Search
Close this search box.

موسم الهجرة إلى أمريكا!

موسم الهجرة إلى أمريكا!

 هند جندلي

لم أتمنى يوماً السفر الى أمريكا و لا سعيت أبداً لزيارة لا العم ولا الأخ  ولاحتى الحاج  سام، إلا أن تصاريف القدر التي وضعت على جواز سفر والدتي تأشيرة دخول لتلك البلاد، في حين رفضت بلدي بالتبني استقبالها لأكثر من سنتين، جعل الولايات المتحدة المكان الأمثل للقائها بأحفادها وأبنائها. فتقدمت و زوجي و أولادي الثلاثة بطلب تأشيرة دخول في السفارة الأمريكية في القاهرة و تمت الموافقة عليها بسهولة وكرم ما توقعناه، عُلق على جوازات سفرنا المصرية وسام تأشيرة أمريكية مدتها خمسة أعوام كاملة!

 أمضينا خمسة أشهر في التحضير لسفرة العمر و كأننا مسافرين إلى مجرة أخرى، تقشف في المصاريف اليومية فالسفر مكلف و نحن لسنا من أصحاب رؤوس الأموال. دراسة جغرافية للمدن التي سنزورها, ففي كل ولاية لنا قريب أو صديق.  تحضيرات نفسية وروحية فهذه أول رحلة للأولاد خارج بلاد العرب و نخشى عليهم و على أنفسنا من صدمة حضارية محتملة!

و أحضرنا من أجود وأجمل المشغولات المصرية هدايا و تذكارات للأقارب و الأحباب, لكن أثمن ما حملنا معنا كان حلويات العيد صنعتها أم أحمد اللاجئة السورية بدموعها و دعواتها لأحمد الذي لم تره منذ سنين.

عقدنا العزم وشددنا الرحال أول أيام عيد الفطر دعوات أم أحمد وتمنيات الكثير من الأصدقاء  ترافقنا.غادرنا القاهرة و وصلنا مطار روما عند السابعة صباحا لتغيير الطائرة خلال ساعات. ما أن هممنا بصعود الطائرة المتجهة إلى نيويورك حتى أوقفتنا مضيفة لطيفة لتخبرنا بأن هناك مشكلة تواجهنا !

ظننت في البداية أن المشكلة هي أن مقاعد جلوسنا في الطائرة لن تكون متلاصقة أو بأسوأ الأحوال أن حجزنا عن طريق الانترنت لم يتم بشكل سليم.

بحزم ممزوج بأدب جَم أخبرتنا  أن تعليمات وصلتهم من قسم الهجرة و الأمن الوطني اللأمريكيين بعدم السماح لنا بإكمال الرحلة !!!

وبعد سؤال لماذا ؟ أتى الجواب بكل بساطة و صراحة  : “أنتم غير مرحب بكم في الولايات المتحدة”. نقطة انتهى.

غير مرحب بنا !!! بعد أن أعطونا تأشيرة دخول منذ أشهر قرروا الآن و نحن في منتصف الطريق أننا لا نستحقها !!

باءت بالفشل كل محاولاتنا بإقناعها بأننا نحمل تأشيرات دخول نظامية لأمريكا و لايحق لهم إيقافنا بدون أسباب أو تهمة واضحة. أفضل ما أمكنها أن تساعدنا به هو حجز مقاعد لنا على طائرة العودة, و قصاصة ورق كتب عليها رقم السفارة الأمريكية في روما.

وقفنا في قلب المطار الإيطالي و كأننا شلة خارجة على القانون, مرفوضون و منبوذون بدون تهمة و دليل.

شعور فظيع بالإهانة  والمرار, شعور بالعبثية وأن حياتنا و أحلامنا لعبة في يد طفل أرعن. هل لأننا مسلمون ؟ أم لأني سورية الأصل ؟ أم أن هناك من أبلغ أننا إرهابيون ؟

ابنتي التي أمضت شهور  بحياكة دمى لبنات خالها اللاتي لم تقابلهم سوى في الصور و الفيديوهات تبكي بمرار!

أولادي مصدومون و لا يريدون تصديق أن حلم السفر و اكتشاف عالم جديد قد تبدد !!

زوجي لا يريد الاعتراف بالهزيمة, بدأ بمخابرة السفارة الأمريكية في روما و القاهرة لكن دون رد, كلَم الأقارب المنتظرين وصولنا في أمريكا عسى أن يستطيعوا إيجاد أي توضيح لموقفنا  لكن أيضا دون فائدة. أرسل رسالة الكترونية للقنصل الأمريكي في القاهرة شرح له الموقف و طالب بتفسير و تعويض فوري لكن الرد لم يأت إلا بعد انتهاء العيد.

أيضا لم يستسلم دخلنا لنتكلم مع أمن المطار الإيطالي فهاجمنا القائم عليه و اتهمنا بأننا نحن من تأخرنا على موعد الطائرة و بعد أن أخبرته المضيفة أننا كنا على الموعد و أنهم هم من أوقفونا تفتق ذهنه عن تهمة أدسم و اتهمنا بأننا نحاول الدخول الى إيطاليا بطريقة غير شرعية !!

عندها قررنا إيقاف الجهود و تأجيلها حتى الرجوع إلى القاهرة بدلا من الدخول في قضية لجوء ملفقة نحن في غنى عنها.

وانتظرنا في المطار 14 ساعة ما كان يخطر ببالي خلالها سوى قصص كثيرة سمعتها عن سوريين أمضوا أياما في مطارات حول العالم لأسباب شتى دون أي اعتبار لإنسانيتهم أو كرامتهم. أهمها قصة سيدة سورية قابلتها صديقة لي في مطار القاهرة و قد تم حجزها هي و وأطفالها الأربعة لمدة 48 ساعة بسبب خطأ في التأشيرة أو الإقامة, أحد الاطفال كان رضيعا و الآخر يعاني من الحمى.

عدنا إلى القاهرة لتتصل بنا السفارة بعد العيد مباشرة طالبة منا التوجه إليها مع إحضار جوازات السفر الخمسة. خلال هذه المدة القصيرة قمنا باستشارة محاميين مختصين بالقانون القنصلي الأمريكي  و تحققنا من جميع المواقع التابعة للحكومة الأمريكية عن موقفنا و تبين أنه عند التقدم بطلب تأشيرة أمريكية فإن أحد بنود الطلب تذكر أنه من حق الولايات المتحدة إلغاء هذه التأشيرة في أي وقت و لأية أسباب تراها واجبة و دون أي سابق إنذار, و أنه لا حق للمتقدم بطلب أي تعويض. أي  بالمختصر لا حق لنا حتى بالاعتراض .

توجهنا للسفارة, وبعد انتظار دام أكثر من ساعة و نصف قابلنا موظف وسيم هادئ استلم منا جوازات السفر, فتحها على صفحة التأشيرة الأمريكية,  أخذ ختم الإلغاء من على مكتبه و ابتعد عن أنظارنا (خوفا على مشاعرنا), خمس دمغات سمعتها عن بعد وشعرت بها تطعنني في قلبي,  ليعود الموظف أمامنا و يعتذر بكل أدب أن التأشيرات قد ألغيت .

أما عن سبب إلغائها فهو :

“مهاجرون محتملون”

” يا سيدي . أولم نقدم لكم الأوراق التي تثبت أن لا نية لنا بالهجرة عند التقديم للتأشيرة؟!”

” نعم لكن قسم الهجرة و الأمن الوطني منفصل عن السفارات الأمريكية  في الدول و له الحق في إلغاء التأشيرة حتى لو تقدمتم بكامل الأوراق و الإثباتات”

” وهل هذا الإلغاء يؤثر على حصولنا على تأشيرات لدول أخرى ؟”

” لكل دولة حساباتها الخاصة, لكن بالنسبة لنا يمكن التقديم لتأشيرة أمريكية جديدة في أي وقت تشاؤونه”

” و من سيعوضنا عن الخسائر المادية التي تكبدنا جراء تأخركم بهذا القرار ؟”

” أعتذر نيابة عن الحكومة الأمريكية لكن لا تعويض من طرفنا”

 وانتهت المقابلة وانتهت الرحلة, وبقي لنا للذكرى تأشيرة ميتة على جوازات سفرنا وحقيبة مليئة بالهدايا وأحلام مؤجلة بلقاء عائلة مشتتة.

 اللوحة للفنان البلجيكي: رينيه ماغريت

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »