Search
Close this search box.

عن ضرورة تجفيف خطاب الكراهية في الإعلام السوري (البديل)

عن ضرورة تجفيف خطاب الكراهية في الإعلام السوري (البديل)

بيروز بريك*

بات للمشهد السوري أوجه متعددة داخلة في بؤرة التناول الصحفي بحكم النزاع الضاري القائم على أرض سوريا، فبعد عقود الاستبداد الطويلة التي ألغت- وبشكل- سافر وجود صحافة حرة وجد مواطنون سوريون أنفسهم يقومون بأدوار متعددة في مجال الإعلام ونقل الخبر  وصياغته ونشره وبرزت في بداية الثورة ظاهرة شاهد العيان ومن ثم المواطن الصحفي إلى أن نشأت العديد من الوسائل الإعلامية تحت تصنيف ماسمي بـ (الإعلام البديل) الذي شهد فورة في الإصدارات من مجلات ونشرات ومطويات وبروشورات ومواقع الكترونية وراديوهات تتلقى الدعم من مصادر شتى .

الجوانب الإنسانية والعسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدخل في متناول ممتهني العمل الصحفي محترفين وهواة، وكل هذه المحاور غنية بأحداث ووقائع وتحولات كبرى شكلت محتوى وسياقاً مرئياً ومسموعاً ومكتوباً لصحافة دولية ذات إمكانيات مادية وحرفية كبيرة، أو عربية تنحصر احترافيتها في الغالب ضمن الصعيدين التقني والتحريري فقط بينما يغيب عنها الالتزام بالتوازن المرجو وهي تتبع ممولين وساسة قد يكونون منغمسين في الشأن السوري بشكل أو بآخر، أو سورية يغلب عليها طابع الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية الناشئة ضمن أجواء الثورة والنزاع لا يغيب عنها تأثير الاستقطابات السياسية ومزاجية أصحاب المبادرات أو توجهات الرعاة والمانحين .

تنامت ظاهرة المواطن الصحفي التي عوضت إلى حد معقول غياب الصحافة المهنية في أغلب الأوقات، غير أن هذه التجربة  شابها الاندفاع والارتجال وقلة الخبرة مما أوجد خللا واضحاً، وغابت معايير التصنيف الحقيقية إذ تغاضت المؤسسات الصحفية الرصينة عن اشتراطات مهنية كثيرة للتعامل مع الصحفيين، واحتضان أعمالهم ونتاجاتهم لصالح كسب الخبر او المعلومة التي تتوفر – في العموم –  لدى شباب صغار في السن (مواطنين صحفيين) قريبين من الحدث ويستعملون أدوات تقنية سهلة الاستعمال ويتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت بسهولة، واتجهت العديد من المؤسسات والمنظمات المدنية وبدعم من مانحين دوليين لبرامج وورش تدريبية لعدد كبير من هؤلاء المواطنين الصحفيين.

استقبلت عشرات المؤسسات والوسائل الإعلامية ضمن ( الإعلام البديل) عدداً كبيراً من الصحفيين والكتاب والمحررين والمصورين ومصادر الخبر والمراسلين لقاء أجور تعد جيّدة إذا ما قورنت بدخل المواطن السوري ضمن جو الحرب القائمة، كما قدمت المنظمات الأمريكية والأوربية دعماً مستمراَ لورشات التدريب وللمشاريع والمبادرات والحملات الإعلامية وساعد هذا الدعم على ازدهار مبادرات عديدة تتجه نحو تشكيل فضاء إعلامي خاص يراعى فيه التنوع والاختلاف وأتيح لهواة التصوير وإعداد الوثائقيات أن يخوضوا غمار التجربة العملية ويضعوا أقدامهم على أولى سلالم الاحتراف وبرزت العديد من الأفلام والصور التي عكست واقع الإنسان ضمن هذه الحرب المسعورة .

وعلى الصعيد الميداني أصبح لكل الفصائل العسكرية المتواجدة مكاتب (إعلامية) تشرف على تغطية المعارك والعمليات العسكرية كما أن كل الهيئات السياسية أوجدت لنفسها نوافذ وواجهات إعلامية ومكاتب صحفية تشرف على ضخ البروباغاندا السياسية لها.

 بعض هذه الوسائل الإعلامية ولا سيما تلك التي وجدت فيها أشخاص أو جهات متورطة في تغذية الحرب الدائرة بمقومات البقاء، باتوا يدعمون حملات التحريض ضد خصوم سياسيين أو جهات سياسية أو عسكرية إلى أن وصل الحد إلى التحريض المنظم ضد بعض المكونات السورية كالكرد والعلويين والاسماعيليين والدروز والشركس أو ضد المختلفين فكرياً أو سياسياً  أشرف على هذه الحملات أناس إما مرتبطون بتمويلات خارجية تعكس توجهات بعض الدول المنغمسة في الحرب السورية ولها وكلاؤها الإعلاميون إسوة بالوكلاء العسكريين ويعملون ضمن هذا السياق بقصد أو بدونه أو قد يكون بعضهم قد دخل في هذا المستنقع بدافع من الرعونة والجهل وعدم الخبرة وفي كلا الحالتين ينبغي التصدي لهذه الظواهر غير المضبوطة بالنظر لعدم اتفاق وسائل الإعلام على مواثيق شرف صحفي تكبح جماح الميل الغريزي لدى بعض الطارئين لتسفيه الآخر أو تخوينه أو تكفيره وحتى التحريض على قتله أو إبادته.

ففي ظل استمرار النزاع واستغلال أطراف كثيرة الوسائل الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي لبث خطاب الكراهية ولغة الحقد والتباغض بين المكونات تشكلت ما يمكن أن نسميها (صحافة حرب)، وبقيت صحافة السلام التي تعتمد خطابا ينحو باتجاه السلم المجتمعي والتعايش فقيرة وهشة، وتفتقد عوامل التأثير  وديمومة الدعم المقدم لها بينما يتعاظم تأثير  القنوات والصحف والمواقع الالكترونية الداعية إلى إلغاء الآخر المتمايز،  إذ تعج العديد من الوسائل المختصة بالشأن السوري بلغة تحريض على العنف والقتل ومحتوى ينم عن جهل بأبسط أخلاقيات العمل الصحفي عدا عن تسخيف متعمد يطال أسس مهنة الصحافة، وكثيراً ما تخلق المقالات والتقارير التي يبرز فيها محتوى العدائية تجاه الآخر جواً سلبياً ضاغطاً يضاف إلى ذلك وجود حمولة كبيرة من الألفاظ غير المهنية والشتائم والتنميطات الكيدية ضمن خطاب عدد كبير من هذه الوسائل، ومنها ما هو  متابع ويحظى بحضور جيد مما يغذي بيئة العنف القائم بعوامل الديمومة ويؤدي لنشوء ذائقة شعبية ميالة للعنف والعدائية تجاه الآخر المتمايز فكرياً أو قومياً أو دينياً ويختفي بذلك أثر الصحافة العاملة في مجال بناء السلام وتقوية ركائزه القليلة المتبقية التي يستلزم وعياً بخطورة توسل الإعلام والصحافة كأداة لبث سموم العنصرية والحقد بين المكونات.

 يتواجد في المشهد الصحفي السوري صحفيون ومواطنون صحفيون مؤمنون بضرورة إحلال السلام ووقف الحرب الدموية القائمة في سوريا، غير أنهم يفتقدون للتدريبات التي تصقل تجربتهم وتؤصل الروح السلمية التي يتمتعون بها.

لذا نجد أن جزءاً كبير اً من حل المشكلة يكمن في الشروع بتهيئة مناخ حقيقي لنمو صحافة السلام، ولإدراج الألفاظ والمفردات المعززة للسلم في خطاب الصحفيين، وهذا يقتضي بدوره إيجاد أجواء تفاعلية بين أفراد هذه الشريحة التي تلعب دوراً مهماً في صناعة السلام إذا ما دعمت مشاريع لهم يكون ضمن برامجها تنظيم ورشات عمل وحلقات نقاش وحملات إعلامية وفرص للإطلاع على تجارب الشعوب الأخرى الخارجة من حروب أهلية تمهيداً لتكوين ملامح الخطاب الإعلامي المتوازن والخالي من خطاب الكراهية والمواكب للهموم والانتظارات والرافض للأخطاء بحيث يغدو الإعلام فعلا صوتاً وضميراً ومرآة تعكس واقع الحال، ويضغط على القوى المتنفذة ويشكل ظهيراُ حقيقياً للمواطن البسيط المغلوب على أمره والطامح لحلول السلام وزوال مسلسل القتل والاحتراب .

صحفي وعضو منظمة شار للتنمية

اللوحة للفنان: دييغو ريفيرا

 خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »