي أضاءت على تجارب بعض من اعتقلن خلالها، لذا من واجبنا اليوم تسليط الضوء على تجارب من سبقهن في مضمار السياسة، بالإضافة إلى تجارب الاعتقال التي تعرضن لها، حيث لا نرى أي إشارة إليهن ولا حتى في مقال، رغم تميز ماقمن به في زمن ساد فيه الخوف والرعب من قمع النظام. لذا سيقوم موقع “شبكة المرأة السورية” بسلسلة لقاءات مع مجموعة من معتقلات الثمانينيات، تحت عنوان “ثائرات ما قبل الثورة”، وستكون البداية مع المهندسة ناهد بدوية.

– كيف دخلتِ المعترك السياسي؟

ساهمت نشأتي في حي ركن الدين في دمشق بتوجهي نحو السياسة، فقد كنت أشهد أثناء طفولتي الكثير من النشاطات السياسية من شرفة منزلنا الذي يجاور مدرسة ابن العميد  الثانوية للذكور. وفي ذلك الوقت كان طلاب المدارس الثانوية يشاركون في الحياة السياسية وكانت منظمة اتحاد الطلبة نشيطة بينهم. بالاضافة إلى أن هذا الحي هو حي خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري وكان يقطن به.

وهذا الحي كما هو معروف هو حي ذو أغلبية كردية والمجتمع الكردي مسيس ويعمل به الكثير من الأحزاب الكردية. وكنت أشهد المظاهرات من شرفة بيتنا، وكذلك احتفالات شيوعيي الحي بعيد الجلاء. ويعود الفضل لأخي الكبير بوجود الكتب والروايات في البيت، حيث كنت أقرأ بنهم كل مايقع تحت يدي، فقرأت كل مؤلفات نجيب محفوظ عندما كنت في المدرسة وكذلك سلاسل الأدب العالمي المترجم من قبل المصريين (الهلال، كتاب اليوم).

كانت مديرة مدرستي في المرحلة الاعدادية نبيل يونس في ركن الدين بعثية نشيطة وقد دعتنا، أوائل المدرسة، للانتساب إلى حزب البعث.  في حينها  كان بعض البعثيين مايزالون مناضلين ومعظمهم منتسبين للحزب قبل أن يصبح حزباً حاكماً. لذلك كانوا مسيسين فعلاً ومؤمنين بحزبهم. كنت في الصف السابع وصغيرة على مثل هذا القرار، بالاضافة إلى أن المناخ العام في سورية في وقتها كان رافضاً لفكرة الحزب القائد لذلك رفضت الانتماء اليه. لكني منذ تلك اللحظة صرت أبحث عما يمكن أن يعني الانتماء والحزب وصرت أبحث عم مكاني في عالم السياسة اليسارية المعارضة، ولم يعجبني في وقتها أني رأيت خالد بكداش على التلفزيون في اجتماع الجبهة الوطنية مع حافظ الأسد. واستمر هذا الوضع إلى أن وجدت هذا الانتماء في الجامعة.

كانت جامعة دمشق، وخاصة كلية الهندسة المدنية، نشيطة في أواخر فترة السبعينات وفي أوائل الثمانينات اي قبل موت المجتمع السوري في عام 1982 عام مجزرة حماه. كانت الجامعة تغلي بالحياة السياسية والثقافية مثل كل المجتمع السوري آنذاك. وكانت تدور نقاشاتنا حول التدخل السوري في لبنان وقصف تل الزعتر ثم أحداث الاخوان المسلمين وتحرك النقابات. ومن خلال كل ذلك تعرفت على طلاب من الحزب العمل الشيوعي المعارض وانتسبت الى هذا الحزب حيث اعتقلت في عام 1987.  في السجن عملت مع رماح البوبو ووجدان ناصيف على تأسيس مجلة وفرقة مسرحية وعملت مع رماح في اخراج عدة مسرحيات كان آخرها مسرحية حورية البحر لهنريك ابسن. وخرجت مع بقية الرفيقات في 26/11/1991يعني خرجت من السجن في بداية عقد التسعينات ذلك العقد الذي يدعى العقد الضائع على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي في تاريخ سورية. ولكنه لم يكن عقداً ضائعاً على الصعيد الثقافي والفكر السياسي الديمقراطي فقد ساهم انهيار المنظمومة الاشتراكية في أوخر الثمانينات في خلق حيوية فكرية جديدة في سورية.

– ماهي نشاطاتك اثناء الثورة؟

منذ انطلاق ثورة تونس بدأت بالنشاط والكتابة الصحفية من أجل الثورة التي كنت على يقين بأنها ستنفجر في سوريا. وكتبت مقالاً أعلن تبعيتي لجيل الشباب الذي سيقوم بالثورة وأدعوهم لتجاوز صراعات جيلنا في فترة الثمانينات. وفي أوائل شهر آذار شاركت مع رزان زيتونة في التوقيع على بيان المثقفين الداعم لمعتقلي ربيع دمشق الذين ضاقت جدران السجن عليهم بعد سقوط الديكتاتورين التونسي والمصري، وهم المناضلون من أجل الديمقراطية منذ زمن بعيد، فأعلنوا الاضراب عن الطعام. ثم نزلنا الى ساحة المرجة في 16 آذار 2011 دعما لأهالي المعتقلين الذين قرروا الاعتصام من أجل أولادهم أمام وزارة الداخلية. قمع النظام الاعتصام بشدة واعتقل 33 معتصما وكنا 12 امرأة من بينهم.

عندما خرجت من المعتقل بعد اسبوعين،  بدأ حلمنا بثورة الحرية ولكن أيضا كان قد بدأ معها القمع والموت. في أوائل شهر أيار دعتني ميا الرحبي لتشكيل مجموعة نسائية لدعم الثورة، ودعوت بدوري عدة صديقات من بينهن وجدان ناصيف. ثم قمنا فيما بعد بدعوة طيف واسع من النساء من مشارب مختلفة (فنانات، صحفيات، كاتبات، ناشطات نسويات، ناشطات سياسياً من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية). وهكذا أسسنا “نساء سوريات لدعم الانتفاضة السورية”، وكنت المنسقة الاعلامية حيث عملنا في صفحة الفيسبوك على مهمة اعلامية محددة وهي التعريف بما يحدث في المناطق الثائرة عن قرب عبر سرد القصص (من لحم ودم) التي كنا نعيشها أثناء قيامنا بهذه المهام. وكذلك قمنا ببعض التحقيقات الميدانية في هذه المناطق. تحت سلسلة اسمها: ماذا يحدث؟ وظهرت أقلام نسائية جديدة في هذا السياق ولكننا كنا ننشر بدون أسماء نظرا للخطر الأمني.

وبدأنا نشاطنا في الذهاب إلى مجالس العزاء التي اقيمت لشباب الثورة الذين قتلهم الأمن أثناء المظاهرات السلمية. ومع تطور الحاجات في المناطق الثائرة عملنا في  الاغاثة سواء لعائلات الشهداء التي فقدت معيلها، أو باغاثة النازحين الذين بدأوا بالتوافد على دمشق من حمص وريف دمشق. وازداد عملنا كثيراً وازدادت التبرعات التي كانت بمعظمها من المحيط الاجتماعي وازدادت الحاجة للادارة وللمأسسة  مثل كل التنسيقيات التي تشكلت في سياق الثورة. حينها نشأت بعض الخلافات حول شكل المأسسة بين رأي يطالب بها ورأي  يرفضها بسبب المخاطر الأمنية، فانقسمنا الى مجموعات  أصغر وإدارتها أسهل.

وبذلك يمكن اعتبار “نساء سوريات لدعم الانتفاضة السورية” الحاضنة الأم التي انبثق عنها فيما بعد عدة مجموعات نسائية عملت في مهام متعددة نشأت في سياق العمل (مشاريع تعليمية، اعمال يدوية، مشاريع صغيرة، مشاريع ثقافية). وبقيت أعمل مع احدى هذه المجموعات حتى خروجي من سورية.

– ماهي النشاطات التي قمت بها بعد خروجك من سورية؟

منذ وصولي إلى باريس عملت على محورين من أجل الثورة السورية: محور العمل الصحفي، حيث كتبت الكثير من المقالات التي نشرتها في مواقع على الانترنت وفي الصحف.  ومحور النشاطات السورية المدنية المتنوعة التي تعمل من أجل الثورة وخاصة من أجل المعتقلين، وشاركت في أغلب  النشاطات التي قامت بها الجمعيات السورية في باريس. كما تعاونت مع الفيدرالية المتوسطية للاختفاء القسري وشاركت معهم في باريس وجنيف ومراكش بمداخلات وعروض شرائح حول الاعتقال والاختفاء القسري في سورية. وكذلك قمت باعداد عروض حول  الصحافة والإعلام في سورية وحول الثورة السورية  في باريس ولوزان وزيورخ. بالاضافة إلى نشاطي في جمعية شمس وكنا قد أسسنا هذه الجمعية من أجل دعم مجموعتنا النسائية في الداخل والمساهمة في مأسستنا عبر الاستفادة من الشروط التنظيمية التي يتطلبها السيستيم الفرنسي فيما يخص جمعيات المجتمع المدني.  أسسناها مع صديقتين فرنسيتين، ناتالي وسارة، عاشتا في سورية لزمن طويل وخرجتا منها بعد بداية الثورة. كنا أربع مؤسسات لها إذ شاركت معنا هالة من أصل لبناني. وكانت ناتالي بونتان رئيستها وأنا رئيسة الشرف وعملت فور وصولي الى باريس كعضوة في هيئتها الادارية. ولكني فيما بعد توقفت عن العمل مع هذه الجمعية بسبب انتهاء عمل مجموعتنا النسائية في الداخل بعد خروج معظم الناشطات فيها من سورية، وكذلك لأني  لم أوافق على عملية تأخير عقد الجمعية العمومية السنوية. وبقي فيما بعد ملف المعتقلين والمخطوفين والمختفين قسرياً في مركز نشاطي.

 وفي مجال المرأة كنت قد شاركت بعد خروجي من سورية مباشرة في تأسيس شبكة المرأة السورية في استوكهولم. ولكني فيما بعد لم استطع السفر الى القاهرة والمشاركة في مأسستها بسبب الأوراق. وكذلك قمت بتقديم عروض عن المرأة السورية ومشاركتها في الحياة السياسية في باريس وتولوز ولوزان.

وكما هو واضح للجميع، بات الوضع في سورية الآن أكثر تعقيداً منذ مجيء داعش. وأصبح الوجود السوري نفسه مهدداً في خضم الصراعات الاقليمية والدولية التي تدور على الأرض السورية وعلى حساب دماء الشعب السوري. لذلك أرى الآن أن مسؤوليتنا هنا في  المهجر الدفاع عن حقنا في حلمنا بالحرية الذي قامت الثورة من أجله. وكذلك العمل على نشر الثقافة السورية وتطويرها لمقاومة مايجري الآن من محاولات لطمس والغاء الهوية والخريطة السورية.

– كيف أثّر كونك امرأة على مسيرتك؟

بالطبع أثر على نشاطي السياسي كوني امرأة. فقد كنت متمردة من أجل حقوقي كامرأة منذ البداية في محيطي الاجتماعي المحافظ. ثم عانينا نحن النساء في مسيرتنا السياسية من كوننا نساء.  رغم ان رفاقنا في الحزب كانوا متقدمين على غيرهم ومؤمنين بحقوق المرأة كاملة ولكن على طريقة حقوق المرأة في تلك الفترة. إذ لم تصل ولا امرأة الى مركز قيادي في حينها، ولم تكن فكرة ضرورة تمكين المرأة سياسياً مطروحة في حينها. أي انهم كانوا متقدمين بالنسبة لزمنهم ومتخلفين بالنسبة لحقوقنا. فقد عانينا مثلاً بأننا كنا أحياناً نستقطب شاباً إلى الحزب، وبعد قليل يصبح من قادتنا في اللجنة المركزية فقط لأنه رجل.  وفيما بعد أثر هذا الأمر بشكل عميق على كل مساراتي وخياراتي ومصائري.

– كيف تودّين أن يذكرك الرأي العام؟ ما أهم إنجازاتك في نضالك من أجل تقدّم المرأة في سوريا؟

في الواقع اعتبر نفسي صحفية وناشطة سياسية من أجل سورية حرة ديمقراطية. ولا أعرف فيما إذا كان عندي انجازات من أجل تقدم المرأة في سورية. إذ لم أكن يوماً ناشطة نسوية، ولكني أدعم العمل النسوي دائماً واعتبره ضرورياً في المجتمع،  واهتمامي به هو جزء من اهتمامي كناشطة من أجل الديمقراطية. وحتى كتابي “الخروج من العزلة” الذي صدر في عام 2013 كان عن الفكر النسوي الحديث الذي يعزز ويطور فكرة الديمقراطية بتعزيزه لفكرة التنوع والاختلاف والتعدد. وكلنا يعلم كم تحتاج سورية الآن تحديداً للايمان بفكرة المشاركة والتشارك بين السوريين المتنوعين والمختلفين في بلد واحد.

 خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »